نواب الذكاء الاصطناعي وخطابات متكررة
خلود العجارمه
جو 24 :
نواب يشبهون الذكاء الاصطناعي في تكرار الكلام بلا روح ولا تجديد ففي كل جلسة يعود بعضهم إلى المنصة بالحديث نفسه وكأنهم نسخ مكررة لخطاب واحد يحمل الوعود ذاتها والأفكار نفسها التي لم تعد تحمل أي معنى حقيقي يسمع المواطن الكلمات التي سمعها بالأمس والتي سيسمعها غدا بلا أي اختلاف حتى صار المشهد برمته يشبه حلقة يعاد بثها على الدوام حتى حفظ الناس كلماتها كما يحفظ الطفل درسه الأول
لقد أصبح المواطن يلاحظ هذا التكرار الممل ويرى فيه علامة عجز أكثر مما يراه دليلا على الحرص فالخطاب حين يفقد حسه الحقيقي يصبح أقرب إلى أداء آلي لا ينبض ولا يتطور ولا يقترب من مشاكل الناس ولا يحاول حتى أن يلامس احتياجاتهم اليومية وكأن كل نائب يستيقظ ويحمل معه نسخة محفوظة من كلام لا يتبدل مهما تغيرت الأزمات ومهما تبدلت الوجوه ومهما احتاج الناس إلى وضوح أو صدق أو شجاعة
والأعجب أن هذا التكرار لا يأتي دائما من قلة المعرفة بل من اعتياد الخطاب ذاته فقد وجد بعض النواب أن تكرار الكلمات أسهل من البحث عن فكرة جديدة أو جهد إضافي أو خطوة مختلفة فصار خطابهم يشبه برمجية تقليدية تعمل بالطريقة نفسها منذ سنوات بلا تحديث وبلا تطوير وبلا رغبة في رؤية المشهد كما يراه الناس الذين ينتظرون شيئا جديدا يبعث فيهم الأمل ويجعلهم يشعرون أن صوتهم يصل فعلا
لقد أصبح المواطن يعرف مسبقا ما سيقال قبل أن يبدأ النائب حديثه وكأنه يسمع نسخة محفوظة على جهاز يعيد تشغيل الرسالة نفسها بلا توقف إذ يحمل كل نائب نفس نبرة الغضب المصطنع ونفس جملة الدفاع عن الوطن ونفس الانتقاد التقليدي ونفس الوعود التي تذوب بمجرد انتهاء الجلسة حتى بات المشهد أشبه بمسودة كبيرة يتداولها الجميع ولا يريد أحد أن يكتب فيها حرفا جديدا
وإذا تأملنا الصورة أكثر سنجد أن الناس لا تطلب المستحيل بل تطلب كلمة مختلفة أو فكرة جادة أو خطوة تقود البلد إلى الأمام ولكنهم كلما بحثوا في خطاب بعض النواب لا يجدون إلا تكرارا لا ينتهي حتى ظن البعض أن بعض النواب يشبهون الذكاء الاصطناعي ليس لأنهم متقدمون أو بارعون بل لأنهم يجيدون تكرار الكلام بطريقة آلية لا تحمل شعورا ولا اجتهادا ولا حياة
وهذا التكرار المستمر لم يعد مجرد ظاهرة بل أصبح عائقا أمام أي محاولة للتغيير لأن الخطاب حين يتعطل ويتجمد فإن الفكرة تتعطل معه ويتعطل معها أي أمل في تحريك المياه الراكدة فالكلام المتكرر لا يصنع قوانين والكلام المتكرر لا يحل مشكلات والكلام المتكرر لا يحقق مطالب الناس ولا يفتح بابا نحو مستقبل مختلف
وفي الحقيقة لم يعد المشهد السياسي بحاجة إلى أصوات عالية بقدر حاجته إلى عقول تفكر وإلى كلمات صادقة تعكس واقعا لا يخاف أحد من تسميته باسمه وإذا كانت الآلة مبرمجة على التكرار فإن الإنسان يملك ما هو أكثر من البرمجة يملك الوعي والضمير والقدرة على الإبداع فلماذا يتخلى عن ميزته الوحيدة التي تميزه عن الآلة ولماذا يختار الدور الأسهل بينما ينتظر الناس الموقف الأصعب والأصدق
وفي النهاية يصبح السؤال الأكبر هل المشكلة في الذكاء الاصطناعي أم في بعض النواب الذين اختاروا أن يشبهوا الآلة في أسوأ صفاتها إن الآلة لا تلام لأنها بلا عقل وبلا إحساس أما الإنسان فإذا جعل من نفسه آلة تردد الكلام نفسه بلا روح فإنه يخسر دوره ويخسر احترام الناس ويخسر قيمته في أعين من ائتمنوه على أصواتهم ومنحوه مسؤولية تمثيلهم
إن الوطن لا يحتاج إلى تكرار الوطن يحتاج إلى صوت مختلف وفكر جديد وكلمة صادقة تنهض من قلب الإخلاص لا من روتين الخطاب الممل الوطن يحتاج إلى من يكسر حلقة التكرار لا من يزيدها ضيقا وإرهاقا
خلود العفيشات.








