زمن راحاب الزانية وغياب زرقاء اليمامة
خلود العجارمه
جو 24 :
يبدو أننا نعيش اليوم في زمن تتساقط فيه القيم كما تتساقط أوراق الخريف زمن يذكرنا براحاب الزانية تلك المرأة التي خانت قومها وباعت مدينتها بثمن بخس حين فتحت الأبواب للغزاة وسهلت لهم اقتحام الأسوار راحاب لم تكن تجهل ما تفعل ولم تكن مضطرة إلى الخيانة بحجة الجهل أو الغفلة بل كانت تدرك تماما أنها تمنح العدو موطئ قدم على أرضها وأنها تغرس خنجرا في ظهر قومها ومع ذلك فعلت
والمؤلم أن التاريخ لم يدفن راحاب وحدها بل أفرخ لنا مئات النسخ منها في كل عصر حتى أصبحنا اليوم نرى الخيانة تتزيا بزي العقلانية والتنازل يختبئ وراء شعارات السلام والولاء للأعداء يقدم على أنه براغماتية سياسية
ولو كان فينا اليوم من بصيرة زرقاء اليمامة ما يقي الأمة من العمى لربما تغير الحال زرقاء اليمامة تلك المرأة الأسطورية التي كانت ترى العدو من مسيرة ثلاثة أيام لم تكن مجرد صاحبة عينين نافذتين بل كانت صاحبة موقف حين أدركت أن قومها لا يصدقونها وحين واجهت العدو الذي انتصر بالمكر والخداع كان بإمكانها أن تبيع بصرها مقابل الأمان لكنها قالت للغزاة افعلوا ما شئتم بعيني ولكن لا تطمعوا أن أستخدمهما في خدمتكم أو في كشف الطريق أمامكم
هذا الفارق بين راحاب والزرقاء هو الفارق بين الخيانة والمروءة بين من يبيع نفسه للعدو وبين من يؤثر أن يقتل على أن يكون أداة في يد الغريب
اليوم كم من راحاب بيننا وكم من زرقاء اندثرت قصتها في دفاتر النسيان نحن في زمن يكافأ فيه الخائن بمنصب وامتياز ويعاقب فيه المخلص بالتشويه أو السجن أو النفي زمن تتكاثر فيه الألسن التي تبرر الهزيمة وتختفي فيه الأصوات التي تحذر من الخطر القادم
التاريخ علمنا أن المدن تسقط حين يفقد أهلها البصيرة لا حين ينكسر السيف وأن الحصون تنهار من الداخل قبل أن يقتحمها الخارج وأن أخطر سلاح في يد العدو ليس مدفعه بل خائن يفتح له البوابة
إن كنا قد فقدنا زرقاء اليمامة فلا أقل من أن نحمل إرثها في قلوبنا أن نرفض أن نكون شهود زور على ضياع أوطاننا وأن نقسم ألا نستخدم أبصارنا وعقولنا في خدمة من يريد بنا وبأرضنا شرا فالخيانة ليست رأيا بل جريمة والبصيرة ليست رفاهية بل ضرورة للبقاء








