وحدهم «العرب» بلا مشـروع!
حسين الرواشدة
جو 24 : آخر كتاب قرأته عنوانه “المشروع الايراني في المنطقة العربية والاسلامية”، وفي ذاكرتي تزدحم عناوين كتب وتقارير أخرى عن “المشروع التركي” و”المشروع الصهيوني” و”المشروع الأميركي” وكذلك “الصيني” و”الياباني” و”الماليزي” و”الاندونيسي” .. الخ، وحده “المشروع العربي” وكل هذه “المشروعات” تحولت من مجال النظر والنقاش العام الى مجال العمل والانجاز، لدرجة ان كل امة في عالمنا المعاصر اصبح لديها مشروعها الخاص ، وباختلاف امكانياتها وطموحاتها فانها تخلصت من “عقدة” النقص والتبعية واسست لها “موقعا” على الخريطة الانسانية وفرضت احترامها على الجميع.
وحدنا، في عالمنا العربي، لم ننجز اي مشروع، بدأنا منذ اكثر من مئة عام بالحديث عن “النهضة” وانتهينا –كما نرى- الى مزيد من التخلف والشرذمة، وحين فوجئنا قبل نحو ثلاث سنوات “بانفجارات” الشعوب في بعض دولنا استبشرنا “بانطلاق” اللسان العربي كمقدمة لانطلاق “العقل” العربي، كل هذه الانفجارات نجحت في “الهدم” ولم تفلح في “البناء” ووجدت من العوامل الذاتية والموضوعية ما يكفي لاجهاضها واعادة عقاربنا الى الوراء.
من المفارقات ان “القوميات” الثلاثة التي يشكل سكانها هوية هذه المنطقة وهي: التركية والفارسية والعربية، تدور جميعها في الاطار الاسلامي، وفيما نجح الايرانيون والاتراك في بناء “مشاريعهم” وفرض حضورهم ونفوذهم على المنطقة والعالم ايضا ظل “العرب” عاجزين عن الحركة وزاهدين في اي انجاز، وكأن وظيفتهم الاساس هي “الانشغال” بالصراع فيما بينهم ومع محيطهم، او القبول “بمهمة” الهرولة على الهامش او الاصرار على معاندة “التاريخ” والاكتفاء بالجلوس على مقاعد “المتفرجين”.
لم يكن الاسلام “كدين” هو المشكلة فعلى الطرفين التركي والايراني نجح “الاسلاميون” سواء أكانوا شيعة أم سنة، في انتاج “دول” ناجزة وفاعلة، وفي عالمنا العربي ما زال الجدل بيننا محتدما حول “هوية” المشروع الذي نريده، هل هي اسلامية أو علمانية، مدنية او دينية، مع ان الحقيقة المرة تذكرنا باننا جربنا النموذجين الاسلامي والقومي وفشلنا فيمهما معا، لدرجة اننا ما نزال نعاني من هذا “الصراع” الذي يدور بين الفريقين، والمشكلة ليست هنا فقط في “النخب” التي اججت هذا الصراع، ولا في الحكومات التي وظفته لاستدامة القمع واحتكار السلطة، وانما –ايضا- في المجتمعات التي استقالت من دورها وتنازلت عن امكانياتها واستسلمت “لقابلية” الرضا بأي شيء.. والصبر على كل شيء.. وقبل ذلك في “نوعية” الاسلاميين الذين تبنوا المشروع الاصلاحي، هؤلاء الذين لم يتعلموا من اخطائهم ولم يتحرروا من “احساسهم” بالمؤامرة والمظلومية رغم ان اقرانهم في تركيا وايران انجزوا مشروعهم في ظل ظروف اسوأ وامكانيات اقل ومحيط متربص وخصوم لا يرحمون.
المشكلة كما قلنا ليست في “الدين” فقد استطاع الماليزيون بناء دولة على اساس مشروع حضاري اسلامي وتمكن الاندونيسيون من انجاز نهضة اقتصادية وسياسية وعلمية باعثها “الدين” ايضا فيما استطاع غيرنا من امم الارض ان ينجزوا حضاراتهم في غياب “الدين” ايضا، وبالتالي فان المشكلة تكمن في “العقل” وفي الارادة وفي “الانسان”، فالانسان العربي – حاكما او محكوما- ما زال اسيرا لامجاد تاريخية مات اهلها وصراعات “وهمية” استنفدت طاقاته واحساس غريب “بمركّب النقص” وقلة الحيلة والعجز، وما لم يتحرر من هذه العقدة ومن سطوة “الطاعة” وسلطة “القهر” بأنواعه ونوازع الكبت فانه سيظل مجرد “رقم” في احصائيات السكان، مثلما ستظل “الكتلة” البشرية التي ينتمي اليها بلا مشروع وبلا هدف وبلا احساس بالزمن ولا بالخطر الذي يداهمها من كل اتجاه.
باختصار، الاخرون انجزوا مشاريهم وعالمنا العربي ما زال مشغولا باجهاض اي مشروع يخرج من “رحمه”، وبمواجهة اي مشروع يُطلب منه ان يتصدى له، ولا يوجد امامه الا خيار الانتقال من هذا الطرف الى ذلك الطرف وفق البوصلة المرسومة له وكأن قدره ان يظل “تابعا” لا متبوعا، وملحقا لا اصيلا، ومستقبلا لا مرسلا، ومقاولا لتنفيذ مشاريع الاخرين دون ان يفكر لحظة بأن له مشروعه الخاص وحريته الخاصة ايضا.
(الدستور)
وحدنا، في عالمنا العربي، لم ننجز اي مشروع، بدأنا منذ اكثر من مئة عام بالحديث عن “النهضة” وانتهينا –كما نرى- الى مزيد من التخلف والشرذمة، وحين فوجئنا قبل نحو ثلاث سنوات “بانفجارات” الشعوب في بعض دولنا استبشرنا “بانطلاق” اللسان العربي كمقدمة لانطلاق “العقل” العربي، كل هذه الانفجارات نجحت في “الهدم” ولم تفلح في “البناء” ووجدت من العوامل الذاتية والموضوعية ما يكفي لاجهاضها واعادة عقاربنا الى الوراء.
من المفارقات ان “القوميات” الثلاثة التي يشكل سكانها هوية هذه المنطقة وهي: التركية والفارسية والعربية، تدور جميعها في الاطار الاسلامي، وفيما نجح الايرانيون والاتراك في بناء “مشاريعهم” وفرض حضورهم ونفوذهم على المنطقة والعالم ايضا ظل “العرب” عاجزين عن الحركة وزاهدين في اي انجاز، وكأن وظيفتهم الاساس هي “الانشغال” بالصراع فيما بينهم ومع محيطهم، او القبول “بمهمة” الهرولة على الهامش او الاصرار على معاندة “التاريخ” والاكتفاء بالجلوس على مقاعد “المتفرجين”.
لم يكن الاسلام “كدين” هو المشكلة فعلى الطرفين التركي والايراني نجح “الاسلاميون” سواء أكانوا شيعة أم سنة، في انتاج “دول” ناجزة وفاعلة، وفي عالمنا العربي ما زال الجدل بيننا محتدما حول “هوية” المشروع الذي نريده، هل هي اسلامية أو علمانية، مدنية او دينية، مع ان الحقيقة المرة تذكرنا باننا جربنا النموذجين الاسلامي والقومي وفشلنا فيمهما معا، لدرجة اننا ما نزال نعاني من هذا “الصراع” الذي يدور بين الفريقين، والمشكلة ليست هنا فقط في “النخب” التي اججت هذا الصراع، ولا في الحكومات التي وظفته لاستدامة القمع واحتكار السلطة، وانما –ايضا- في المجتمعات التي استقالت من دورها وتنازلت عن امكانياتها واستسلمت “لقابلية” الرضا بأي شيء.. والصبر على كل شيء.. وقبل ذلك في “نوعية” الاسلاميين الذين تبنوا المشروع الاصلاحي، هؤلاء الذين لم يتعلموا من اخطائهم ولم يتحرروا من “احساسهم” بالمؤامرة والمظلومية رغم ان اقرانهم في تركيا وايران انجزوا مشروعهم في ظل ظروف اسوأ وامكانيات اقل ومحيط متربص وخصوم لا يرحمون.
المشكلة كما قلنا ليست في “الدين” فقد استطاع الماليزيون بناء دولة على اساس مشروع حضاري اسلامي وتمكن الاندونيسيون من انجاز نهضة اقتصادية وسياسية وعلمية باعثها “الدين” ايضا فيما استطاع غيرنا من امم الارض ان ينجزوا حضاراتهم في غياب “الدين” ايضا، وبالتالي فان المشكلة تكمن في “العقل” وفي الارادة وفي “الانسان”، فالانسان العربي – حاكما او محكوما- ما زال اسيرا لامجاد تاريخية مات اهلها وصراعات “وهمية” استنفدت طاقاته واحساس غريب “بمركّب النقص” وقلة الحيلة والعجز، وما لم يتحرر من هذه العقدة ومن سطوة “الطاعة” وسلطة “القهر” بأنواعه ونوازع الكبت فانه سيظل مجرد “رقم” في احصائيات السكان، مثلما ستظل “الكتلة” البشرية التي ينتمي اليها بلا مشروع وبلا هدف وبلا احساس بالزمن ولا بالخطر الذي يداهمها من كل اتجاه.
باختصار، الاخرون انجزوا مشاريهم وعالمنا العربي ما زال مشغولا باجهاض اي مشروع يخرج من “رحمه”، وبمواجهة اي مشروع يُطلب منه ان يتصدى له، ولا يوجد امامه الا خيار الانتقال من هذا الطرف الى ذلك الطرف وفق البوصلة المرسومة له وكأن قدره ان يظل “تابعا” لا متبوعا، وملحقا لا اصيلا، ومستقبلا لا مرسلا، ومقاولا لتنفيذ مشاريع الاخرين دون ان يفكر لحظة بأن له مشروعه الخاص وحريته الخاصة ايضا.
(الدستور)