وبعدين يا هاشم
"هاشم" صديق من مصر الشقيقه يقدم خدمة حراسة العمارة مشكوراً، وقد اعتدت على معاتبته إذا أخطأ أو سهى بعبارة (وبعدين يا هاشم)، ليس فيما قدمت ما يحمل الترميز أو المجاز معاذ الله، ففي الثلث الأخير من العمر تصبح المواربة عاراً والكبت احتضاراً.
الحكايه إذن أن هاشم رماني باسمه ووظيفته الحارسه إلى رواية عبد المطلب بن هاشم وأبرهه، والتي تذكر فخراً ولا أدري ما فخرها، وتؤرخ حكمة ولا أشتم فيها إلا الغضاضه. وأبرهه الذي عزم على هدم الكعبة طلب عبد المطلب مقابلته، فقال له والروايه (لابن الجوزي): ما حاجتك، فقال: حاجتي ان ترد علي مائتي بعير اصبتها، فقال أبرهه: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت الآن فيك، حين جئت إلى بيتك هو دينك ودين آبائك لأهدمنه، فلم تكلمني عنه، وكلمتني لأبل اصبتها، فقال عبد المطلب: أنا رب هذه الأبل، ولهذا البيت رب سيحميه.
يا سلام، يا سلام، يا سلام (والكلام الآن لي وليس لإبن الجوزي).
العامل المشترك بين كيري وأبرهه هو المفاوض الأردني والفلسطيني (صاحب الأبل) والذي اتمنى أن يقتص من التاريخ ولكن هيهات، وهؤلاء للأسف وحتى اللحظه لا يمثلون شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني ولا الأردني لا بالرؤى ولا بالتطلعات ولا بالآمال.
والذي يعتقد منا ان من يساوم من اجل إبله هو من يمتلك الروح والعقل لإنقاذ الوطن فهو على معتقد كافر, خصوصا مع توقف هجرات الطير الأبابيل على كوكب الأرض. المقاربه شديده، لقد فاوض عبد المطلب منفردا اللهم إلا وجود "الترجمان"، لم يستفت شعباً، ولم يستشر دار الندوه، وبث في الناس خطيئة التذاري والاختباء في رؤوس الجبال حفظاً لأنفسهم, ونجا بإبله، واكتفى بجمله مهزومة مسحوقة متواكله مفادها "للبيت رب يحيمه".
القصه هنا تعدت عناوين المعارضه والعدائية وعدم الاعجاب: اعترف الآن ان تلك المشاعر بدائية وغير ناضجه. المشاعر المركبة لدى جموع الأردنيين والفلسطينيين هي حالة سقوط الذات على مرأى العين في ثلاثة اجيال، غاب عنها الفخر والاعتزاز الوطني والقومي تماماً. كيف لامرئ بأدنى درجات الكرامه الانسانيه تواضعاً ان يمر على هذه الارقام أو الاسماء المشؤومه دون ان تراوده بإلحاح رغبة الانتحار أو القتل ( 48, 67,اوسلوا, وادي عربه, الخ): هو إذن شعور المشاهد السلبي الساذج الذي ينظر لاغتصاب ذويه ولا يأتي إلا بانطباعات الدهشه التافهة، والتي لم تدفع للفعل طوال العقود الماضية ولكنها ستفعل قريباً.
المحزن، الكارثي ان دفاع "الاحلال" النفسي والذي يتمثل بإخراج الغضب والعنف على نصفك الآخر تحاشياً لرفع الأصبع باتجاه أبرهه أو كيري أو نيتنياهو أو صاحب الأبل لا فرق، هو السائد المحزن في الازمات المفصلية. أؤمن أن الرأي العام الوطني إيجابي, ولكنه يفقد بوصلة التوجيه تحت وطأة الضبابية والتستر, وهنا مصدر الاطلاق العشوائي الاعمى. والمفاوض الأردني والفلسطيني الحاذق من مصلحته التفاوضيه الوطنيه الخالصة أن يستثمر بالحس الوطني الداعم، اللهم إلا إذا كانت مصلحته التفاوضية غير وطنية. فالاهمية الأقصى لقضية العرب الأولى لا تتواءم مع حالة الغموض السائدة، ما يشي للعقول بأن هنالك "امراً قد دبر في ليل".
المواقف الكبرى لا تحتمل التفاصيل ولا الضغائن الصغيرة, وألف باء السياسة تدوس على المفاوض الضعيف, ونحن كعرب في هاوية الهشاشة الذهنية والروحية واللوجستيه دون ادنى شك, واللا المطلقة الجازمه هي الجواب: لا للمفاوضات, لا لتصفية القضية الفلسطينية, لا لوطن غير فلسطين من البحر إلى النهر, ونعم فقط مطلقه للمقاومة حتى بعد الف عام ضد الاحتلال والعدو الاسرائيلي. فإن لم نورث الجيل القادم وطناً حراً حياً يعيش من أجله, فلدينا على الأدنى المساحه ان نترك لهم قضية حية يناضلون من أجلها. هذه قضيتنا نحن ودور المشاهد (العنين) قد انتهى، فليس للبيت رب يحميه سوانا.
من المعقول أن يدعى هذا النص استباقياً، وهذا صحيح فليس من باب الدارج الانساني الصحي ان ترى علامات المرض العضال دون توجس اوانفعال او اشتعال.
جاء الوقت لصوت واحد يقول "وبعدين يا فلان".
استشاري الطب النفسي