ليس زهداً!!
خيري منصور
جو 24 : يخطىء من يتصور ان المثقف الذي يعزف عن أي منصب رسمي هو زاهد، فالأصح خصوصا في عالمنا العربي انه الادرى بهذه الشعاب، فهو حين يغادر موقعه التاريخي يصبح مجرد قطعة غيار في آلة، لهذا فهو قابل للاستبدال كأي مسمار.
وللانصاف علينا ان نلتمس الاعذار لمثقفين من العرب قرروا العودة بعد الربع الاول من الطريق، خصوصا من جربوا الخذلان والفاقة وسمعوا حتى من اقرب الناس اليهم بلوّا مكتباتكم واشربوها.. فالمضي في هذا الطريق الوعر حتى النهاية رهان شبه انتحاري، لانه طريق كما وصفه الشاعر أودن، موحش شحّ فيه الزاد والرفيق وقد يفقد فيه الانسان حتى ظله!
لهذا فان كل كتابة او رصد لما يسمى الانتلجنسيا العربية او النخبة لا تبدأ من جذر المسألة تبقى شبه جملة، أشبه بخبر بلا مبتدأ!
والمقارنة بين المثقف العربي وأنداده في العالم بها الكثير من التعسف، فهو في العالم العربي يتيم على مأدبة اللئام وعصامي عليه اذا كسرت ساقاه ان ينحت عكازه من عظم الظهر والرقبة، فهو يمارس مهنة بها الكثير من الالتباس، ولم تفرز حتى الآن بالقدر الذي يحولها الى حاجة وضرورة، لهذا فالمثقف غالبا ما يشعر بأنه فائض عن الحاجة، واذا اعترف له بأي دور فهو مجرد استكمال لنصاب وأشبه بمقعد هش ومزخرف للزينة في مدخل البيت لا يصلح للجلوس عليه لانه لا يقوى على حمل عصفور!
وأذكر ان الكاتب المغربي د. محمد برادة قال في اطروحته الاكاديمية عن ناقد مصري بأن تسعين بالمئة من المثقفين في تلك المرحلة كانوا موظفين ويعيشون من الوظيفة ليتوصل بعد ذلك الى استنتاج تاريخي بالغ الخطورة وهو عدم استقلالية النخبة بل ارتهانها للسلطة. لهذا يندر ان نجد مثقفين يتعاطفون مع زميل لحق به جور لأنهم أشبه بالقطيع الذي يلوذ بالفرار تاركاً أحد افراده بين أنياب النمور!
وحين نقرأ عن كاتب وزع من كتابه في لندن أو نيويورك او باريس ثلاثة ملايين نسخة نضحك حتى البكاء، لكن العجب يزول اذا عرفنا وفقا لآخر التقارير عن التنمية البشرية ان حصة خمسة عشر الف عربي كتاب واحد في السنة مقابل كتاب لكل خمسمئة انجليزي، ولو شئنا الاستطراد لمعرفة عدد الاسرة في المستشفيات وتحويل الموتى الى رهائن في ثلاجات المستشفى لشعر القارىء العزيز بما نشعر به من اختناق وغثيان!
لقد سبقنا المتنبي بقرون حين هنأ الجاهل على نعيمه وعزّى العارف على جحيمه، لكن المسألة ليست بهذا الشكل الثنائي الحاسم، لان الجاهل عدو نفسه أولاً، وعدو صاحبه ثانياً كالدّب في الحكاية المعروفة.
لقد مرّ وقت كان فيه الجاهل يخجل أو يحاول اخفاء جهله كالعورة، لكن ما يحدث الآن هو ان الثقافة تحولت الى عورة ويجب على المصاب بها التستر عليها!!
(الدستور)
وللانصاف علينا ان نلتمس الاعذار لمثقفين من العرب قرروا العودة بعد الربع الاول من الطريق، خصوصا من جربوا الخذلان والفاقة وسمعوا حتى من اقرب الناس اليهم بلوّا مكتباتكم واشربوها.. فالمضي في هذا الطريق الوعر حتى النهاية رهان شبه انتحاري، لانه طريق كما وصفه الشاعر أودن، موحش شحّ فيه الزاد والرفيق وقد يفقد فيه الانسان حتى ظله!
لهذا فان كل كتابة او رصد لما يسمى الانتلجنسيا العربية او النخبة لا تبدأ من جذر المسألة تبقى شبه جملة، أشبه بخبر بلا مبتدأ!
والمقارنة بين المثقف العربي وأنداده في العالم بها الكثير من التعسف، فهو في العالم العربي يتيم على مأدبة اللئام وعصامي عليه اذا كسرت ساقاه ان ينحت عكازه من عظم الظهر والرقبة، فهو يمارس مهنة بها الكثير من الالتباس، ولم تفرز حتى الآن بالقدر الذي يحولها الى حاجة وضرورة، لهذا فالمثقف غالبا ما يشعر بأنه فائض عن الحاجة، واذا اعترف له بأي دور فهو مجرد استكمال لنصاب وأشبه بمقعد هش ومزخرف للزينة في مدخل البيت لا يصلح للجلوس عليه لانه لا يقوى على حمل عصفور!
وأذكر ان الكاتب المغربي د. محمد برادة قال في اطروحته الاكاديمية عن ناقد مصري بأن تسعين بالمئة من المثقفين في تلك المرحلة كانوا موظفين ويعيشون من الوظيفة ليتوصل بعد ذلك الى استنتاج تاريخي بالغ الخطورة وهو عدم استقلالية النخبة بل ارتهانها للسلطة. لهذا يندر ان نجد مثقفين يتعاطفون مع زميل لحق به جور لأنهم أشبه بالقطيع الذي يلوذ بالفرار تاركاً أحد افراده بين أنياب النمور!
وحين نقرأ عن كاتب وزع من كتابه في لندن أو نيويورك او باريس ثلاثة ملايين نسخة نضحك حتى البكاء، لكن العجب يزول اذا عرفنا وفقا لآخر التقارير عن التنمية البشرية ان حصة خمسة عشر الف عربي كتاب واحد في السنة مقابل كتاب لكل خمسمئة انجليزي، ولو شئنا الاستطراد لمعرفة عدد الاسرة في المستشفيات وتحويل الموتى الى رهائن في ثلاجات المستشفى لشعر القارىء العزيز بما نشعر به من اختناق وغثيان!
لقد سبقنا المتنبي بقرون حين هنأ الجاهل على نعيمه وعزّى العارف على جحيمه، لكن المسألة ليست بهذا الشكل الثنائي الحاسم، لان الجاهل عدو نفسه أولاً، وعدو صاحبه ثانياً كالدّب في الحكاية المعروفة.
لقد مرّ وقت كان فيه الجاهل يخجل أو يحاول اخفاء جهله كالعورة، لكن ما يحدث الآن هو ان الثقافة تحولت الى عورة ويجب على المصاب بها التستر عليها!!
(الدستور)