فشل القيادة: حرب الابادة في غزة أنموذجا
أ.د احمد القطامين
جو 24 :
تحول الصراع الهائل في غزة الى مذبحة جماعية ليس لها سوابق في التاريخ من حيث كثافة قتل المدنيين وعدم اهتمام المعتدي باخفاء نيته الاجرامية على القيام بفعل الابادة. انها حالة جديدة على الاقل في التاريخ المعاصر ان لا يأبه المعتدي بما يراه الاخرون من فعل المذبحة البشرية التي يقوم بها علنا وبالصوت والصورة.
يعتقد الكثير من المراقبين، وانا منهم ،ان هذه الحالة الشاذة من حالات القتل العلن نابعة من فشل كبير وعوز هائل في فنون القيادة الاستراتيجية السياسية لقادة اسرائيل.
فعندما يتعلق الأمر بالقيادة السياسية الاستراتيجية في زمن الحرب، تصبح المهارات اللازمة للقادة ذات أهمية حيوية للنجاح في توجيه البلاد والمجتمع خلال فترات الصراع والتحديات العسكرية. تجمع مهارات القائد السياسي في زمن الحرب بين القيادة الاستراتيجية وفنون الدبلوماسية وكم نوعي هائل من المهارات التفاوضية، وتتطلب تحكماً عميقاً في مفاصل هذه المهارات. وعند تطبيق ذلك على ما تمارسة القيادة الاسرائيلية في حربها على غزة نجد انها مهارات تقترب من الصفر.
أولاً وقبل كل شيء، يجب أن يكون القائد السياسي في زمن الحرب قادراً على وضع رؤية استراتيجية واضحة تحدد الأهداف والمبادئ الاساسية للدولة خلال الصراع ويجب أن تكون هذه الرؤية ملهمة وقادرة على توحيد الشعب والجيش خلف أهدافه وتنأى بنفسها كليا عن اية شبهة لها علاقة باستهداف المدنيين والبنى التحتية المدنية. وعند تطبيق ذلك على ممارسات القيادة الاسرائيلية نجد انها تمارس العكس تماما.
ثانياً، تتطلب القيادة السياسية في زمن الحرب القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة والسريعة بناءً على المعلومات المتاحة والتقديرات الاستراتيجية ويجب على القائد السياسي أن يكون قادراً على التفكير الاستراتيجي وتقييم النتائج المحتملة لكل خطوة يقوم بها بما يخدم تحقيق الاهداف المحددة بعيدا تماما عن قتل المدنيين وتدمير المعالم المدنية. وعند تطبيق ذلك على ما تقوم به القيادة الاسرائيلية نجد ان ممارساتها في هذه الحرب تقترب من الصفر.
ثالثاً، يجب أن يتمتع القائد السياسي بمهارات دبلوماسية قوية للتفاوض مع الجهات الأخرى، سواء كانت دولاً أخرى أو جماعات مسلحة أو مجتمع دولي، فالتفاوض السياسي في زمن الحرب قد يكون مفتاحاً لتحقيق السلام أو للحد من حدة النزاع او لحفظ خطوط الرجعة اذا ما تغيرت المعادلات مستقبلا. وعند تطبيق ذلك على ما تقوم به القيادة الاسرائيلية نجد انها قد استبدلت ذلك بالتهديد والوعيد والتخبط على كافة االمستويات.
رابعاً، يجب على القائد السياسي في زمن الحرب أن يتمتع بقدرة على بناء تحالفات قوية وإدارة العلاقات مع الدول الصديقة والشريكة. هذه التحالفات يمكن أن تكون حاسمة في تقديم الدعم السياسي والعسكري للدولة خلال الصراع. وفي هذه النقطة بالتحديد تعاني القيادة الاسرائيلية فشلا لا مثيل له يتجسد في عدم القدرة حتى على الاحتفاظ باقرب واقوى الحلفاء.
ختاماً، يجب أن يكون القائد السياسي في زمن الحرب قادراً على التواصل بفعالية مع المجتمع وتوجيهه خلال فترات الأزمات. يجب أن يكون لديه القدرة على توضيح الأهداف والاستراتيجيات بشكل يلهم الثقة والتفاؤل. وفي هذه النقطة تخوض القيادة الاسرائيلية ما يشبه الحرب مع اهالي الاسرى وفئات اجتماعية وسياسة اخرى.
باختصار، تتطلب القيادة السياسية في زمن الحرب مجموعة متنوعة من المهارات الاستراتيجية والدبلوماسية والتفاوضية والاتصالية، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة وبناء التحالفات وتوجيه الشعب خلال الأوقات الصعبة، وفي جميع هذه الحالات تعاني القيادة الاسرائيلية فشلا ذريعا سيقود حتما الى مفاجآت استراتيجية وجودية قريبا.
qatamin8@hotmail.com