نسخة من خطاب الكراهية.. «مانديلا كافر»
حسين الرواشدة
جو 24 : حين قرأت امس، بيان احد الدعاة “المشهورين” عن “مانديلا” الكافر الهالك، أدركت تماما ان “مصيبة” الأمة في بعض دعاتها والناطقين باسم دينها اعظم واكبر من مصيبتها في أعدائها وخصومها الذين يدبرون لها ويترصدون بها ويفترون عليها.
الداعية –سامحه الله- قال في بيانه: “ان كل من يتمنى الرحمة للزعيم الجنوب أفريقي الراحل وقع في ناقض من نواقض الاسلام، ويصبح “مرتدا” بحال اصراره على ذلك، اما اذا كان لا يعتقد صحة دين هذا الرجل فترحمه عليه جهل وضلال، وقد ارتكب محرما في دين الإسلام باجماع العلماء”.
حين تدقق في كلام الداعية تكتشف أولا، انه يتحدث باسم الله تعالى فيقرر على الفور ان “مانديلا” كافر وان الرحمة لا تجوز عليه، وتكتشف ثانيا انه لا يتورع عن استدعاء “اجماع العلماء” ليؤكد صحة مذهبه في تكفير من تجرأ من “المترحمين” على مانديلا، وتكتشف –ثالثا- بانه اختزل الكون كله في المسلمين –فقط- مع انهم لا يمثلون اكثر من ربع سكان العالم، وبالتالي عدهم –دون غيرهم من البشر- أهلا للخير والرحمة وعدّ الآخرين “كفارا” لا يستحقون اي ذكر حميد، وكأن مهمة هداية هؤلاء تقع على المسلمين ودعاتهم، لا على الله تعالى الذي جعل “الكفر” واقعا بمشيئته تعالى، واختيارا للانسان فقط، كما جعل الحساب عليه في الآخرة مرتبطا به دون سواه.
ما ذكره “مولانا” الداعية ليس استثناء وانما جزء من خطاب عام يتبناه كثير من “الاسلاميين” الذين اعلنوا خصومتهم مع الآخر، ايّاَ كان دينه او جنسه او حتى رآيه، واعلنوا –ايضا- كراهيتهم للخير والحق متى كان مصدره “غير اسلامي” وهذا الخطاب “البلوي” يعتقد اصحابه انه يعبّر عن “روح” الاسلام ومقاصده، وانهم من خلاله يدافعون عن الدين ويبشرون الناس به، فيما الحقيقة ان هذا الاعتقاد مسموم ومغشوش من جهتين: احداهما انه يعكس ويؤكد الصورة “النمطية” التي يُروجها اعداء الاسلام الذين لا يرون في هذا الدين الا ملامح الارهاب والكراهية والتعصب والغاء الآخر، اما الجهة الثانية فهي ان هذا الخطاب ينتزع من الاسلام اسمى ما فيه من قيم، كالعدل والسماحة والشهادة على الناس، ومن المسلمين افضل ما لديهم من واجبات وممارسات تعكس تلك القيم، ثم يستبدلها بقيم اخرى دخيلة على الاسلام والمسلمين، وابرزها “كراهية” الالم وتكفير المخالفين والحكم على عباد الله “بالهلاك” لا لانهم افسدوا او ظلموا، وانما لانهم “تراحموا” وتعاونوا والتزموا “الحق” الذي سمّى الله به نفسه واختاره “طريقا” لمن يخلفه في الأرض.
من المفارقات ان دعاة –كل دين- يحاولون تسويق أفضل ما في اديانهم للوصول الى الناس وتبشيرهم بما يعتقدونه الا ان بعض “دعاتنا” للأسف يفعلون العكس تماما، فينفرون عن جهل او تعصب اقرب الناس الى الدين عنه “دعك من الآخرين” ويكفي ان نستعرض ما لدينا من “انماط” تدين غير صحيح بسبب هؤلاء، او ما يعانيه شبابنا من انسحاب عن الدين نحو الزندقة او الردّة، او الانحلال، لكي ندرك بان خطر هؤلاء لا يتعلق فقط بمعاداة الآخر وانما بمعاداة “الذات” ومعاقبة “أهل الملّة” والاجتراء على الدين الصحيح ايضا.
هل نقول معهم حق هؤلاء الذين يتخوفون من “الإسلام” حين يسمعون مثل هذه الخطابات والبيانات التي “تمنع” رحمة الله عن البشر، وتدعو عليها “بالهلاك” وتحكم عليها “بالكفر” وتبيح دماءهم وأموالهم ونساءهم، معهم حق هؤلاء حين يسألون عن “مانديلا” الذي اعتبروه رمزا انسانيا فيأتيهم الجواب انه “كافر” أو حين يسألون عن اديسون مخترع الكهرباء او “بيل” مخترع التلفون، وغيرهم فيأتيهم الجواب “هم في النار”، هل معهم حق حين يعرضون عن الإسلام، ويكرهون المسلمين؟ لا ادري لكن المسؤول عن كل هذا هو الخطاب الكريه الذي ابتلي به الاسلام، من دعاة لا يعرفون ولا يفقهون ولا هم جديرون بالحديث عن الدين او حتى الدفاع عنه، واي دفاع هذا الذي يذبح الدين “بالسكين” بدل ان يزرع في تربته اشتال السماحة والخير والسعادة للناس لكي يستظلوا بظلال “الإسلام” الذي انزله تعالى “بشرى للعالمين”.
رحم الله مانديلا، فقد قدم “للانسانية” ولعالمنا العربي والإسلامي من المواقف والخدمات الجليلة أفضل بكثير مما قدم بعض دعاتنا الذين اختزلوا الدين في “لعن” الشياطين والمخالفين، وطرد الآخرين من رحمة رب العالمين.
(الدستور)
الداعية –سامحه الله- قال في بيانه: “ان كل من يتمنى الرحمة للزعيم الجنوب أفريقي الراحل وقع في ناقض من نواقض الاسلام، ويصبح “مرتدا” بحال اصراره على ذلك، اما اذا كان لا يعتقد صحة دين هذا الرجل فترحمه عليه جهل وضلال، وقد ارتكب محرما في دين الإسلام باجماع العلماء”.
حين تدقق في كلام الداعية تكتشف أولا، انه يتحدث باسم الله تعالى فيقرر على الفور ان “مانديلا” كافر وان الرحمة لا تجوز عليه، وتكتشف ثانيا انه لا يتورع عن استدعاء “اجماع العلماء” ليؤكد صحة مذهبه في تكفير من تجرأ من “المترحمين” على مانديلا، وتكتشف –ثالثا- بانه اختزل الكون كله في المسلمين –فقط- مع انهم لا يمثلون اكثر من ربع سكان العالم، وبالتالي عدهم –دون غيرهم من البشر- أهلا للخير والرحمة وعدّ الآخرين “كفارا” لا يستحقون اي ذكر حميد، وكأن مهمة هداية هؤلاء تقع على المسلمين ودعاتهم، لا على الله تعالى الذي جعل “الكفر” واقعا بمشيئته تعالى، واختيارا للانسان فقط، كما جعل الحساب عليه في الآخرة مرتبطا به دون سواه.
ما ذكره “مولانا” الداعية ليس استثناء وانما جزء من خطاب عام يتبناه كثير من “الاسلاميين” الذين اعلنوا خصومتهم مع الآخر، ايّاَ كان دينه او جنسه او حتى رآيه، واعلنوا –ايضا- كراهيتهم للخير والحق متى كان مصدره “غير اسلامي” وهذا الخطاب “البلوي” يعتقد اصحابه انه يعبّر عن “روح” الاسلام ومقاصده، وانهم من خلاله يدافعون عن الدين ويبشرون الناس به، فيما الحقيقة ان هذا الاعتقاد مسموم ومغشوش من جهتين: احداهما انه يعكس ويؤكد الصورة “النمطية” التي يُروجها اعداء الاسلام الذين لا يرون في هذا الدين الا ملامح الارهاب والكراهية والتعصب والغاء الآخر، اما الجهة الثانية فهي ان هذا الخطاب ينتزع من الاسلام اسمى ما فيه من قيم، كالعدل والسماحة والشهادة على الناس، ومن المسلمين افضل ما لديهم من واجبات وممارسات تعكس تلك القيم، ثم يستبدلها بقيم اخرى دخيلة على الاسلام والمسلمين، وابرزها “كراهية” الالم وتكفير المخالفين والحكم على عباد الله “بالهلاك” لا لانهم افسدوا او ظلموا، وانما لانهم “تراحموا” وتعاونوا والتزموا “الحق” الذي سمّى الله به نفسه واختاره “طريقا” لمن يخلفه في الأرض.
من المفارقات ان دعاة –كل دين- يحاولون تسويق أفضل ما في اديانهم للوصول الى الناس وتبشيرهم بما يعتقدونه الا ان بعض “دعاتنا” للأسف يفعلون العكس تماما، فينفرون عن جهل او تعصب اقرب الناس الى الدين عنه “دعك من الآخرين” ويكفي ان نستعرض ما لدينا من “انماط” تدين غير صحيح بسبب هؤلاء، او ما يعانيه شبابنا من انسحاب عن الدين نحو الزندقة او الردّة، او الانحلال، لكي ندرك بان خطر هؤلاء لا يتعلق فقط بمعاداة الآخر وانما بمعاداة “الذات” ومعاقبة “أهل الملّة” والاجتراء على الدين الصحيح ايضا.
هل نقول معهم حق هؤلاء الذين يتخوفون من “الإسلام” حين يسمعون مثل هذه الخطابات والبيانات التي “تمنع” رحمة الله عن البشر، وتدعو عليها “بالهلاك” وتحكم عليها “بالكفر” وتبيح دماءهم وأموالهم ونساءهم، معهم حق هؤلاء حين يسألون عن “مانديلا” الذي اعتبروه رمزا انسانيا فيأتيهم الجواب انه “كافر” أو حين يسألون عن اديسون مخترع الكهرباء او “بيل” مخترع التلفون، وغيرهم فيأتيهم الجواب “هم في النار”، هل معهم حق حين يعرضون عن الإسلام، ويكرهون المسلمين؟ لا ادري لكن المسؤول عن كل هذا هو الخطاب الكريه الذي ابتلي به الاسلام، من دعاة لا يعرفون ولا يفقهون ولا هم جديرون بالحديث عن الدين او حتى الدفاع عنه، واي دفاع هذا الذي يذبح الدين “بالسكين” بدل ان يزرع في تربته اشتال السماحة والخير والسعادة للناس لكي يستظلوا بظلال “الإسلام” الذي انزله تعالى “بشرى للعالمين”.
رحم الله مانديلا، فقد قدم “للانسانية” ولعالمنا العربي والإسلامي من المواقف والخدمات الجليلة أفضل بكثير مما قدم بعض دعاتنا الذين اختزلوا الدين في “لعن” الشياطين والمخالفين، وطرد الآخرين من رحمة رب العالمين.
(الدستور)