jo24_banner
jo24_banner

اسرائيل: وهم القوة وجدلية البقاء

أ.د احمد القطامين
جو 24 :
 عادة ما يمر التاريخ الانساني بطفرات تبدو عند وقوعها انها تحولات استثنائية غير طبيعية من الممكن ان نطلق عليها "حالات انتظام تاريخية". ان الوظيفية الاساسية لهذ الانتظام انه يسعى بشكل تلقائي الى إحداث توازنات لحالات تشوه كبرى يحدثها البشر في مسار التاريخ نتيجة الاطماع والسعي لتحقيق المصالح عوضا عن السعي لتحقيق العدالة.
وتشير الدلائل التاريخية الى ان وقوع هذه الحالات من الانتظام التاريخي يرافقه قدرا كبيرا من الفوضى عند بدئه، وتدفع البشرية اثمانا باهضة قبل ان تستقر الاوضاع تدريجيا ويعود التاريخ الى حالة الانتظام المعتادة.. ومن احدث الامثلة على حالات الانتظام تلك ما حدث فجر السابع من اكتوبر الماضي فيما عرف بمعركة "طوفان الاقصى". ان تلك الحادثة الحاسمة ستنتج عملية انتظام جديد في التاريخ المعاصر، وسيكون ما يأتي بعدها يختلف كليا عما سبقها بغض النظر عن نتيجة الحرب الدائرة الان في غزة..
طبعا من المؤكد ان النخب الفكرية في الكيان يدركون حقيقة ما يجري ويعلمون ان سياسيهم قليلي التدبير والحنكة يفاقمون بقراراتهم تأثير هذه الاحداث على مستقبل الدولة العبرية في فلسطين، ويعلمون يقينينا ان ما يجري يتناغم مع الكثير من المؤشرات والحالات التي تدل على ان النهاية قد اقتربت وان الانتظام التاريخي الجديد ستكون اولى ضحاياه هذا الكيان الشاذ في التاريخ.
وهذا هو العامل الاول الذي يتحكم بتطورات الاحداث الجارية الان.
اما العامل الثاني فينبع من ان ما يحكم الشعور السائد هذه الايام في مجتمع الكيان ونخبه السياسية والفكرية يتمحور حول عقدة الثمانين، وعقدة الثمانين في الوجدان الجمعي اليهودي هي عملية اسقاط التجارب التاريخية على الواقع الراهن حيث لم يسبق ان تمكنت اي من ممالك بني اسرائيل عبر التاريخ من البقاء بعد ان يبلغ عمرها الثمانين عاما، وبالتالي فان الكيان الاسرائيلي الحالي ليس من المتوقع ان يجتاز حاجز الثمانين.
اما العامل الثالث فيتعلق بنتائج دراسة ميدانية انجزت في شهر مايو الماضي واشارت الى ان عدد الفلسطينيين قد زاد عن عدد اليهود على ارض فلسطين التاريخية حيث اصبحت نسبة الفلسطينيين العرب 51 بالمائة ونسبة اليهود 49 بالمائة. ان المقصود هنا هو عدد الفلسطينيين الذين يعيشون على ارض فلسطين التاريخية في الضفة الغربية وغزة وداخل الخط الاخضر ممن يعرفون بفلسطينيي ال 48 ولا يتضمن الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات. وهذه الحقيقة بحد ذاتها اصابت استراتيجيي الكيان بحالة من الصداع المزمن غير القابل للعلاج.
هذه العوامل الثلاثة تحدد الطريقة التي تتفاعل من خلالها الاحداث الكبرى التي تجري في فلسطين وتؤشر الى الاتجاه الذي ستسلكه التطورات في الاسابيع والاشهر القادمة في عالم تسوده الفوضى في المواقف وفي عملية اتخاذ القرار في اجواء تخنقها رائحة الموت والمجازر غير المسبوقة التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة، وهي مجازر تشكل وقودا حيويا لحالة الانتظام التاريخي التي بدأت بالتشكل منذ صبيحة السابع من اكتوبر.. 




 
تابعو الأردن 24 على google news