الفـتـــوى فــي ســـوق الاعـــلام
حسين الرواشدة
جو 24 : فيما تعاني أمتنا من “الفتاوى” المهلكات التي يتطوع البعض لاصدارها تحت الاحساس بالبحث عن “الشهرة” او الانتقام من المجتمع والامة او “الجهل”، بادرت دائرة الافتاء امس لعقد ملتقى علمي حول “الفتوى واثرها على وحدة الامة”.
ثمة اتفاق عام بين علمائنا على ان “السوق” الفتاوى اتسع كثيرا، وان الطلب عليها تصاعد، سواء في الشأن الخاص للافراد حيث يسأل الناس عن مسائل تخص “تدينهم” أو في المجال العام حيث يبحث المسلمون عن “رأي” الدين في “النظام العام” الذي يحكم حياتهم وواقعهم.
الاعلام ساهم في “رواج” الفتاوى وتسويقها، احيانا بدافع التزامه بتقديم ما ينفع “الناس” واحيانا اخرى بدوافع الاثارة والبحث عن الاخبار “الشاذة” التي اصبحت تجذب الجمهور وتزيد من ارباح وسائل الاعلام وشهرتها.
إذا سألتني عن الوقائع التي تعرضت لها العلاقة بين الفتوى والاعلام (رغم ما بينهما من مشتركات) سأشير الى ثلاثة منها: اولاها واقعة “الفوضى” حيث ان دخلاء على “الصنعة” (صنعة الفتوى والاعلام) ودخلوا على الخط واربكوا المشهد وبالتالي اثاروا لدى الجمهور نوعا من التشتت وعدم الثقة واليقين، اما الواقعة الثانية فهي محاولات “التأميم” التي خضعت لها الفتوى والاعلام، والمقصود بالتأميم هو اخضاع هذين المجالين لجهة ما مهما كانت هويتها انتزعت منهما استقلالهما و تبقى الواقعة الثالثة وهي غياب “هوية” المصدر لمن تصدر للفتوى او لمن بادر الى النشر والتعميم، والمجهولية هنا تجعل الجمهور غير قادر على التمييز بين المفتي الحقيقي او الاعلامي الحقيقي وبين الاخرين “المقلّدين”.
حين ندقق في العلاقة بين الفتوى والاعلام نلاحظ ان الاطار الذي يحدد هذه العلاقة في الاصل هو تعامل الاعلام مع الدين وخطابه العام او علاقة الديني بالاعلامي، وهذه العلاقة –للأسف- تعرضت لاصابات عديدة ابرزها دخول “السياسي” على خط الطرفين معا، واستدعاؤه لهما احيانا تبعا لمصالحه وحساباته، وعامل “التوظيف” هنا ساهم في “تلغيم” العلاقة كما انه لم يسمح ببروز “استقلال” للمجالين الاعلامي والديني او تكامل وانسجام بينهما، مما ولّد لدى الاعلامي هواجس ومخاوف من الوقوع في المحذور الديني دفعته الى الانكفاء عن دخول هذا المجال او اثارة النقاش العام حوله، واحيانا دفعته الى التربص باخطاء واجتهادات الديني للتجرؤ عليه والمس بهيبته وكأنه يصفّي معه حساباته، وعلى الطرف الاخر ظل “الديني” متوجسا من الاعلام وحذرا من الوقوع في “مصائده” وفي احيان اخرى خضع “لرغباته” واستدرج -بدافع البحث عن الشهرة ربما- الى لعبة “التوظيف” بالشروط التي فرضها الاعلام نفسه.
اللافت هنا ان تصاعد الطلب على “الدين” وزيادة عدد “المتدينين” تزامن مع تصاعد الطلب على “الاعلام” وزيادة اعداد ممتهنيه وطالبيه وفيما كان من المفترض -منطقيا- ان تنتج حالة “التصاعد” في الطلب على المجالين، مجال الدين بما فيه الفتوى، ومجال الاعلام بما فيه الاعلام الناطق باسم الدين، ارضية للتفاهم والتصالح، او حتى للحوار واللقاء وتبادل الاحترام بين الطرفين، الا ان ذلك لم يتحقق بما يلزم كما انه فيما كان يفترض ان تكون “جاهزية” الطرفين في افضل حالاتها، من جهة نوعية المفتين او الدعاة او الاعلاميين لتلبية حاجات الجمهور وبناء الثقة معه تصدر –للاسف على مستوى الفتوى من لا يملكون بالضرورة المواصفات والمؤهلات التي تمكنهم من القيام بهذه المهمة وكذلك على مستوى الاعلام تصدر اعلاميون بالمواصفات ذاتها ، ومن اللافت هنا ان ثلاثة اصناف دخلوا على الاعلام من بوابة الفتوى: صنف الدعاة وهؤلاء خلطوا بين الدعوة والسياسة والفتوى، وصنف المفتين الذين “عميت” هويتهم عن الجمهور المتلقي تبعا لمذاهبهم وخصوصيات مجتمعهم وقلة علمهم احيانا وتواضع معرفتهم بالتعامل مع الاعلام وخطر التسرع بالفتوى على الهواء، وصنف الاعلاميين الذين نقلوا “منابر المساجد” الى الشاشات واعتقدوا ان جمهور الاعلام هو جمهور “خطبة الجمعة” او اخرون منهم وجدوا ضالتهم في “الفتاوى” الشاذة فسوّقوها بحثا عن الشهرة او السبق او ارضاء لرغبات المشاهدين والمستمعين.
(الدستور)
ثمة اتفاق عام بين علمائنا على ان “السوق” الفتاوى اتسع كثيرا، وان الطلب عليها تصاعد، سواء في الشأن الخاص للافراد حيث يسأل الناس عن مسائل تخص “تدينهم” أو في المجال العام حيث يبحث المسلمون عن “رأي” الدين في “النظام العام” الذي يحكم حياتهم وواقعهم.
الاعلام ساهم في “رواج” الفتاوى وتسويقها، احيانا بدافع التزامه بتقديم ما ينفع “الناس” واحيانا اخرى بدوافع الاثارة والبحث عن الاخبار “الشاذة” التي اصبحت تجذب الجمهور وتزيد من ارباح وسائل الاعلام وشهرتها.
إذا سألتني عن الوقائع التي تعرضت لها العلاقة بين الفتوى والاعلام (رغم ما بينهما من مشتركات) سأشير الى ثلاثة منها: اولاها واقعة “الفوضى” حيث ان دخلاء على “الصنعة” (صنعة الفتوى والاعلام) ودخلوا على الخط واربكوا المشهد وبالتالي اثاروا لدى الجمهور نوعا من التشتت وعدم الثقة واليقين، اما الواقعة الثانية فهي محاولات “التأميم” التي خضعت لها الفتوى والاعلام، والمقصود بالتأميم هو اخضاع هذين المجالين لجهة ما مهما كانت هويتها انتزعت منهما استقلالهما و تبقى الواقعة الثالثة وهي غياب “هوية” المصدر لمن تصدر للفتوى او لمن بادر الى النشر والتعميم، والمجهولية هنا تجعل الجمهور غير قادر على التمييز بين المفتي الحقيقي او الاعلامي الحقيقي وبين الاخرين “المقلّدين”.
حين ندقق في العلاقة بين الفتوى والاعلام نلاحظ ان الاطار الذي يحدد هذه العلاقة في الاصل هو تعامل الاعلام مع الدين وخطابه العام او علاقة الديني بالاعلامي، وهذه العلاقة –للأسف- تعرضت لاصابات عديدة ابرزها دخول “السياسي” على خط الطرفين معا، واستدعاؤه لهما احيانا تبعا لمصالحه وحساباته، وعامل “التوظيف” هنا ساهم في “تلغيم” العلاقة كما انه لم يسمح ببروز “استقلال” للمجالين الاعلامي والديني او تكامل وانسجام بينهما، مما ولّد لدى الاعلامي هواجس ومخاوف من الوقوع في المحذور الديني دفعته الى الانكفاء عن دخول هذا المجال او اثارة النقاش العام حوله، واحيانا دفعته الى التربص باخطاء واجتهادات الديني للتجرؤ عليه والمس بهيبته وكأنه يصفّي معه حساباته، وعلى الطرف الاخر ظل “الديني” متوجسا من الاعلام وحذرا من الوقوع في “مصائده” وفي احيان اخرى خضع “لرغباته” واستدرج -بدافع البحث عن الشهرة ربما- الى لعبة “التوظيف” بالشروط التي فرضها الاعلام نفسه.
اللافت هنا ان تصاعد الطلب على “الدين” وزيادة عدد “المتدينين” تزامن مع تصاعد الطلب على “الاعلام” وزيادة اعداد ممتهنيه وطالبيه وفيما كان من المفترض -منطقيا- ان تنتج حالة “التصاعد” في الطلب على المجالين، مجال الدين بما فيه الفتوى، ومجال الاعلام بما فيه الاعلام الناطق باسم الدين، ارضية للتفاهم والتصالح، او حتى للحوار واللقاء وتبادل الاحترام بين الطرفين، الا ان ذلك لم يتحقق بما يلزم كما انه فيما كان يفترض ان تكون “جاهزية” الطرفين في افضل حالاتها، من جهة نوعية المفتين او الدعاة او الاعلاميين لتلبية حاجات الجمهور وبناء الثقة معه تصدر –للاسف على مستوى الفتوى من لا يملكون بالضرورة المواصفات والمؤهلات التي تمكنهم من القيام بهذه المهمة وكذلك على مستوى الاعلام تصدر اعلاميون بالمواصفات ذاتها ، ومن اللافت هنا ان ثلاثة اصناف دخلوا على الاعلام من بوابة الفتوى: صنف الدعاة وهؤلاء خلطوا بين الدعوة والسياسة والفتوى، وصنف المفتين الذين “عميت” هويتهم عن الجمهور المتلقي تبعا لمذاهبهم وخصوصيات مجتمعهم وقلة علمهم احيانا وتواضع معرفتهم بالتعامل مع الاعلام وخطر التسرع بالفتوى على الهواء، وصنف الاعلاميين الذين نقلوا “منابر المساجد” الى الشاشات واعتقدوا ان جمهور الاعلام هو جمهور “خطبة الجمعة” او اخرون منهم وجدوا ضالتهم في “الفتاوى” الشاذة فسوّقوها بحثا عن الشهرة او السبق او ارضاء لرغبات المشاهدين والمستمعين.
(الدستور)