نرجسية الحاكم وماسوشية المحكوم
خيري منصور
جو 24 : بدأت بعض الفضائيات مؤخراً باستضافة اكاديميين وعلماء نفس واجتماع بعد ان اصابتها التخمة من أعشار المثقفين الذين يتجرأون على الكلام في كل شيء، بحيث اصبحت صفة خبير استراتيجي تطلق بالمجان على من لا يفرقون بين الاستراتيجية والبامياء.
على احدى الشاشات المصرية قال عالم النفس د. احمد عكاشة عبارة تختزل الحكاية كلها، هي ما سماه نرجسية الحاكم وبالتالي ماسوشية المحكوم، فالاستبداد ككل المعادلات في التاريخ له طرفان، فاعل ومفعول به، ولولا خضوع البشر في مراحل معينة للاستبداد لما كان هناك مستبدون!
وكان الرائد النهضوي عبدالرحمن الكواكبي قد قال شيئا كهذا في كتابه طبائع الاستبداد قبل قرن من الزمن، فلا يكون الانسان ظالما الا اذا كان هناك بالمقابل مظلوم، والمظلومون نوعان او سلالتان، واحدة تكظم الغيظ وتتحمل بانتظار اللحظة التي يبلغ فيها السيل الزبى فتنفجر، والاخرى تتأقلم مع الظلم بحيث تصاب بمرور الوقت بمرض مزمن وعصي على الشفاء هو الماسوشية اي التلذذ بالظلم والالم، وهي حين لا تجد من يضطهدها تخترعه لانها لا تستطيع البقاء بدون ذلك.
تحدث د. عكاشة عن قرن كامل مرّ على مصر، كان فيه معظم الحكام نرجسيين ولم يشغلوا بالهم بأية شجون وطنية تتخطى الذات، وقد يبدو هذا الحكم مجردا واقرب الى التعميم، لكن ما يعنيه الدكتور عكاشة هو الظاهرة سواء تعلقت بمصر أو أي بلد آخر.
وتتجسد النرجسية السلطوية في أحد أمرين، اما البحث عن الخلود بأدوات ووسائل وهمية ولا تتخطى البروتوكول الموسمي، أو البحث عن الخلود من خلال منجزات وطنية كبرى.. لهذا هناك زعماء يموتون تماماً عندما يغادرون الحياة مقابل آخرين يستعصون على الدفن لأنهم يموتون لكن الى حدّ ما وتفيض منجزاتهم عن مساحات قبورهم.
ما نتجاهله أحيانا للتواطؤ أو تهرباً من فقد الذات هو ان المستبد لا يولد دفعة واحدة، وهناك عوامل لتشكيل ذاته في مقدمتها بتعهد وتبرير الاخطاء وتزيين كل ما هو قبيح بحثا عن الاسترضاء، لهذا يروي حمزاتوف الشاعر الداغستاني حكاية يمتزج فيها التاريخ بالاسطورة والواقع بالخيال عن مستبد قرر أن يعاقب كل من لا يسبح بحمده وحين علم ان هناك واحداً يرفض هذا التسبيح أمر بقتله، لكنه في اللحظة الحاسمة صاح بالسّياف كي يتوقف عن ذبحه، لأن البلاد من غير واحد مثله ستكون أرملة.
ان احوالنا العربية الآن تحتاج الى علماء نفس واجتماع وانثربولوجيا ايضا لتشخيص أمراض تفتك بنا دون ان نشعر بها، وحبذا لو تحذو بعض الفضائيات على الاقل حذو تلك الفضائية المغامرة باستضافة علماء بعد أن اصابنا الغثيان من الخبراء في فقه الهزائم والمحترفون الذين يصلحون لكل شيء لأنهم لا يصلحون لشيء واحد!
(الدستور)
على احدى الشاشات المصرية قال عالم النفس د. احمد عكاشة عبارة تختزل الحكاية كلها، هي ما سماه نرجسية الحاكم وبالتالي ماسوشية المحكوم، فالاستبداد ككل المعادلات في التاريخ له طرفان، فاعل ومفعول به، ولولا خضوع البشر في مراحل معينة للاستبداد لما كان هناك مستبدون!
وكان الرائد النهضوي عبدالرحمن الكواكبي قد قال شيئا كهذا في كتابه طبائع الاستبداد قبل قرن من الزمن، فلا يكون الانسان ظالما الا اذا كان هناك بالمقابل مظلوم، والمظلومون نوعان او سلالتان، واحدة تكظم الغيظ وتتحمل بانتظار اللحظة التي يبلغ فيها السيل الزبى فتنفجر، والاخرى تتأقلم مع الظلم بحيث تصاب بمرور الوقت بمرض مزمن وعصي على الشفاء هو الماسوشية اي التلذذ بالظلم والالم، وهي حين لا تجد من يضطهدها تخترعه لانها لا تستطيع البقاء بدون ذلك.
تحدث د. عكاشة عن قرن كامل مرّ على مصر، كان فيه معظم الحكام نرجسيين ولم يشغلوا بالهم بأية شجون وطنية تتخطى الذات، وقد يبدو هذا الحكم مجردا واقرب الى التعميم، لكن ما يعنيه الدكتور عكاشة هو الظاهرة سواء تعلقت بمصر أو أي بلد آخر.
وتتجسد النرجسية السلطوية في أحد أمرين، اما البحث عن الخلود بأدوات ووسائل وهمية ولا تتخطى البروتوكول الموسمي، أو البحث عن الخلود من خلال منجزات وطنية كبرى.. لهذا هناك زعماء يموتون تماماً عندما يغادرون الحياة مقابل آخرين يستعصون على الدفن لأنهم يموتون لكن الى حدّ ما وتفيض منجزاتهم عن مساحات قبورهم.
ما نتجاهله أحيانا للتواطؤ أو تهرباً من فقد الذات هو ان المستبد لا يولد دفعة واحدة، وهناك عوامل لتشكيل ذاته في مقدمتها بتعهد وتبرير الاخطاء وتزيين كل ما هو قبيح بحثا عن الاسترضاء، لهذا يروي حمزاتوف الشاعر الداغستاني حكاية يمتزج فيها التاريخ بالاسطورة والواقع بالخيال عن مستبد قرر أن يعاقب كل من لا يسبح بحمده وحين علم ان هناك واحداً يرفض هذا التسبيح أمر بقتله، لكنه في اللحظة الحاسمة صاح بالسّياف كي يتوقف عن ذبحه، لأن البلاد من غير واحد مثله ستكون أرملة.
ان احوالنا العربية الآن تحتاج الى علماء نفس واجتماع وانثربولوجيا ايضا لتشخيص أمراض تفتك بنا دون ان نشعر بها، وحبذا لو تحذو بعض الفضائيات على الاقل حذو تلك الفضائية المغامرة باستضافة علماء بعد أن اصابنا الغثيان من الخبراء في فقه الهزائم والمحترفون الذين يصلحون لكل شيء لأنهم لا يصلحون لشيء واحد!
(الدستور)