عسر هضم ديمغرافي!!!
خيري منصور
جو 24 : هناك واقعة غالبا ما تروى في مناسبات لها علاقة بالمجتمعات التي تتوفر لها عناصر التحول لكنها تبقى خاملة، وفي حالة من الاستنقاع بأبعاده الثلاثة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، انها ما كتبه جيفارا عن زائير لهذا لا تكفي الظروف الموضوعية لاحداث اي تغيير فالشقاء مهما بلغ لا يخلق شهوة الاصلاح، بل الوعي به، وهذا ما قاله جان جاك روسو في وقت مبكر نسبياً, قبل ان تولد مصطلحات من طراز الدولة الفاشلة والمجتمع الفاشل.
واذا كانت الدولة الفاشلة من خلال نماذجها الحاضرة والمعروفة تحديدا في افريقيا وآسيا قد باتت مفهومة لفرط ما كتب عنها بدءاً من مطارحات تشومسكي، فان المجتمع الفاشل بحاجة الى تعريف، انه المجتمع الذي يصاب بعسر هضم ديمغرافي اولا، ثم يعجز عن الاستيعاب والامتصاص بحيث يصبح ديناميات سالبة وطاردة، بعكس المجتمع المعافى القادر على الامتصاص والتمثل واعادة الانتاج، وقد كانت مصر في زمن ما نموذجا لهذا المجتمع من حيث قدرتها على التمصير، فاليوناني والتركي وحتى الاوروبي تم استيعابهم وتمصيرهم، وابرز مثال على ذلك ان اهم الشعراء الشعبيين في مصر من اصول غير مصرية كبيرم التونسي وفؤاد حداد رغم الصعوبة في هذا المجال، لانه يتطلب اندماجا تاما في المجتمع كي يستطيع التعبير عن روحه.
والدليل الآخر على ان الظروف الموضوعية وحدها لا تكفي لاحداث تغيير بنيوي ما حدث للمرأة في معظم اقطار العالم العربي، فالاستقلال الاقتصادي كان الوصفة السائدة للتحرر، لكنه حين أنجز اتضح ان هناك معوقات اخرى تبطل مفاعيله كلها منها الاعراف وسطوة التقاليد والنسيج الاجتماعي غير المتمدن والذي يراوح بين الرعوية والريعية من حيث أنماط انتاجه ومنظومة مفاهيمه!
والمجتمع ككل سياق تاريخي وعضوي في عالمنا ليس حاصل جمع افراده فقط وروح المجتمع التي تحرك اشواقه هي الفائض الناتج عن جمع تلك العناصر، تماما كما ان تشريح الوردة لا يتيح لنا ان نعثر على العضو الذي يفرز رائحتها.
ولو كتب عن المجتمعات الفاشلة واحد بالالف مما كتب عن الدولة الفاشلة لكان لدينا الآن منجز يكفي لاعانة الباحث واعانة الانسان العادي كي يفهم لماذا يجد نفسه وحيدا، وخارج السرب.
وهناك مجتمعات تبدو مكتملة النصاب من حيث عناصر مكوناتها، لكنها تشكو من بطالة اخرى غير بطالة العمل، انها البطالة السياسية والتاريخية، لأن افرادها تتضخم ذواتهم وبالتالي انانياتهم بحيث يتصور كل واحد منهم انه محور الكون وان الشمس تشرق لاجله فقط.
المجتمعات الفاشلة بحاجة الى رصد وكشف من الداخل لان سطحها بما يتلألأ عليه من مشاهد الحداثة خادع!!
(الدستور)
واذا كانت الدولة الفاشلة من خلال نماذجها الحاضرة والمعروفة تحديدا في افريقيا وآسيا قد باتت مفهومة لفرط ما كتب عنها بدءاً من مطارحات تشومسكي، فان المجتمع الفاشل بحاجة الى تعريف، انه المجتمع الذي يصاب بعسر هضم ديمغرافي اولا، ثم يعجز عن الاستيعاب والامتصاص بحيث يصبح ديناميات سالبة وطاردة، بعكس المجتمع المعافى القادر على الامتصاص والتمثل واعادة الانتاج، وقد كانت مصر في زمن ما نموذجا لهذا المجتمع من حيث قدرتها على التمصير، فاليوناني والتركي وحتى الاوروبي تم استيعابهم وتمصيرهم، وابرز مثال على ذلك ان اهم الشعراء الشعبيين في مصر من اصول غير مصرية كبيرم التونسي وفؤاد حداد رغم الصعوبة في هذا المجال، لانه يتطلب اندماجا تاما في المجتمع كي يستطيع التعبير عن روحه.
والدليل الآخر على ان الظروف الموضوعية وحدها لا تكفي لاحداث تغيير بنيوي ما حدث للمرأة في معظم اقطار العالم العربي، فالاستقلال الاقتصادي كان الوصفة السائدة للتحرر، لكنه حين أنجز اتضح ان هناك معوقات اخرى تبطل مفاعيله كلها منها الاعراف وسطوة التقاليد والنسيج الاجتماعي غير المتمدن والذي يراوح بين الرعوية والريعية من حيث أنماط انتاجه ومنظومة مفاهيمه!
والمجتمع ككل سياق تاريخي وعضوي في عالمنا ليس حاصل جمع افراده فقط وروح المجتمع التي تحرك اشواقه هي الفائض الناتج عن جمع تلك العناصر، تماما كما ان تشريح الوردة لا يتيح لنا ان نعثر على العضو الذي يفرز رائحتها.
ولو كتب عن المجتمعات الفاشلة واحد بالالف مما كتب عن الدولة الفاشلة لكان لدينا الآن منجز يكفي لاعانة الباحث واعانة الانسان العادي كي يفهم لماذا يجد نفسه وحيدا، وخارج السرب.
وهناك مجتمعات تبدو مكتملة النصاب من حيث عناصر مكوناتها، لكنها تشكو من بطالة اخرى غير بطالة العمل، انها البطالة السياسية والتاريخية، لأن افرادها تتضخم ذواتهم وبالتالي انانياتهم بحيث يتصور كل واحد منهم انه محور الكون وان الشمس تشرق لاجله فقط.
المجتمعات الفاشلة بحاجة الى رصد وكشف من الداخل لان سطحها بما يتلألأ عليه من مشاهد الحداثة خادع!!
(الدستور)