jo24_banner
jo24_banner

أنا اردني ..إذا أنا مرعوب

د.محمد الحباشنة
جو 24 : لا يستطيع احد أن يستنكر أو يشجب أو يدين شعور الرعب الذي يستوطنني (كأردني)، منذ أن حطت الثلجة الكارثة على روؤسنا. نعم أنا مسكون بالخوف ودون عقد ذكورية، لا بل لم تعد أهازيج الشجاعة واغنيات التنمر وطقطقة العظام، تجدي نفعا في إشعال فتيل الاعتزاز والكبرياء الاردني لدي. ان شئتم ان تقولون أنني اردني صابئ ومرتد ضمن تعريف آليات النفخ العنجهي ،فانا كذلك.

ما كنه تلك الآليات الرخوه التي نفخت فينا ثنائية عدم الفعل والزهو معا وهما الضدان، نحن لم نفعل شيئا سوى الصمت على الداء أو التقاط العدوى باذعان، وهو أمر لا يستحق التميز بل يستحق الكثير من التواضع ان شئت الأدب.

تنازلي الطوعي عن هيروين العرط والقوع هو رغبة عارمة للخلاص من مهدئات ألم ضعف الثقه(وهو مؤلم جداً) وضعف الكفاءة العامة لصالح التشخيص واللجوء إلى العلاج حتى لو كان جراحيا. آن لنا كأردنيين ان نهبط إلى الأرض ونتلمس موضع أقدامنا. وان نستشعر الخوف من مؤسساتنا ومن انفسنا ايضا. بمجسات انسانيه منطقية لا حالمة ولا مؤلبه، فالخوف لا يعيب.

نفسيا فان الوجود بصفته العامه يحتوي على مبررات القلق، فيما يدعى بالقلق الوجودي، والحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فقد اجتمعت أثافي القلق كلها في الحاله الاردنيه. وان كانت اليكسا هي بروفا فإنني أدعو خالصا ان لا نمتحن جديا ونحن على ما نحن عليه من مواصفات مرعبه.

دعونا نراجع بعقل بارد دواعي القلق الوجودي الاردني، بنقاط أكاديمية هروبا من تهم الشطط وإطالة اللسان :
الغموض: كيف للاردني ان يتكهن ما هو سلوك الدوله عند أي طارئ وبنات الدهر لا مفر منها ، وهي ذات الدوله التي تعاملت بانخفاض ذريع مع منخفض جوي لا يعتبر طارئا تحت أي تعريف، فهذا المنخفض واضح النوايا، وتم رصده علميا بالسهولة التي ترصد فيها أجهزتنا العتيدة ناشط صريح يقول كلمته أمام الناس في مهرجان مفتوح. ما هو الحال مع زلزال وحش ولسنا بعيدين عنه جيولوجيا؟ ما هو الحال مع خلايا متطرفة ولسنا بعيدين عنها مع سياسة التقيه الرعناء التي تلعب مع إرهاب في الجوار لا يحتمل الهزل ولا المقامرة ولا مشاكسة الهواه؟ ماذا عن انفلات امني متوقع إذا جاوزت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المصنوعة عتبة تحمل البشر؟ الماذات كثيره، والماذا الإسرائيلية اهمها لمن توهم الزواج من الشيطان.

الفراغ: "المشهد المؤسسي بدا فارغا" جمله إخبارية واضحه للعيان لم أضف بها شيئاً مهما. ما شاهدناه هو محض لقطات إعلامية لحدث مثير بكاميرا رديئه ضعيفة الاخراج. مسوؤلون بشمغ حمراء وطاولة اجتماعات وخرائط وأحاديث غير مسنده وغير مقنعه. امكانيات الدوله بالمعدات والكوادر عالية إحصائيا ومشتته على الأرض. والرؤيه العامه الجمعية ضائعة والفردية والاستعراضيه أصبحت اصل المشهد. ضياع الثقة بالدوله أعطى حيزا ضخما للاجتهاد الشخصي لدى المواطنين. فالبوصله ضائعة وكل وبوصلته الفردية. دولة القانون هي ايضا انتقائية وغير جازمه وليست حاضره في كثير من المواقع، لا على المسؤول ولا المواطن، كما لا يمكن الاعتماد على الضمير الجمعي لمجتمع انتقالي متنوع في النضج والقيم. لا نستطيع ان تستهجن حمى المخابز والازدحام المروري والاستغلال والتحرش الارعن وأسعار السوق السوداء. فلماذا يفترض بالمواطن الالتزام والمسؤوليه وهو يرى الدوله غير ملتزمة، لم يأت هذا الشعور من هذا الموقف فحسب، فالنظره الطوليه للعقد الماضي كانت الأرض وما تحت الأرض، ومقدرات البلاد والثروات والشركات والشواطئ وحتى الهواء ملكا لبعض هؤلاء. فانتهينا بمشهد فردي بشع على مستوى الدوله ومستوى ناسنا للأسف أقول الدوله هنا من القمه إلى القاعدة، فالترهل دائرة تغذي نفسها في وضعها المزمن وهو كذلك.

مشهد الملك وهو يدفع السيارة الجاثمة في الثلج سجل حضورا إعلاميا عاليا في العالم، خصوصا بعد مشاهدات قياسيه على YouTube، وحققت انتشارا حتى أكثر من تلك المقابلات التي اجراها مع غولدبيرغ. وهو المشهد الذي أربكني. فذهاب الملك للدفع يوحي بعدم وجود أذرع مؤسسيه دافعه تريح ذراعيه. وهو الذي ينادي منذ زمن باوراقه السياسية نحو السعي الحثيث نحو الملكيه الدستورية (المطلقة)، تماما كما يسعى نحوها كل اردني حريص. قمة الفراغ هذا المشهد، فالأولى ان نصغي له في خطاب العرش (على وجه التخصيص وربما الحصر)، فالمؤسسات في الدول المحترمة لا تنزل الملوك إلى الشوارع.

القراءة الأخطر هو ذلك الشغف الشعبي العريض الذي رافق دخول القوات المسلحة الاردنيه لمجابهة اليكسا. شغف وترحاب أعاد وميض الذاكرة بشكل مباشر لا رمزي إلى ما حدث في الشقيقتين تونس و مصر. هل هو فراغ المؤسسات المدنيه فحسب أم هو استدراج وجداني من الاردنيين للفعل الجازم؟ الجيش العربي كما كثير من الاردنيين الشرفاء (بهويتهم الوطنيه الجامعه ) القابضين على جمر الوفاء للوطن لا يحتملون الغموض ولا الفراغ ولا الرفاه الكاذب.

نعم، أنا اردني مرعوب من المستقبل، ولا فخر.

الدكتور محمد الحباشنة
استشاري الطب النفسي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير