العرب وايران ... من يتجرع «السُّمّ»؟
حسين الرواشدة
جو 24 : باستثناء سلطنة عُمان التي شهدت – كوسيط - جزء من الاجتماعات السرية بين امريكا وايران حول “البرنامج النووي” غاب العرب تماما عن طاولة المفاوضات، فيما كان رئيس وزراء اسرائيل اول من تلقى خبر الاتفاق في 30 ايلول الماضي اثر لقائه بالرئيس اوباما قبل يوم اللقاء كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة.
ردود الفعل الاسرائيلية جاءت قبل اشهار الاتفاق فقد شن نتنياهو في كلمته آنذاك هجوما على الرئيس الايراني واتهم ايران بقتل “اليهود” في الارجنتين وممارسة “الارهاب” وتصديره ثم تدحرجت المواقف الاسرائيلية بعد ذلك في السياق ذاته، واخذت مسارين: احدهما رفض الاتفاق واعتباره “خطأ تاريخيا” والآخر الدعوة الى اقامة تحالف عربي اسرائيلي لمواجهة النووي الايراني.
على الطرف العربي، اختلفت الردود، فقد استعجل البعض “بالترحيب” بالاتفاق فيما ربط اخرون نجاحه “بالنوايا” الايرانية، ولم يخف بالطبع ان ثمة من “صدموا” به واعتبروه “انتصارا” لايران و”خذلانا” من جانب امريكا لهم، لكن المؤكد ان كل هذه الردود جاءت على الهامش، حيث لا دور للعرب فيما حدث ولا قدرة لهم على التأثير فيه، وبالتالي فان افضل ما يمكن ان يفعلوه هو “التكيف” مع استحقاقاته للخروج بأقل ما يمكن من خسائر.
سؤال “التكيف” هذا يحتاج الى نقاش، فبعد 34 عاما من الصراع بين “الفقيه” والشيطان” نجح الطرفان في “ابتلاع السم” وطويت بذلك صفحة طويلة من تاريخ “العداء”، فيما لا يزال الصراع بين الجيران “الولي” و”السلطان” من جهة وبين “الفقيه” و”الفقيه” محتدما داخل الاطار الاسلامي، وهي بالطبع مفارقة غريبة، واخطر ما فيها هو امكانية توظيفها “لتفخيخ” الاتفاقية من خلال “اللغم” المذهبي الذي قد يدفع عجلة التاريخ للوراء سواء تعلق هذا التاريخ بما فعله قورش (542ق.م) او بما فعله اسماعيل الصفوي (1501م) او تعلق بما فعله السلطان سليم الاول (514)، مرورا بكل وقائع الصراع على تخوم المذهبين السني والشيعي، او على تخوم “السياسة” وحروبها الممتدة.
تلك، بالطبع، امة قد مضت، لكن بالعودة الى موضوع “التكيف” مع صعود “النجم” الايراني، يمكن الاشارة الى مسألتين: اولاهما ان ايران خرجت “رابحة” من الاتفاق سواء بالاعتراف الدولي بها كطرف اساسي في المنطقة، او برفع الحصار عنها، او بالاقرار في حقها “بالنووي” او بامكانية توظيفها “الاتفاقية” لاعادة ترتيب داخلها اقتصاديا واجتماعيا، فيما لم يخسر العرب –اذا احسنوا التعامل مع ذلك- اي شيء لسببين: احدهما انهم ليسوا طرفا في الاتفاق اصلا، كما انهم ليسوا طرفا في اي مواجهة “نووي” مع ايران، والسبب الاخر ان عودة ايران الى الحضن الدولي واعطائها رخصة نووية تسمح للعرب –ان ارادوا- بفتح حوار عربي ايراني على قاعدة المصالح والمبادىء المشتركة، كما تسمح لهم بأخذ نصيبهم من “النووي” السلمي، وقد تشجعهم ايضا على استلهام “الدرس” الايراني سواء من جهة “بناء مشروع عربي موحد” او من جهة “الاصرار والصمود الدبلوماسي والسياسي” او من جهة طي صفحة الرهان على الآخر والاعتماد على الذات، او الدخول في مصالحات تاريخية في اطار “الاسلام” الذي يوحد الاتراك والعرب والايرانيين..
اذا لا يعقل ان تتصالح ايران مع الد خصومها فيما لا يزال العرب عاجزين عن ابرام صفقة “تصالح” بين الاغلبية السنية وبين “الشيعة” الذين لا يشكلون اكثر من “10%” من المسلمين في العالم، حتى لو افترضنا جدلا صحة المخاوف التي تتردد حول “المشروع الايراني” الشيعي الذي يستهدف العرب، او صحة الهواجس التي دفعت كل طرف منهما الى “شيطنة” الاخر مذهبيا وسياسيا.
لا اقلل ابدا من هذه المخاوف والهواجس، بالنسبة للطرفين على حد سواء، ولكن لا يمكن ان يقبل العقلاء على الطرفين بان “المواجهة” وادامة الصراع –هو الحل الوحيد- كما لا يمكن ان نصدق بأن “تركة” التاريخ الثقيلة قديما وحديثا، تمنع من الالتقاء للحوار ولو كان سرا، من بوابة “الوسطاء” او “جامعة الدول العربية” او احدى الدول الفاعلة في الاقليم، واجراء ما يلزم من “مفاوضات” (كما فعلت امريكا وايران) للوصول الى تفاهمات “الحد الادنى” لكي لا نقول الى “مصالحات تاريخية” ولكي لا نطالب احدا “بتجرع السمّ” وانما فقط لتقليل ما امكن من خسائر استمرار “الخصومة” المبالغ فيها، وتفويت الفرصة على من يحاول “تفخيخ” الصدع المذهبي لضمان مصالحه او استمرار هيمنته على المنطقة.
باختصار، في حسابات الرابحين والخاسرين يمكن لجميع الاطراف: ايران والعرب “دعك من الكبار” وتركيا ايضا، ان تصنع من فرصة “النووي” مدخلا جديدا لرسم خرائطها وفق مصالحها وطموحاتها، لا وفق ما يصممه الاخرون لها، ويمكن لمن يعتقد بانه خرج خاسرا من “الصفقة” ان يحول هذه “الخسارة” الى تحدٍّ لمواجهة الواقع الجديد بما يستلزمه من “نهوض” وما يفرضه من مراجعات.
(الدستور)
ردود الفعل الاسرائيلية جاءت قبل اشهار الاتفاق فقد شن نتنياهو في كلمته آنذاك هجوما على الرئيس الايراني واتهم ايران بقتل “اليهود” في الارجنتين وممارسة “الارهاب” وتصديره ثم تدحرجت المواقف الاسرائيلية بعد ذلك في السياق ذاته، واخذت مسارين: احدهما رفض الاتفاق واعتباره “خطأ تاريخيا” والآخر الدعوة الى اقامة تحالف عربي اسرائيلي لمواجهة النووي الايراني.
على الطرف العربي، اختلفت الردود، فقد استعجل البعض “بالترحيب” بالاتفاق فيما ربط اخرون نجاحه “بالنوايا” الايرانية، ولم يخف بالطبع ان ثمة من “صدموا” به واعتبروه “انتصارا” لايران و”خذلانا” من جانب امريكا لهم، لكن المؤكد ان كل هذه الردود جاءت على الهامش، حيث لا دور للعرب فيما حدث ولا قدرة لهم على التأثير فيه، وبالتالي فان افضل ما يمكن ان يفعلوه هو “التكيف” مع استحقاقاته للخروج بأقل ما يمكن من خسائر.
سؤال “التكيف” هذا يحتاج الى نقاش، فبعد 34 عاما من الصراع بين “الفقيه” والشيطان” نجح الطرفان في “ابتلاع السم” وطويت بذلك صفحة طويلة من تاريخ “العداء”، فيما لا يزال الصراع بين الجيران “الولي” و”السلطان” من جهة وبين “الفقيه” و”الفقيه” محتدما داخل الاطار الاسلامي، وهي بالطبع مفارقة غريبة، واخطر ما فيها هو امكانية توظيفها “لتفخيخ” الاتفاقية من خلال “اللغم” المذهبي الذي قد يدفع عجلة التاريخ للوراء سواء تعلق هذا التاريخ بما فعله قورش (542ق.م) او بما فعله اسماعيل الصفوي (1501م) او تعلق بما فعله السلطان سليم الاول (514)، مرورا بكل وقائع الصراع على تخوم المذهبين السني والشيعي، او على تخوم “السياسة” وحروبها الممتدة.
تلك، بالطبع، امة قد مضت، لكن بالعودة الى موضوع “التكيف” مع صعود “النجم” الايراني، يمكن الاشارة الى مسألتين: اولاهما ان ايران خرجت “رابحة” من الاتفاق سواء بالاعتراف الدولي بها كطرف اساسي في المنطقة، او برفع الحصار عنها، او بالاقرار في حقها “بالنووي” او بامكانية توظيفها “الاتفاقية” لاعادة ترتيب داخلها اقتصاديا واجتماعيا، فيما لم يخسر العرب –اذا احسنوا التعامل مع ذلك- اي شيء لسببين: احدهما انهم ليسوا طرفا في الاتفاق اصلا، كما انهم ليسوا طرفا في اي مواجهة “نووي” مع ايران، والسبب الاخر ان عودة ايران الى الحضن الدولي واعطائها رخصة نووية تسمح للعرب –ان ارادوا- بفتح حوار عربي ايراني على قاعدة المصالح والمبادىء المشتركة، كما تسمح لهم بأخذ نصيبهم من “النووي” السلمي، وقد تشجعهم ايضا على استلهام “الدرس” الايراني سواء من جهة “بناء مشروع عربي موحد” او من جهة “الاصرار والصمود الدبلوماسي والسياسي” او من جهة طي صفحة الرهان على الآخر والاعتماد على الذات، او الدخول في مصالحات تاريخية في اطار “الاسلام” الذي يوحد الاتراك والعرب والايرانيين..
اذا لا يعقل ان تتصالح ايران مع الد خصومها فيما لا يزال العرب عاجزين عن ابرام صفقة “تصالح” بين الاغلبية السنية وبين “الشيعة” الذين لا يشكلون اكثر من “10%” من المسلمين في العالم، حتى لو افترضنا جدلا صحة المخاوف التي تتردد حول “المشروع الايراني” الشيعي الذي يستهدف العرب، او صحة الهواجس التي دفعت كل طرف منهما الى “شيطنة” الاخر مذهبيا وسياسيا.
لا اقلل ابدا من هذه المخاوف والهواجس، بالنسبة للطرفين على حد سواء، ولكن لا يمكن ان يقبل العقلاء على الطرفين بان “المواجهة” وادامة الصراع –هو الحل الوحيد- كما لا يمكن ان نصدق بأن “تركة” التاريخ الثقيلة قديما وحديثا، تمنع من الالتقاء للحوار ولو كان سرا، من بوابة “الوسطاء” او “جامعة الدول العربية” او احدى الدول الفاعلة في الاقليم، واجراء ما يلزم من “مفاوضات” (كما فعلت امريكا وايران) للوصول الى تفاهمات “الحد الادنى” لكي لا نقول الى “مصالحات تاريخية” ولكي لا نطالب احدا “بتجرع السمّ” وانما فقط لتقليل ما امكن من خسائر استمرار “الخصومة” المبالغ فيها، وتفويت الفرصة على من يحاول “تفخيخ” الصدع المذهبي لضمان مصالحه او استمرار هيمنته على المنطقة.
باختصار، في حسابات الرابحين والخاسرين يمكن لجميع الاطراف: ايران والعرب “دعك من الكبار” وتركيا ايضا، ان تصنع من فرصة “النووي” مدخلا جديدا لرسم خرائطها وفق مصالحها وطموحاتها، لا وفق ما يصممه الاخرون لها، ويمكن لمن يعتقد بانه خرج خاسرا من “الصفقة” ان يحول هذه “الخسارة” الى تحدٍّ لمواجهة الواقع الجديد بما يستلزمه من “نهوض” وما يفرضه من مراجعات.
(الدستور)