jo24_banner
jo24_banner

غزة بين الصبر والمكر

خلود العجارمه
جو 24 :
 لا يلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين، فالإيمان وعي قبل أن يكون عبادة، وبصيرة قبل أن يكون يقينًا. ومن هذه البصيرة يدرك المسلم أن الحياة تمتحنه بالمواقف كما يمتحن الحديد بالنار، فينكشف الصلب من الهش، ويتمايز الصادق من المدعي. ومن تمام الإيمان أن يكون المؤمن يقظًا حذرًا، لا يقع في الخديعة مرتين، ولا يمنح الثقة لمن جرب منه الغدر.
لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الحذر من صفات المؤمن، لا خوفًا ولا ضعفًا، بل وعيًا وتوقيًا من مكائد الأعداء الذين لا يريدون للأمة قيامًا ولا عزة. فالأصل في التعامل مع من عرف عنهم المكر والخداع أن يكون المسلم في تمام اليقظة، متأهبًا، مدركًا أن العدو لا يمل ولا يكل، وأن المكر في طبعه متجذر، وأن الغفلة باب يتسلل منه الهوان.
واليوم يشهد العالم غزة وهي تخوض حربها الأخيرة، حربًا لازالت تلفظ أنفاسها الأخيرة، لا لأنها انتهت، بل لأن الحقيقة انكشفت، لأن الصبر هناك صار رمزًا، والعزيمة أصبحت ميثاقًا، ولأن الوعي استيقظ من تحت الركام. فلا يمكن لأمة عرفت طريق الحق أن تلدغ من الجحر ذاته مرة أخرى.
غزة تعلمنا أن الإيمان ليس شعارًا يرفع، بل فعلًا يترجم وصبرًا يُمارس، وعهدًا لا يُنكث. في غزة تسقط الأقنعة وتنكشف الوجوه، وتمحص القلوب، فتتجلى معاني الحديث النبوي في أبهى صورها. فالمؤمن الحق هو من يتعلم من جراحه، ويتزود من أوجاعه، ويمضي بثبات نحو نصر كتب له، ولو تأخر زمنه.
المعركة لم تعد بين سلاح وسلاح، بل بين وعي وغفلة، بين إيمان وزيف، بين أمة تصبر وأعداء يئسوا من صمودها. إن الحرب لازالت تلفظ أنفاسها الأخيرة لأن العدو استنفد مكره، والحق باقٍ ما بقيت جذوة الإيمان في قلوب المؤمنين. وما دام في غزة قلب ينبض، وطفل يبتسم، وأم ترفع يديها إلى السماء، فلن يلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين.
 

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير