تحولات في مزاج الشارع .. واحتجاجاته!
حسين الرواشدة
جو 24 : كسرت المسيرات التي شهدتها مختلف المحافظات أمس حاجزين اثنين: احدهما حاجز الرهان على “تراجع” الشارع وارتباك حراكاته واحتجاجاته، والآخر حاجز “إبقاء الوضع على حاله من حيث حصر الاحتجاجات في “بؤر” محددة ومناطق مهمشة وعدم امتدادها الى مناطق اخرى.
سقوط هاتين الفرضيتين: فرضية انهاك الحراكات واستنزافها تمهيدا لاقصائها وطردها من الشارع، وفرضية تحديد “جغرافيتها” ومحاولة عزلها للسيطرة عليها والتقليل من شأنها، يعني أننا امام مرحلة جديدة يجب ان ننتبه اليها وان نتعامل معها بمنطق جديد يختلف عن تعاملنا معها في الماضي، وبفهم آخر - ايضا - يجنب بلدنا الدخول في لحظة حرجة يصعب الخروج منها او دفع “فواتيرها” الباهظة.
اذا دققنا في مشهد الاحتجاجات التي بدأت في اربد منذ بداية الاسبوع الماضي، سنلاحظ ان معظم الذين خرجوا في “المسيرات الليلية” وفي مسرة الجمعة كانوا من الشباب الذين يمثلون معظم الاطياف الاجتماعية والسياسية، وسنلاحظ ايضا بأن حدة الشعارات التي رفعت تجاوزت المألوف، وبأن المطالبات تحولت الى غضب، وبأن عنوان الاصلاح قفز الى أمكنة اخرى. وهذا ما حدث ايضا في جرش القريبة من اربد.. وسمعنا صداه في المناطق الجنوبية التي بدأت في الاحتجاجات والمظاهرات مثل معان والطفيلة والكرك والشوبك.. وفي العاصمة ايضا التي انتقل فيها حراك الاسلاميين الى احد المخيمات.
اذا دققنا في الصورة اكثر، سنلاحظ ان الاسبوع الماضي - بعد مقررات رفع الاسعار والثقة وما تلاها من تطورات - شهد “مراجعات” مكثفة على صعيد الحراكات والناشطين فيها، انتهت الى اشهار “تنسيقية” عامة لجمع هذه الحراكات في اطار “موحد”، وتحديد اهدافها وبرامجها وشعاراتها، وهذا ما رأيناه في مسيرات امس، حيث توحدت معظم الحراكات على عناوين محددة.. وكادت شعاراتها ان تكون متطابقة.
اللافت هنا ان “القوى والنخب” بما فيها الاسلاميون، تواروا خلف الصورة، وتصدرها بالتالي مجموعات من الشباب غير المنظمين وغير المعروفين بانتماءاتهم السياسية، وربما هذا ما دفع “شباب الاسلاميين” الى الاندماج في المشهد بعيداً عن الوقوف خلف قياداتهم، كما كان ذلك مألوفاً في المسيرات التي شهدناها في العاصمة.
التغيير الذي طرأ على “مزاج” الشارع لم يكن مفاجئاً، فقد سبقه تحذيرات مختلفة من خطورة “العبث” في الاسعار، ومن مغبة تأجيل البت في مشروع الاصلاح، لكن ثمة اسباب ودوافع متعددة عكرت هذا المزاج وضربت بالتالي على “عصب” الشارع، ابرزها التعامل مع مطالب الناس بمنطق الاستهانة وقد تمثل ذلك بشكل واضح في مقررات رفع الاسعار، وقبلها في تدوير الحكومات واخراج مجلس النواب بصورة استفزت مشاعر الناس.
وكان يمكن بالطبع ألا نصل الى هذه المرحلة “الحرجة” لو استثمرنا فرصة واحدة، لا اكثر، وهي الدخول في حوار وطني جدي مع النخب السياسية للتوافق على برنامج “اصلاح” يرضي الجميع، ووقف كل المقررات التي من شأنها اثارة غضب الشارع وفي مقدمتها قضية رفع الاسعار، لكننا - للأسف - لم نفتح لواقطنا الرسمية على “انين” المجتمع وصرخات الناس في الشارع، وراهنا على ان موجة “الغضب” انتهت، وعلى اننا تجاوزنا لحظة الخطر، واعتمدنا في ذلك على “رؤية العين الواحدة”، سواء للمشهد الاقليمي الذي يحيط بها وامكانية التخويف به او الاتعاظ منه، او للمشهد الدولي الذي بدا لنا وكأنه راض او غير معني بما يحدث في بلادنا.
الآن، لا بد من ان نلتفت الى الجهة التي اغمضنا عيوننا عنها واسقطناها من “ضماناتنا” ورهاناتنا، واقصد بها “الداخل” حيث المجتمع وما يحدث فوق سطحه وتحته من تفاعلات وتحولات، واعتقد ان الاسبوع الفائت على الاقل قدم لنا صورة اخرى مختلفة تماما عما ترسخ في اذهاننا، وبوسعنا ان نقتنص الفرصة - اذا أردنا - وان نعيد المزاج العام الى دائرة اقل سخونة واقل خطورة.. لأن ما سمعناه أمس الجمعة يجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا، ونفترض - على الاقل - ان يدفع المسؤولين في بلادنا الى اعادة حساباتهم ورهاناتهم من جديد.
الدستور
سقوط هاتين الفرضيتين: فرضية انهاك الحراكات واستنزافها تمهيدا لاقصائها وطردها من الشارع، وفرضية تحديد “جغرافيتها” ومحاولة عزلها للسيطرة عليها والتقليل من شأنها، يعني أننا امام مرحلة جديدة يجب ان ننتبه اليها وان نتعامل معها بمنطق جديد يختلف عن تعاملنا معها في الماضي، وبفهم آخر - ايضا - يجنب بلدنا الدخول في لحظة حرجة يصعب الخروج منها او دفع “فواتيرها” الباهظة.
اذا دققنا في مشهد الاحتجاجات التي بدأت في اربد منذ بداية الاسبوع الماضي، سنلاحظ ان معظم الذين خرجوا في “المسيرات الليلية” وفي مسرة الجمعة كانوا من الشباب الذين يمثلون معظم الاطياف الاجتماعية والسياسية، وسنلاحظ ايضا بأن حدة الشعارات التي رفعت تجاوزت المألوف، وبأن المطالبات تحولت الى غضب، وبأن عنوان الاصلاح قفز الى أمكنة اخرى. وهذا ما حدث ايضا في جرش القريبة من اربد.. وسمعنا صداه في المناطق الجنوبية التي بدأت في الاحتجاجات والمظاهرات مثل معان والطفيلة والكرك والشوبك.. وفي العاصمة ايضا التي انتقل فيها حراك الاسلاميين الى احد المخيمات.
اذا دققنا في الصورة اكثر، سنلاحظ ان الاسبوع الماضي - بعد مقررات رفع الاسعار والثقة وما تلاها من تطورات - شهد “مراجعات” مكثفة على صعيد الحراكات والناشطين فيها، انتهت الى اشهار “تنسيقية” عامة لجمع هذه الحراكات في اطار “موحد”، وتحديد اهدافها وبرامجها وشعاراتها، وهذا ما رأيناه في مسيرات امس، حيث توحدت معظم الحراكات على عناوين محددة.. وكادت شعاراتها ان تكون متطابقة.
اللافت هنا ان “القوى والنخب” بما فيها الاسلاميون، تواروا خلف الصورة، وتصدرها بالتالي مجموعات من الشباب غير المنظمين وغير المعروفين بانتماءاتهم السياسية، وربما هذا ما دفع “شباب الاسلاميين” الى الاندماج في المشهد بعيداً عن الوقوف خلف قياداتهم، كما كان ذلك مألوفاً في المسيرات التي شهدناها في العاصمة.
التغيير الذي طرأ على “مزاج” الشارع لم يكن مفاجئاً، فقد سبقه تحذيرات مختلفة من خطورة “العبث” في الاسعار، ومن مغبة تأجيل البت في مشروع الاصلاح، لكن ثمة اسباب ودوافع متعددة عكرت هذا المزاج وضربت بالتالي على “عصب” الشارع، ابرزها التعامل مع مطالب الناس بمنطق الاستهانة وقد تمثل ذلك بشكل واضح في مقررات رفع الاسعار، وقبلها في تدوير الحكومات واخراج مجلس النواب بصورة استفزت مشاعر الناس.
وكان يمكن بالطبع ألا نصل الى هذه المرحلة “الحرجة” لو استثمرنا فرصة واحدة، لا اكثر، وهي الدخول في حوار وطني جدي مع النخب السياسية للتوافق على برنامج “اصلاح” يرضي الجميع، ووقف كل المقررات التي من شأنها اثارة غضب الشارع وفي مقدمتها قضية رفع الاسعار، لكننا - للأسف - لم نفتح لواقطنا الرسمية على “انين” المجتمع وصرخات الناس في الشارع، وراهنا على ان موجة “الغضب” انتهت، وعلى اننا تجاوزنا لحظة الخطر، واعتمدنا في ذلك على “رؤية العين الواحدة”، سواء للمشهد الاقليمي الذي يحيط بها وامكانية التخويف به او الاتعاظ منه، او للمشهد الدولي الذي بدا لنا وكأنه راض او غير معني بما يحدث في بلادنا.
الآن، لا بد من ان نلتفت الى الجهة التي اغمضنا عيوننا عنها واسقطناها من “ضماناتنا” ورهاناتنا، واقصد بها “الداخل” حيث المجتمع وما يحدث فوق سطحه وتحته من تفاعلات وتحولات، واعتقد ان الاسبوع الفائت على الاقل قدم لنا صورة اخرى مختلفة تماما عما ترسخ في اذهاننا، وبوسعنا ان نقتنص الفرصة - اذا أردنا - وان نعيد المزاج العام الى دائرة اقل سخونة واقل خطورة.. لأن ما سمعناه أمس الجمعة يجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا، ونفترض - على الاقل - ان يدفع المسؤولين في بلادنا الى اعادة حساباتهم ورهاناتهم من جديد.
الدستور