jo24_banner
jo24_banner

مصر تخلع النظارة السوداء

حسين الرواشدة
جو 24 : الآن، أصبح “مبارك” أشهر سجين في مصر، وبوسع وسائل الاعلام أن تفتش عن تفاصيل “الليلة” الاولى التي قضاها بعد الحكم عليه بالمؤبد، على بوابة السجن رصدت الكاميرات نحو ثلاث ساعات من المفاوضات بين “السجين” وسجانيه لاقناعه بمغادرة الطائرة والدخول الى الزنزانة المعدة لاستقباله، لثلاث مرات اجتاحته حالة من “الاغماء”، لم يكن يتصور انه سيرتدي “البدلة” الزرقاء او يحمل الرقم المتسلسل، كيف يمكن ان يصبح “رقماً” بعد ان كان “يحكم” مصر بملايينها التسعين، كيف يستطيع ان يطرد هذا الكابوس الذي لم يخطر في باله.. حتى وهو يستمع الى خطاب “التنحي” الذي ألقاه نائبه الامين. يا الله، كم كان المشهد “معبراً” عن كل شيء، نظارة سوداء يضعها على عينيه لكي لا يرى “الحقيقة”، صوت القاضي قبل النطق بالحكم يجلجل في القاعة قائلاً “المتهم أدخل مصر في الظلام الدامس ثلاثين سنة، والآن نهضت مصر الى يوم مشرق..، أصوات الحضور ترتفع منتظرة “حكم الله وحكم الشعب”، يافطة خارج المحكمة كتب عليها “لتكون لمن خلفك آية”، مئات الآلاف في الميادين يعلنون ولادة مصر، رغم ان خيبة “الاحكام” سرقت بعضاً من فرحتهم.. على كل حال الاحكام – مهما كانت – لا تهم كثيراً، المهم المحاكمة: فهذه المرة الاولى في تاريخ مصر التي يحاكم فيها الشعب رئيسه، وهي المرة الرابعة عشر في العالم التي يتكرر فيها مثل هذا المشهد.

من كان منا يتوقع قبل عام ونصف ان يتابع مثل هذه المشاهد: هروب زين العابدين، وسحل القذافي وطرد علي صالح ومحاكمة “مبارك”، من كان يتصور ان عالمنا العربي سيتغير بهذه السرعة، وبأن “الكراسي” ستهتز تحت أصحابها، فيصبح الرؤساء بين ميت لا يُنعى او حيّ لا يُرجى او سجين مكروه أو آخر مطلوب للعدالة الشعبية والدولية.

صدق الله “لتكون لمن خلفك آية”، وأي آية يمكن أن يعتبر منها هؤلاء الذين جلسوا أمام الشاشة وهم “يغطون” في سباتهم وأحلامهم، او يتابعون “مسلسل” الدم الذي ينزف بأمرهم من شعوبهم، أو يتصورون انهم غير معنيين بما حدث.. ولا علاقة لهم به اصلاً.

لكنْ هذه هي سنة الكون ودورة التاريخ التي لا يمكن لأحد أن يعاندها، والسنة ليست قدراً وانما “قانون” مرسوم يجري على كل البشر، يمكن لمن يتعامل معه أن ينجو وينجح في الامتحان، ولمن يستهين به ويعانده أن يسقط في “حفرة” الندامة.

انتهت في مصر مرحلة وبدأت مرحلة اخرى، وجاء الآن دور “السياسة” بعد المحاكمة، ثمة من يحاول ان يعيد مصر الى الوراء حيث النظام الذي سقط بضربة “المؤبد” وثمة من يحاول أن “ينقذ” الثورة ويخلصها من الذين اختطفوها، والصراع ليس بين شفيق ومرسي فقط، وانما بين تاريخين ومستقبلين، تاريخ انتهى ويريد البعض أن ينفخوا فيه “وهم” الحياة، وآخر “انبلج” من الميادين ويحتاج الى “نفس” الجماعة الوطنية لتكشف عنه بعض الغبار.. ومستقبل يريده البعض نسخة مطابقة “لمصر” الغائبة المطرودة والحائرة، ويريده آخرون “لأم الدنيا” العزيزة على أهلها وعلى العرب، والقادة على ان تكون “الرأس” المحرك لكل هذا الجسد العربي المتعب.. واعتقد ان خيار المصريين – وان ارتفعت اصوات المطبلين في الاعلام – واضح تماماً.. وأن “المحاكمة” مهّدت لهم الطريق لدفن “النظام” السابق وكل المحسوبين عليه.. واستيلاد “نظام” جديد يناسب ثورتهم وتضحياتهم ودماء شهدائهم التي لم تجف بعد.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news