مصطلحات قاتلة!!
خيري منصور
جو 24 : عندما سئل قاتل الكاتب المصري فرج فودة في التحقيق عن سبب ارتكابه الجريمة، اجاب بكلمة واحدة.. لأنه علماني، وحين سأله المحقق ما هو تعريفك للعلماني؟ أجاب بأنه لا يعرف!
تلك الحادثة قد تختزل الكثير مما يمكن قوله عن حالة استلاب الوعي، وفلسفة التحريض، لكن بلا اية حيثيات أو دراية، فالمصطلحات التي ترصع بها اللغة السياسية كما لو أنها حجارة كريمة أصبحت بلا دلالات، وضاعفت البرامج الفضائية من هذا الالتباس.
ذكرني التحقيق مع قاتل فرج فوده بعبارة سمعتها ذات يوم من شاب فلسطيني كان ينتسب الى فصيل يساري، وحين ذكر اسم أحد قادة الفصيل امامه قال انه منذر، وعرفت فيما بعد انه يقصد كلمة مُنّظر، ولكي أتأكد من ذلك طلبت منه ان يحدد معنى منذر فقال ان ذلك الرجل هو من يوجه الانذارات، ليس بمعنى العقاب للاعضاء لكنه ينذرهم بالخطر!
هذا الخلط العفوي بين التنظير والنذير هو من افراز خطاب سياسي محفوظ عن ظهر قلب، على طريقة ما كنا نسميه في المدرسة البصم، ومن يدري لعل ذلك الشاب لو كان اليوم حياً لخلط بين التنظير السياسي والتنظير الطبي للمعدة!
وبالعودة الى مصطلح العلمانية فهو من المصطلحات التي لا تستخدم على الاطلاق الا اذا تطلب السيّاق توضيح مفهوم آخر مضاد فهي بالنسبة للبعض فك ارتباك جذري مع الدين، وبالنسبة لآخرين مفهوم اوروبي مستورد، ولماذا نذهب بعيداً، فقبل عقود كان البعض يتصورون ان شهادة العالمية التي يمنحها الازهر الشريف مشتقة من العالم وليس من العلم، رغم ان الفارق بين المصطلحين هو مجرد كسرة على حرف اللام.
واذا كان قاتل فرج فودة قد ارتكب جريمته لسبب لا يعرفه كما قال، فما الذي كان سيقوله من حاول ذبح نجيب محفوظ؟ فهو بالتأكيد لم يقرأ او يسمع حتى برواية اولاد حارتنا التي أثارت سجالاً ولا أظن انه حاول ذبح محفوظ لأنه نال جائزة نوبل، فمن ينفذون جرائم الاغتيال هم على الاغلب أميّون ثقافيا وسياسيا وانسانيا، ولا يدركون ماذا جنوا الا بعد ان تقام الدنيا من اجل الضحية.
وهناك حادثة بريئة وقعت في فرنسا عندما دهس سائق تاكسي اكاديميا ومفكرا فرنسيا مرموقا، ورغم ان حادث الدهس لم يكن اغتيالا بل عن طريق الخطأ، الا ان السائق عندما سمع فرنسا وهي تودع ضحيته قال وهو يعض أصابعه ولسانه معاً: لم أكن أعرف بأنني دهست فرنسا!!
في الماضي كان ضحايا المصطلحات نصوصاً أو سياقات فكرية، لكن ضحاياها الآن بشر، وقد ترتكب جرائم باسم الليبرالية مثلما ارتكبت من قبل باسم الماركسية والحصيلة هي تلك العبارة الشهيرة كم من الجرائم ارتكبت باسمك ايتها الحرية.
هكذا لم تعد مصائب الأميّة جهلاً بالحياة وكل انشطتها كالصحة والزراعة والقوانين، فالأمية ايضا قاتلة، ومن يدري لعل أحد المثقفين يقتل ذات يوم لأنه بنيوي أو وجودي أو يحمل صفة لا يفهمها القاتل!
(الدستور)
تلك الحادثة قد تختزل الكثير مما يمكن قوله عن حالة استلاب الوعي، وفلسفة التحريض، لكن بلا اية حيثيات أو دراية، فالمصطلحات التي ترصع بها اللغة السياسية كما لو أنها حجارة كريمة أصبحت بلا دلالات، وضاعفت البرامج الفضائية من هذا الالتباس.
ذكرني التحقيق مع قاتل فرج فوده بعبارة سمعتها ذات يوم من شاب فلسطيني كان ينتسب الى فصيل يساري، وحين ذكر اسم أحد قادة الفصيل امامه قال انه منذر، وعرفت فيما بعد انه يقصد كلمة مُنّظر، ولكي أتأكد من ذلك طلبت منه ان يحدد معنى منذر فقال ان ذلك الرجل هو من يوجه الانذارات، ليس بمعنى العقاب للاعضاء لكنه ينذرهم بالخطر!
هذا الخلط العفوي بين التنظير والنذير هو من افراز خطاب سياسي محفوظ عن ظهر قلب، على طريقة ما كنا نسميه في المدرسة البصم، ومن يدري لعل ذلك الشاب لو كان اليوم حياً لخلط بين التنظير السياسي والتنظير الطبي للمعدة!
وبالعودة الى مصطلح العلمانية فهو من المصطلحات التي لا تستخدم على الاطلاق الا اذا تطلب السيّاق توضيح مفهوم آخر مضاد فهي بالنسبة للبعض فك ارتباك جذري مع الدين، وبالنسبة لآخرين مفهوم اوروبي مستورد، ولماذا نذهب بعيداً، فقبل عقود كان البعض يتصورون ان شهادة العالمية التي يمنحها الازهر الشريف مشتقة من العالم وليس من العلم، رغم ان الفارق بين المصطلحين هو مجرد كسرة على حرف اللام.
واذا كان قاتل فرج فودة قد ارتكب جريمته لسبب لا يعرفه كما قال، فما الذي كان سيقوله من حاول ذبح نجيب محفوظ؟ فهو بالتأكيد لم يقرأ او يسمع حتى برواية اولاد حارتنا التي أثارت سجالاً ولا أظن انه حاول ذبح محفوظ لأنه نال جائزة نوبل، فمن ينفذون جرائم الاغتيال هم على الاغلب أميّون ثقافيا وسياسيا وانسانيا، ولا يدركون ماذا جنوا الا بعد ان تقام الدنيا من اجل الضحية.
وهناك حادثة بريئة وقعت في فرنسا عندما دهس سائق تاكسي اكاديميا ومفكرا فرنسيا مرموقا، ورغم ان حادث الدهس لم يكن اغتيالا بل عن طريق الخطأ، الا ان السائق عندما سمع فرنسا وهي تودع ضحيته قال وهو يعض أصابعه ولسانه معاً: لم أكن أعرف بأنني دهست فرنسا!!
في الماضي كان ضحايا المصطلحات نصوصاً أو سياقات فكرية، لكن ضحاياها الآن بشر، وقد ترتكب جرائم باسم الليبرالية مثلما ارتكبت من قبل باسم الماركسية والحصيلة هي تلك العبارة الشهيرة كم من الجرائم ارتكبت باسمك ايتها الحرية.
هكذا لم تعد مصائب الأميّة جهلاً بالحياة وكل انشطتها كالصحة والزراعة والقوانين، فالأمية ايضا قاتلة، ومن يدري لعل أحد المثقفين يقتل ذات يوم لأنه بنيوي أو وجودي أو يحمل صفة لا يفهمها القاتل!
(الدستور)