العملاء والجواسيس .. عين الاحتلال الثالثة
فريق ركن متقاعد موسى العدوان
جو 24 :
تحت هذا العنوان، صدر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت عام 2016، كتاب لمؤلفه أحمد حامد البيتاوي. ويشكل هذا الكتاب محاولة لفهم إحدى أخطر الظواهر على النسيج الفلسطيني في مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاجتماعية. وتشكل هذه الظاهرة أكثر أدوات الاحتلال فاعلية، في استهداف القيادات والكوادر السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية، سواء بالاغتيال أو بالاعتقال.
تضمن الكتاب لمحة تاريخية موجزة، عن الجواسيس الفلسطينيين والتجسس الإسرائيلي على الفلسطينيين زمن الاحتلال البريطاني، إذ جرى التركيز خلال تلك الفترة على أمرين : المعلومات التي تمكنهم من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وجمع المعلومات عن المقاومين للمشروع الصهيوني. ثم يتناول الكاتب أسباب التخابر لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ووسائل تجنيد وتأهيل الجواسيس، إضافة لكيفية التواصل معهم، ومناقشتهم في كيفية تنفيذ المهام التي تُسند إليهم.
بيّن الكاتب أن الأسباب التي تدفع الشخص إلى العمالة والجاسوسية، هي أسباب ثلاث :
1. العوامل الاستعدادية والكامنة، التي تربط خلفية الفرد ونشأته وعلاقته بوالدية وأقرانه.
2. العوامل المهيئة والمعززة في بيئة الفرد وتؤثر فيه، كالظروف الأسرية والمادية ومعاملة عائلته له.
3. العوامل الضاغطة أو المعجّلة التي يتعرض لها الفرد، وتتفاعل مع صفاته وسماته الداخلية. ومن بينها الحقد والانتقام الشخصي من الأفراد والمجتمع، وهذا أخطر أنواع الجواسيس وأكثرهم عمقا وعنفا ويتم تجنيده بسهولة، وربما يكون هو المبادر، لطلب التعامل مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية.
إن ضعف الوعي الأمني لدى بعض الفلسطينيين، يؤدي، إلى إيجاد ثغرة في صفوفهم، تتيح للاحتلال النفاذ منها، ومن أبرزها : الثرثرة، الفضول، التدخل في أمور الغير، الميل إلى التفاخر، حب الظهور، الاستعراض، والثقة المفرطة بالآخرين.
أمّا على صعيد الفصائل وهشاشة البناء التنظيمي لفصائل المقاومة، تبرز إشكالية انكشاف التنظيم وكوادره، من خلال المهرجانات، الانتخابات الداخلية العلنية، سهولة الانضمام للفصائل دون اختبار الخلفية، كثرة المنتسبين الجدد، وهلامية الخلايا العسكرية وتشعبها.
ومن الأساليب التي يستخدمها العدو لتجنيد العملاء والجواسيس ما يلي :
1. الإغراء بالمال عن طريق تقديمه لهم، كرواتب شهرية أو كدفعات محددة لكل مهمة على حدة، إقامة مشروع معين، لمّ الشمل العائلي، الإفراج عن أقارب من السجون، توفير العلاج للمرضى.
2. الابتزاز بالحرمان من أي من الأمور السابقة، الاسقاط الأخلاقي، التغطية على عمل مشين قد يسبب لفاعله المحاسبة. منع العمل داخل المناطق المحتلة، السيطرة على المعابر والحواجز وتقييد الحركة، منع للسفر خارج فلسطين من أجل التعليم أو العلاج.
3. الإقناع وذلك يحتاج إلى جهد كبير، ويُستبْعد نجاحه مع الاشخاص الذين يملكون حسا وطنيا. فالأشخاص الذين يتم تجنيدهم عن طريق الإقناع، هم الأكثر ولاءا للاحتلال، لأن دوافعهم تصبح داخلية ومنسجمة مع منظور مشغليهم. فمثلا التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يسهّل على العناصر الأمنية السابقة، التواصل مع الاحتلال، بعد تم التعارف وكسْر الحاجز النفسي مع أفراد الأمن الإسرائيلي خلال الخدمة السابقة.
من أبرز المهام التي يطلب من العملاء والجواسيس تنفيذها : اغتيال أو اعتقال قادة وناشطي المقاومة، تتبع حركاتهم ومراقبتهم، زرع الألغام في سياراتهم وهواتفهم، وضع شارة خاصة إلكترونية تميز مكان وجود الهدف أو وسيلة نقله.
وهناك أمثلة كثيرة على هذه الممارسات في التاريخ الحديث، قام بها العملاء والجواسيس الفلسطينيون، منها مثلا اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين في غزة، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، ومؤخرا اغتيال صالح العاروري في لبنان، وقبل أيام اغتيال أبناء القيادي اسماعيل هنية في غزة، وسبقهم كثيرون في فلسطين وخارجها.
ومن الجدير بالذكر أن المقاومة أعدمت 18 جاسوسا لإسرائيل في غزة بتاريخ 22 / 8 / 2014. ورغم مرور ثماني سنوات على ما ورد في هذا الكتاب، إلاّ أن الأحداث ما زالت تؤكد على استمرارية العمالة والجاسوسية نفسها وعلى ذات الوتيرة حتى الوقت الحاضر.
إن هذا الأمر الخطير . . يتطلب من القيادين الفلسطينيين وكوادرهم، وحتى من المواطنين الفلسطينيين بشكل عام، الوعي ورفع درجة المراقبة والحس الأمني لديهم، والتأكد من خلو ساحاتهم من العملاء والجواسيس، ليتمكنوا من مواجهة محاولات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وسعيها الحثيث لإيقاع المواطنين البسطاء في شباكها، وتجنيدهم ضد أوطانهم.
كما عليهم منع التواجد في المنازل أو الأماكن الأخرى، أو التنقل بالمركبات بمجموعات مهما صغر حجمها، لكي لا تشكل هدفا مغريا، يسهل على العدو الإسرائيلي اصطيادهم.
رحم الله الشهداء وأسكنهم جنات الفردوس الأعلى، وسوء العاقبة للعملاء والجواسيس - عين إسرائيل الثالثة - خونة الأوطان في الدنيا والآخرة . . !