دعاء سياسي يحتاج لقليل من «القطران»!
حسين الرواشدة
جو 24 : دعانا مولانا الشيخ في خطبة الجمعة أمس الى استخدام “السلاح” الوحيد الذي نملكه، قال: اللهم انا لا نملك غير “الدعاء” فانزل علينا نصرك الذي وعدت!
في الاسابيع المنصرمة – ايضا – دأب عدد من اخواننا النواب على توجيه “وصلات” من الدعاء، وهو – بالطبع – دعاء سياسي، رسائله مفهومة، لكنه يعبر عن حالة من الشعور “بالاحباط” أو قلة الحيلة، وارجو ألا يفهم من كلامي ان الدعاء ممنوع على “النواب” فأبواب السماء مفتوحة للجميع، لكن اشهار الدعاء على مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيفه لاغراض سياسية يعكس – كما أفهمه – الاداء الذي وصل اليه “الفاعلون” في مجالنا السياسي.. واعتقد ان هذه “النسخة” من الدعاء السياسي “صناعة” محلية بامتياز.
يمكن لمولانا إمام المسجد ان يدعو على الظالمين الفاسدين والمتجبرين في الارض، ومن واجبنا – كمصلين – ان نقول: آمين، لكن هل يجوز “للسياسي” سواء أكان في البرلمان أو في غيره من مواقع المسوؤلية، ان يستخدمها لاصلاح واقع الناس سوى “الوعظ” والارشاد ثم التوسل بالدعاء، لكن السياسي لديه ادوات وصلاحيات يمكن ان يوظفها – ان أراد – للاصلاح والتغيير.. فاذا ما قام بهذا الواجب العملي بما يرضي “ضميره” أصبح بوسعه أن يتوجه بالدعاء الى الله تعالى طالبا العون والمساعدة.
صحيح أن الدعاء مطلوب في كل وقت، لكن شتان بين دعاء استوفى شروطه وأتم مقرراته وأحكم استحقاقات الاستجابة، ودعاء آخر يهرب أصحابه الى السماء دون ان يفعلوا على الارض شيئا، ودون ان يقدموا ما باستطاعتهم لاصلاح حالهم وأحوال الآخرين.
حين تدقق في نسختي الدعاء، سواء أكانت دينية أو سياسية، تكتشف بأنهما مغشوشتين أحياناً، فالله تعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالنصر، ليس باعتبارنا مسلمين فقط، ولا مظلومين أيضاً، وانما قرن الأمر والوعظ بشروط “العمل” والحركة وبذل الجهد والقيام بالواجب، فالوعد “بالنصر” مثلاً ليس شيكاً على بياض يعبئه المسلمون متى شاءوا ومتى أرادوا، واما هو “شيك” يحتاج الى رصيد يملؤونه هم بالعمل والتعب والاخلاص، وعندئذ يمكن ان يسحبوا منه، وقديماً قال علي بن أبي طالب للرجل الذي اشتكى اليه مرض ناقته بالجرب، وأخبره بأنه لم يمل من الدعاء لها بالشفاء: “هلا جعلت من دعائك شيئاً من القطران”.
اذا تجاوزنا دعاء مولانا الإمام، فان دعاء مولانا “السياسي” يحتاج ايضا الى “شيء من القطران”، ولدينا في العمل السياسي اصناف متعددة من “القطران”، خذ مثلا صنف المساءلة، وصنف المحاسبة، وصنف الرقابة الحقيقية، والتشريع الصحيح، والنظافة السياسية، وتمثيل ارادة الناس ومطالبهم بعيدا عن منطق الحسابات الشخصية.. وغيرها.
وهذه الاصناف من “القطران” موجودة ايضا لدى المجتمع الذي ينتظر “الفرج” دون ان يفعل ما تقتضيه لحظة ولادة “الفرج”، ومن السذاجة (آسف) ان يتصور أحدنا بأن السماء تمطر “اصلاحا”، وبأن الدعاء وحده سيكشف “ملفات” الفاسدين، وسيرفع الغلاء وينهي “الوباء” لأن ذلك لا يتحقق الا بارادة البشر أولاً، وبحركة المجتمع نحو اصلاح نفسه واخلاقه ثانيا، فاذا ما نهض الناس بهذه المهمة، وتوافقت افعالهم مع قوانين الكون الحاكمة التي لا تحابي بشراً – مهما كان دينهم – على حساب بشر آخرين، تلاقت ارادة الارض مع وعد السماء، وتطابقت ارادة الاستجابة مع ارادة الطلب والدعاء.
باختصار، التغيير والاصلاح من “صنع البشر”، والمعجزات انتهت مع انقطاع الوحي وانتهاء “النبوة”، وأخشى ما أخشاه ان يكون دعاء بعضنا مجرد هروب الى الغيب، أو “ابراء” للذمة بعد الاحساس بالعجز وقلة الحيلة.. وانسداد ابواب “الامل”!
نعم.. “ادعوني استجب لكم” صدق الله تعالى، ولكن ادعوني بالعمل لا بمجرد الكلام فقط!
(الدستور)
في الاسابيع المنصرمة – ايضا – دأب عدد من اخواننا النواب على توجيه “وصلات” من الدعاء، وهو – بالطبع – دعاء سياسي، رسائله مفهومة، لكنه يعبر عن حالة من الشعور “بالاحباط” أو قلة الحيلة، وارجو ألا يفهم من كلامي ان الدعاء ممنوع على “النواب” فأبواب السماء مفتوحة للجميع، لكن اشهار الدعاء على مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيفه لاغراض سياسية يعكس – كما أفهمه – الاداء الذي وصل اليه “الفاعلون” في مجالنا السياسي.. واعتقد ان هذه “النسخة” من الدعاء السياسي “صناعة” محلية بامتياز.
يمكن لمولانا إمام المسجد ان يدعو على الظالمين الفاسدين والمتجبرين في الارض، ومن واجبنا – كمصلين – ان نقول: آمين، لكن هل يجوز “للسياسي” سواء أكان في البرلمان أو في غيره من مواقع المسوؤلية، ان يستخدمها لاصلاح واقع الناس سوى “الوعظ” والارشاد ثم التوسل بالدعاء، لكن السياسي لديه ادوات وصلاحيات يمكن ان يوظفها – ان أراد – للاصلاح والتغيير.. فاذا ما قام بهذا الواجب العملي بما يرضي “ضميره” أصبح بوسعه أن يتوجه بالدعاء الى الله تعالى طالبا العون والمساعدة.
صحيح أن الدعاء مطلوب في كل وقت، لكن شتان بين دعاء استوفى شروطه وأتم مقرراته وأحكم استحقاقات الاستجابة، ودعاء آخر يهرب أصحابه الى السماء دون ان يفعلوا على الارض شيئا، ودون ان يقدموا ما باستطاعتهم لاصلاح حالهم وأحوال الآخرين.
حين تدقق في نسختي الدعاء، سواء أكانت دينية أو سياسية، تكتشف بأنهما مغشوشتين أحياناً، فالله تعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالنصر، ليس باعتبارنا مسلمين فقط، ولا مظلومين أيضاً، وانما قرن الأمر والوعظ بشروط “العمل” والحركة وبذل الجهد والقيام بالواجب، فالوعد “بالنصر” مثلاً ليس شيكاً على بياض يعبئه المسلمون متى شاءوا ومتى أرادوا، واما هو “شيك” يحتاج الى رصيد يملؤونه هم بالعمل والتعب والاخلاص، وعندئذ يمكن ان يسحبوا منه، وقديماً قال علي بن أبي طالب للرجل الذي اشتكى اليه مرض ناقته بالجرب، وأخبره بأنه لم يمل من الدعاء لها بالشفاء: “هلا جعلت من دعائك شيئاً من القطران”.
اذا تجاوزنا دعاء مولانا الإمام، فان دعاء مولانا “السياسي” يحتاج ايضا الى “شيء من القطران”، ولدينا في العمل السياسي اصناف متعددة من “القطران”، خذ مثلا صنف المساءلة، وصنف المحاسبة، وصنف الرقابة الحقيقية، والتشريع الصحيح، والنظافة السياسية، وتمثيل ارادة الناس ومطالبهم بعيدا عن منطق الحسابات الشخصية.. وغيرها.
وهذه الاصناف من “القطران” موجودة ايضا لدى المجتمع الذي ينتظر “الفرج” دون ان يفعل ما تقتضيه لحظة ولادة “الفرج”، ومن السذاجة (آسف) ان يتصور أحدنا بأن السماء تمطر “اصلاحا”، وبأن الدعاء وحده سيكشف “ملفات” الفاسدين، وسيرفع الغلاء وينهي “الوباء” لأن ذلك لا يتحقق الا بارادة البشر أولاً، وبحركة المجتمع نحو اصلاح نفسه واخلاقه ثانيا، فاذا ما نهض الناس بهذه المهمة، وتوافقت افعالهم مع قوانين الكون الحاكمة التي لا تحابي بشراً – مهما كان دينهم – على حساب بشر آخرين، تلاقت ارادة الارض مع وعد السماء، وتطابقت ارادة الاستجابة مع ارادة الطلب والدعاء.
باختصار، التغيير والاصلاح من “صنع البشر”، والمعجزات انتهت مع انقطاع الوحي وانتهاء “النبوة”، وأخشى ما أخشاه ان يكون دعاء بعضنا مجرد هروب الى الغيب، أو “ابراء” للذمة بعد الاحساس بالعجز وقلة الحيلة.. وانسداد ابواب “الامل”!
نعم.. “ادعوني استجب لكم” صدق الله تعالى، ولكن ادعوني بالعمل لا بمجرد الكلام فقط!
(الدستور)