الدمى التي تبكي بصمت
خلود العجارمه
جو 24 :
كتبت هذه القصة عام ألفين وعشرين وما زالت تفاصيلها تسكن ذاكرتي كأنها كُتبت البارحة حين كانت براءة الطفولة تقودني لأتأمل العالم بعيني ابنتي
كانت تمسك يدي بثقة طفلة لم تتعلم بعد أن العالم قد يؤذي
نسير بين المحال تتدلى من خلف الزجاج فساتين ملونة ودمى تبتسم في صمت بارد
وفجأة توقفت أمام دمية واقفة على باب متجر صغير
حدقت فيها طويلا كأنها وجدت من يشبهها طفلة صامتة ترتدي ثوبا جميلا لا تنطق ولا تتحرك
امتلأت عيناها بدهشة غامضة بين الفرح والخوف ثم نادت بصوت خافت لكنه اخترق قلبي
ماما
تقدمت نحوها بخطوات صغيرة وأنا أمسك بيدها خشية أن تسقط لكنها مضت بعناد طفولي جميل تضحك وتنادي
ماما انظري إليها إنها مثلنا
وقفت أمام الدمية رفعت يدها الصغيرة لتلامس يدها الجامدة
ثم التفتت إلي بعينين نقيتين وقالت
ماما أريدها أن تأتي معنا إلى بيتنا
ضحكت يومها من براءتها لكن شيئا في صدري انكسر
غصة خفية تسللت إلى أعماقي
تمنيت لو أستطيع احتضان كل طفلة تشبه تلك الدمية التي سلبت قلبها
وقلت في نفسي
إن كانت سالي قد حزنت على دمية بلا روح
فكيف بها لو رأت أطفالا حقيقيين وجوههم مغسولة بالغبار وقلوبهم تبحث عن دفء حضن رحل
كيف لو سمعت تلك الطفلة التي تصرخ من بين الركام ماما
وصدى صوتها يعود إليها خائبا يخبرها أن أمها لن تعود
وأن أباها غاب عن الدنيا بعدما روى بدمه تراب القدس
وبقيت أرواحهما الطاهرة تهمس هناك ما زلنا نحرس المكان
حينها أدركت أن الدمى الحقيقية ليست تلك التي تصنعها الأيدي
بل تلك الوجوه الصغيرة التي أجبرها الحزن على النضوج
والتي ما زالت تنادي ماما في فراغ لا يسمعها فيه أحد
فالدمى التي تستحق أن نشعر بها
هي التي خُلقت من وجع حقيقي ونامت على الأرض الباردة
تنتظر يدا تمتد إليها لا لتلعب بل لتنقذ
وخلف الحمد لله تبقى الحسرة دعاء مكتوما
بأن يبتسم الله لطفولتهم حين يعجز العالم عن ذلك








