يكـفــي أن نـقـول لـهـم : «عـيــب»!
حسين الرواشدة
جو 24 : استأذن القارىء الكريم بالدعوة الى اعادة الاعتبار لقيمتين عزيزتين أخشى أن يكون ايقاع حياتنا العامرة قد أصابهما “بالعطل” وأحياناً “بالعطب”، فافتقدنا بغيابهما أو تراجعهما أهم “ضابط” يساعدنا في تحقيق معنى “الاستعانة”، لا في المجال الخاص والشخصي فقط، وانما ايضا في المجال العام.
القيمة الأولى هي قيمة “الحرام”، أما الاخرى فهي قيمة “العيب”، وهما – بالطبع – مرتبطتان ولهما ذات الوظيفة، وان كانت الاولى تتعلق “بالشرع” والدين والاخرى تتعلق بالتقاليد والعادات الاجتماعية، لكن التذكير بهما في واقعنا المعاصر الذي عمّت فيه “البلوى”، يبدو فريضة دينية واجتماعية، لا من اجل التضييق على “الناس” ومحاصرتهم ودفعهم للاحساس بتأنيب الضمير، وانما لاصلاح احوالهم، وتقليل اخطائهم، واعادة اليسر والثقة والطمأنينة والسعادة اليهم.
صحيح ان مساحات “الحرام” في ديننا محدودة جداً، وصحيح ان قوائم العيب في ثقافتنا الاجتماعية محصورة ومحددة نسبياً، لكن الصحيح ايضا اننا وقعنا بين فكي كماشة “التشدد والانفلات” عن الطريق الصحيح، والتورط في “الخطأ” الذي اربك حياتنا وحولها الى “فوضى” مزدحمة بصور من البشاعة التي لم نألفها فيما مضى.
استحضار مفهوم “الحرام” و”العيب” كرادع لحركة ضمائرنا لا يتعلق فقط بالتمييز من الخطأ والصواب، وانما الى “ايمان” حقيقي بضرورة وأهمية هذه الضوابط الدينية والاخلاقية لتصحيح اوضاعنا الحياتية، والى “التزام” بتطبيقها في سياق ما نعتقده وما نفعله، بحيث لا نبدو “ازدواجيين” في فهمنا وسلوكنا، ولا انتقائيين في تقدير ما علينا من واجبات.. وما لنا من حقوق.
لا يكفي، بالطبع، ان نشهر كلمة “حرام” أو “عيب” في وجه انفسنا حين نخطىء، او في وجه اولادنا حين يمارسون نوعاً من “الشقاوة”، وانما لا بد ايضا من اشهارها في وجه كل من يتجاوز حدود “الاستقامة” في الشأن العام، فلكل من يجرؤ على “الغش” سواء في الامتحان أو في القرار أو في التشريع يجب ان نواجهه ونقول له: حرام وعيب، ولكل من يتجرد من “انسانيته” ويسيء للآخرين، او من يمارس “التفحش” في الخصومة او التفحش في الشارع، يجب ان نذكره بان هذا حرام وعيب.. وما اكثرها السلوكيات والمواقف والمقررات التي تحتاج لمثل هذا “الردع” الاخلاقي، اما الردع القانوني فمسألة اخرى مختلفة لها علاقة بالدولة التي يفترض ان تحاسب وتعاقب في اطار ما لديها من تشريعات وصلاحيات.
بعض الذين لا يقيمون للدين وزنا في حياتهم، لا تردعهم كلمة “حرام”، لكن لنتذكر بأن لكلمة “عيب” في مجالنا الاجتماعي قوة اخرى من الصعب على من تلحق به ان يتلخص من آثارها وتداعياتها، ويكفي ان اجيالنا السابقة كانت تخشى من “الخطأ” خوفاً من ان يباغتها أحد في مجلس عام بكلمة “عيب” عليك، بما تعنيه من تأنيب ومن عقوبة اجتماعية قد تصل الى فرض حد “انتباذه” من العشيرة أو الحكم عليه بعدم “الاحترام”.
هذا، بالطبع، كان سائدا ايام كان “الاحترام” معتبرا، وقيم الصدق والامانة والنظافة والمروءة “محترمة” ومقدرة ايضا، لكن.. ما حدث في واقعنا اليوم ان هذه القيم لم تعد معتبرة ومقدرة من الجميع، كما لم يعد البعض يرى في “العيب” الا شكلا من أشكال العجز من “نهب” المال والسلطة، او قلة الحيلة في الوصول الى مصالحه مهما كانت الوسائل، وبالتالي فان ما نعتقده “عيبا” اصبح بالنسبة لآخرين “شطارة” وفهلوة وحداثة ومعاصرة ايضا، وما كنا نعتقد انه “حرام” ايضا تحوّل في “سوق” الفتاوى الجاهزة الى “حلال”، ووسط هذا الخلط الذي فرضته علينا “عموم البلوى” تحول الدين من قوة وطاعة للتعمير والصلاح والاصلاح الى “تدين” مغشوش وقوة سلبية تهدم بدل ان تبني، وتفسد بدل ان تصلح، كما تحولت “القيم الاجتماعية” بما فيها من عوائد وأعراف وتقاليد الى أدوات “توظف” لتبرير العجز أو لترسيخ الواقع الغلط، أو لتكريس ثقافة “التخلف” بما تحفل به من نفاق وخوف واستبداد وظلم وكراهية.
رحلة فك هذه “الالتباسات” بين الحرام والعيب، والخطأ والصواب، تحتاج الى “زوادة” تنويرية يتحمل مسؤوليتهما الديني والمثقف السياسي والاجتماعي والاعلامي، لكن المهم هنا هو الدعوة الى ابداع “حملات” لاشهار الحرام والعيب في وجه من يتجرأ على “سلطة” الاخلاق في المجتمع، ومن يتجرأ على تجاوز حدود صلاحياته فيقع في الخطأ ويكابر على الاستمرار فيه أو العناد في الدفاع عن خطئه.. هؤلاء وغيرهم من الفاعلين في “المجال العام” يجب ان نتحرك لردعهم بكلمة “عيب”، ونحن بهذا “الردع” لا نريد ان نحاسبهم على اخطائهم، لا في الدنيا، ولا في الآخرة التي تكفل الخالق بحسابهم فيها، وانما نريد ان نذكرهم بأنهم اخطأوا بحق المجتمع.. وبأن المجتمع سيعاقبهم على
طريقته الخاصة.. وهذا يكفي..
(الدستور)
القيمة الأولى هي قيمة “الحرام”، أما الاخرى فهي قيمة “العيب”، وهما – بالطبع – مرتبطتان ولهما ذات الوظيفة، وان كانت الاولى تتعلق “بالشرع” والدين والاخرى تتعلق بالتقاليد والعادات الاجتماعية، لكن التذكير بهما في واقعنا المعاصر الذي عمّت فيه “البلوى”، يبدو فريضة دينية واجتماعية، لا من اجل التضييق على “الناس” ومحاصرتهم ودفعهم للاحساس بتأنيب الضمير، وانما لاصلاح احوالهم، وتقليل اخطائهم، واعادة اليسر والثقة والطمأنينة والسعادة اليهم.
صحيح ان مساحات “الحرام” في ديننا محدودة جداً، وصحيح ان قوائم العيب في ثقافتنا الاجتماعية محصورة ومحددة نسبياً، لكن الصحيح ايضا اننا وقعنا بين فكي كماشة “التشدد والانفلات” عن الطريق الصحيح، والتورط في “الخطأ” الذي اربك حياتنا وحولها الى “فوضى” مزدحمة بصور من البشاعة التي لم نألفها فيما مضى.
استحضار مفهوم “الحرام” و”العيب” كرادع لحركة ضمائرنا لا يتعلق فقط بالتمييز من الخطأ والصواب، وانما الى “ايمان” حقيقي بضرورة وأهمية هذه الضوابط الدينية والاخلاقية لتصحيح اوضاعنا الحياتية، والى “التزام” بتطبيقها في سياق ما نعتقده وما نفعله، بحيث لا نبدو “ازدواجيين” في فهمنا وسلوكنا، ولا انتقائيين في تقدير ما علينا من واجبات.. وما لنا من حقوق.
لا يكفي، بالطبع، ان نشهر كلمة “حرام” أو “عيب” في وجه انفسنا حين نخطىء، او في وجه اولادنا حين يمارسون نوعاً من “الشقاوة”، وانما لا بد ايضا من اشهارها في وجه كل من يتجاوز حدود “الاستقامة” في الشأن العام، فلكل من يجرؤ على “الغش” سواء في الامتحان أو في القرار أو في التشريع يجب ان نواجهه ونقول له: حرام وعيب، ولكل من يتجرد من “انسانيته” ويسيء للآخرين، او من يمارس “التفحش” في الخصومة او التفحش في الشارع، يجب ان نذكره بان هذا حرام وعيب.. وما اكثرها السلوكيات والمواقف والمقررات التي تحتاج لمثل هذا “الردع” الاخلاقي، اما الردع القانوني فمسألة اخرى مختلفة لها علاقة بالدولة التي يفترض ان تحاسب وتعاقب في اطار ما لديها من تشريعات وصلاحيات.
بعض الذين لا يقيمون للدين وزنا في حياتهم، لا تردعهم كلمة “حرام”، لكن لنتذكر بأن لكلمة “عيب” في مجالنا الاجتماعي قوة اخرى من الصعب على من تلحق به ان يتلخص من آثارها وتداعياتها، ويكفي ان اجيالنا السابقة كانت تخشى من “الخطأ” خوفاً من ان يباغتها أحد في مجلس عام بكلمة “عيب” عليك، بما تعنيه من تأنيب ومن عقوبة اجتماعية قد تصل الى فرض حد “انتباذه” من العشيرة أو الحكم عليه بعدم “الاحترام”.
هذا، بالطبع، كان سائدا ايام كان “الاحترام” معتبرا، وقيم الصدق والامانة والنظافة والمروءة “محترمة” ومقدرة ايضا، لكن.. ما حدث في واقعنا اليوم ان هذه القيم لم تعد معتبرة ومقدرة من الجميع، كما لم يعد البعض يرى في “العيب” الا شكلا من أشكال العجز من “نهب” المال والسلطة، او قلة الحيلة في الوصول الى مصالحه مهما كانت الوسائل، وبالتالي فان ما نعتقده “عيبا” اصبح بالنسبة لآخرين “شطارة” وفهلوة وحداثة ومعاصرة ايضا، وما كنا نعتقد انه “حرام” ايضا تحوّل في “سوق” الفتاوى الجاهزة الى “حلال”، ووسط هذا الخلط الذي فرضته علينا “عموم البلوى” تحول الدين من قوة وطاعة للتعمير والصلاح والاصلاح الى “تدين” مغشوش وقوة سلبية تهدم بدل ان تبني، وتفسد بدل ان تصلح، كما تحولت “القيم الاجتماعية” بما فيها من عوائد وأعراف وتقاليد الى أدوات “توظف” لتبرير العجز أو لترسيخ الواقع الغلط، أو لتكريس ثقافة “التخلف” بما تحفل به من نفاق وخوف واستبداد وظلم وكراهية.
رحلة فك هذه “الالتباسات” بين الحرام والعيب، والخطأ والصواب، تحتاج الى “زوادة” تنويرية يتحمل مسؤوليتهما الديني والمثقف السياسي والاجتماعي والاعلامي، لكن المهم هنا هو الدعوة الى ابداع “حملات” لاشهار الحرام والعيب في وجه من يتجرأ على “سلطة” الاخلاق في المجتمع، ومن يتجرأ على تجاوز حدود صلاحياته فيقع في الخطأ ويكابر على الاستمرار فيه أو العناد في الدفاع عن خطئه.. هؤلاء وغيرهم من الفاعلين في “المجال العام” يجب ان نتحرك لردعهم بكلمة “عيب”، ونحن بهذا “الردع” لا نريد ان نحاسبهم على اخطائهم، لا في الدنيا، ولا في الآخرة التي تكفل الخالق بحسابهم فيها، وانما نريد ان نذكرهم بأنهم اخطأوا بحق المجتمع.. وبأن المجتمع سيعاقبهم على
طريقته الخاصة.. وهذا يكفي..
(الدستور)