الفيل الهندي والأقرع العربي!
خيري منصور
جو 24 : كنت أظن أن الحكاية الهندية عن الفيل والعميان الذين سقطوا عليه هي نهاية المطاف في التعبير عن ضياع الحقيقة، ففي الحكاية يصف كل واحد من العميان الجزء الذي ارتطم به من جسد الفيل، لكن حكايتنا العربية أبلغ في الذهاب الى وداع الحقائق كلها في حمىّ هذا التنافس على الكذب، وقد ذكرني بهذه الحكاية بالأمس الدكتور جلال أمين المفكر المصري المعروف عندما قال ان الاخوان يكذبون وكذلك الليبراليون أيضاً، فلا الاخوان اخوان ولا الليبرالي ليبرالي.
أما الحكاية فهي عن ثلاثة صعدوا جبلاً وهم أعمى وأطرش وأقرع.
قال الأعمى انه يستطيع ان يرى ابعد مما رأت زرقاء اليمامة، فهو يستطيع ان يرى نملة على قمة الجبل، فاضاف الأطرش على الفور انه يسمع دبيبها، لهذا تبقى رهان الصدق على الثالث الاقرع، الذي قال لصاحبيه بأنهما يكذبان.. لكنه أضاف بأن شعر رأسه وقف من هذا الكذب، فلم يكن بامكانه أن يستمر في الصدق، لأنه عندئذ سيكون أشبه بالرجل الذي امتنع عن الشرب من نهر الجنون فتحول عقله الى عبء عليه، ولم يجد أمامه أخيراً الا أن يشرب من ذلك النهر كي يستطيع الحياة مع الآخرين وكي لا يبقى أشبه ببعير أجرب ومنبوذ من القافلة، فاذا كان السياسي قد كذب والعسكري قد ادعى فان المثقف هو الذي افتضح الاثنين للحظة واحدة فقط، وحين أحس بأن استمراره في الصدق سيرسله الى التهلكة، اضاف الكذبة الثالثة الكبرى حين قال بأن شعره قد وقف.
ماذا نفعل في زمن يكتب فيه الكثير عن ضفائر القرعاء وعن خصلات شعر الاقرع التي تداعبها الريح وتتموج على جبينه؟
لقد قال السيد المسيح اذا فسد الملح انتهى كل شيء.. والثقافة هي هذا الملح الذي تعفن لفرط ما اصابه التلوث والفساد، فبماذا إذن ستملح طعامك يا ابن آدم؟
يقال أحيانا ان الحاجة هي أم الاختراعات كلها ومنها الكذب والنفاق. وهذا صحيح لأن الحيوان لم يسلم منه، فالحرباء تكذب بجلدها، والثعلب نموذج في استراتيجية المراوغة لأنه بدونها يموت جوعاً، لكن المثقف الأقرع الذي يدعي بأن شعره وقف من كذب الآخرين تفوق على كل تلك الكائنات، لأن لديه بلاغة ليست موجودة لدى الحرباء أو الثعلب, ويستطيع أن يكون شاهد زور دون أن يرف له جفن، لهذا حسم أمره بأن يكون هنا وهناك، مع الله والقيصر ومع المقاتل والقتيل.
ليلة سقوط بغداد وبمعنى أدق اسقاطها كنت مع عدد من الاصدقاء المصريين في القاهرة حتى الفجر، وقبل أن نفترق حكيت لهم حكاية عن ثلاثة أنذال تنافسوا على صفة أنذل كائن في العالم، فقد صادفتهم في الطريق عجوز، تقدم الأول منها وحطم أضلاعها فسقطت لكنها حاولت أن تزحف كالسلحفاة فتقدم منها النذل الثاني وحطم ما تبقى من عظامها، لكن من فاز باللقب كان النذل الثالث الذي بقي واقفاً مكانه.. لأنه قال لهما.. هذه العجوز هي أمي!!
(الدستور)
أما الحكاية فهي عن ثلاثة صعدوا جبلاً وهم أعمى وأطرش وأقرع.
قال الأعمى انه يستطيع ان يرى ابعد مما رأت زرقاء اليمامة، فهو يستطيع ان يرى نملة على قمة الجبل، فاضاف الأطرش على الفور انه يسمع دبيبها، لهذا تبقى رهان الصدق على الثالث الاقرع، الذي قال لصاحبيه بأنهما يكذبان.. لكنه أضاف بأن شعر رأسه وقف من هذا الكذب، فلم يكن بامكانه أن يستمر في الصدق، لأنه عندئذ سيكون أشبه بالرجل الذي امتنع عن الشرب من نهر الجنون فتحول عقله الى عبء عليه، ولم يجد أمامه أخيراً الا أن يشرب من ذلك النهر كي يستطيع الحياة مع الآخرين وكي لا يبقى أشبه ببعير أجرب ومنبوذ من القافلة، فاذا كان السياسي قد كذب والعسكري قد ادعى فان المثقف هو الذي افتضح الاثنين للحظة واحدة فقط، وحين أحس بأن استمراره في الصدق سيرسله الى التهلكة، اضاف الكذبة الثالثة الكبرى حين قال بأن شعره قد وقف.
ماذا نفعل في زمن يكتب فيه الكثير عن ضفائر القرعاء وعن خصلات شعر الاقرع التي تداعبها الريح وتتموج على جبينه؟
لقد قال السيد المسيح اذا فسد الملح انتهى كل شيء.. والثقافة هي هذا الملح الذي تعفن لفرط ما اصابه التلوث والفساد، فبماذا إذن ستملح طعامك يا ابن آدم؟
يقال أحيانا ان الحاجة هي أم الاختراعات كلها ومنها الكذب والنفاق. وهذا صحيح لأن الحيوان لم يسلم منه، فالحرباء تكذب بجلدها، والثعلب نموذج في استراتيجية المراوغة لأنه بدونها يموت جوعاً، لكن المثقف الأقرع الذي يدعي بأن شعره وقف من كذب الآخرين تفوق على كل تلك الكائنات، لأن لديه بلاغة ليست موجودة لدى الحرباء أو الثعلب, ويستطيع أن يكون شاهد زور دون أن يرف له جفن، لهذا حسم أمره بأن يكون هنا وهناك، مع الله والقيصر ومع المقاتل والقتيل.
ليلة سقوط بغداد وبمعنى أدق اسقاطها كنت مع عدد من الاصدقاء المصريين في القاهرة حتى الفجر، وقبل أن نفترق حكيت لهم حكاية عن ثلاثة أنذال تنافسوا على صفة أنذل كائن في العالم، فقد صادفتهم في الطريق عجوز، تقدم الأول منها وحطم أضلاعها فسقطت لكنها حاولت أن تزحف كالسلحفاة فتقدم منها النذل الثاني وحطم ما تبقى من عظامها، لكن من فاز باللقب كان النذل الثالث الذي بقي واقفاً مكانه.. لأنه قال لهما.. هذه العجوز هي أمي!!
(الدستور)