سوريا.المنعطف الحاسم
حاتم رشيد
جو 24 :
انسحاب القوات السورية من حلب ثم من حماة تعني تغييرا استراتيجيا في تناسب القوى بين الدولة السورية وجموع الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا .
ولا يمكن رؤية هذا التغيير بدون ربطه باحكام بالعدوان الإسرائيلي الذي يشمل فلسطين ولبنان وسوريا.وتوقيته يعكس ويجسد استثمار المكاسب العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.التي اسفرت عن اضعاف ملموس للمقاومة وايران وسوريا.وليس بالضرورة الحديث عن تنسيق مباشر.ومع ذلك فان ما يحدث يصب في مصلحة إسرائيل على المدى القصير.
ان نتائج ما يحدث اليوم خطيرة وخطيرة جدا.
اولا.الفصائل المسلحة والتي تضم جنسيات متعددة تقاتل كجيش منظم لديه أسلحة ثقيلة ونوعية.
الفصائل المسلحة تحظى بدعم وإسناد تركي ومن المرجح أن ضباط كبار متمرسون يلعبون على الأقل دورا استشاريا وتوجيهيا .
تتمتع الفصائل بروح معنوية انتصارية مدفوعة بأهم مكاسبها خاصة في حلب واريافها.
ثانيا.يلاحظ أن الفصائل المسلحة تحاول التقرب من مختلف فئات وطوائف الشعب السوري .وهذا يتجلى بلغة تصالحية بعيدة عن مفرداتها المألوفة.
ثالثا.تبدو بوضوح الاطماع التركية في الاستحواذ والسيطرة على الشمال السوري خاصة حلب المدينة وريفها.
أن الاستماع للكلمات التي ألقيت في البرلمان التركي من قبل دولت بهشلي حليف اردوغان وما رافقها من ترحيب واسع من أعضاء البرلمان تظهر بجلاء الأطماع التركية المعلنة.
وهذه ارهاصات مبكرة لتمرد على الاقل بعض الفصائل المسلحة وجمهورها على النفوذ التركي.الذي سيتأخر لكنه سيحدث.
رابعا .تناسب القوى المستجد يفتح الطريق أمام مفاوضات مثلما يفتح طريقا آخر لحرب ضروس.
خامسا.اسرائيل هي الغائب الحاضر في المشهد.وليس هناك شك بأن فلسفة المقاربة الإسرائيلية تقوم على مبدأ الاحتواء المزدوج .فهي تحاول تحطيم مقومات الدولة السورية بواسطة الفصائل المسلحة.ومن ثم ستعود لمحاربة الفصائل نفسها وتحجيمها ومحاولة إدارتها بما يسمح بسيطرة إسرائيلية على سوريا في إطار مفهومها لشرق أوسط جديد.لان اسرائيل لا تثق بقوى ذات توجهات إسلامية على المدى البعيد.
بالطبع التدخل الإسرائيلي مترجم على الارض .وستحاول اسرائيل التظاهر بانها ليست معنية لكنها لن تتوانى عن تدخل صريح في منعطفات ترى فيها منفعة لمشروعها الذي يهدف لتمزيق الدولة السورية.
إسرائيل معنية تماما بايقاف الدعم السوري لحزب الله وقطع خطوط امداده عبر سوريا.وتأمين احتلالها وادامته لهضبة الجولان.كذلك الاطمئنان الى تحييد اي خطر تشكله بعض الفصائل الاسلامية مستقبلا.
سادسا. لن يطول الوفاق والتواطؤ والتآمر المعلن وغير المعلن بين تركيا واسرائيل والفصائل المسلحة.
كما لن يطول التحالف الميداني بين الفصائل المسلحة نفسها.والمرجح أن نشهد مسلسل اقتتال مشابه لما عرفته أفغانستان.الاكيد أن الاجتهادات والتغييرات والمصالح والمنافسة ستلعب دورها في تفكيك لحمة التحالف الميداني الظرفي.
سابعا.ستنشأ تعارضات مؤكدة بين تركيا والدول ذات المصلحة في سوريا كروسيا وإيران واخيرا الولايات المتحدة وإسرائيل.لا أحد من هؤلاء يقبل بأن تفرد تركيا جناحيها على الجغرافيا السورية.
ثامنا.المكاسب الأولية للفصائل المسلحةوما يقابلها من خسائر جسيمة للدولة السورية ليست نهاية المطاف.بل هي بداية متجددة للصراع.
الدولة السورية تحظى بدعم عربي.وسوف يتعاظم هذا الدعم لاسباب عديدة اهمها الخشية من الاطماع التركية.والخشية من انقلاب جذري في موازين القوى لصالح إسرائيل.والخشية من قيام نظام حكم اسلاموي لا تريده اي دولة عربية مجاورة لسوريا او غير مجاورة.الجميع يخشى تفاعلات وتداعيات الدومينو الاقليمي.
ومن الممكن جدا ان نشاهد تدخلات عربية مباشرة لصالح استعادة الدولة السورية لتوازنها العسكري واستعادة سيطرتها على اراضيها.في مشهد يعاكس ما فعلها بعضها في العشرية السابقة.
تاسعا. الموقف الروسي سيكون وسطيا بعيدا عن وضوح حاسم. وسيظل محافظا على التنسيق مع تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة.
ومن الممكن الوثوق بان روسيا لن تقامر لاجل سوريا بعلاقاتها مع تركيا واسرائيل التي ترى فيها مدخلا للبيت الابيض خاصة في عهده الجديد.
اما ايران فهي في وضع انحسار يقلل من قدرتها على دعم سوريا.لذا اتوقع دعما محدودا.اما الدول العربية فهي الاقدر على دعم سوريا واظنها ستفعل ذلك بوسائل متعددة بما فيها الاستعانة بواشنطن للجم التغول التركي والإسرائيلي في سوريا.
والحال ان روسيا تشعر بالاطمئنان على قواعدها في سوريا فلا احد يسعى لتهديدها.بل ان دولا وجهات عديدة ترى في الوجود الروسي مصلحة لها.
ثمة خلاصة بالغة الاهمية وهي ان الازمة السورية قد تصبح ازمة تتجاوز حدود سوريا نفسها.وازاء هذا الاحتمال المعقد فان خطر تقسيم سوريا سيجد ترجمة كارثية على الارض وبما يطيل عمر الصراع لامد غير منظور .
فالفصائل المسلحة امام اغراء استثمار انتصاراتها قد تواصل الاندفاع متجاوزة مدينة حماة باتجاه حمص.وحينها سيدخل الصراع مرحلة اللارجوع.وسيكون الصراع على مستقبل سوريا اشد فتكا واكثر دموية.
ان حماية سوريا وضمان وحدتها ارضا وشعبا ليست مسؤولية الدولة السورية فقط بل هي ايضا مسؤولية عربيةقصوى ولا تستثنى اي دولة عربية من واجب دعم الدولة السورية.والا فان العواقب وخيمة .
واليوم اكثر من الماضي فان الدولة السورية امام تحدي المقاومة ليس بالسلاح فقط بل بمشروع سياسي وطني جامع .واكثر من ذلك مشروع عربي بالتعاون مع الدول العربية الاخرى ليواجه المشاريع غير العربية المتوغلة في الاوطان والمجتمعات العربية.