يهودية الدولة الخطر المحدق على أمن وبقاء الأردن
د. حسن البراري
جو 24 : بصرف النظر عن الخلفية الايدلوجية للصهاينة، ابتداء من مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل ومرورا بحمامة السلام يوسي بيلين وليس انتهاءً بالمتزمت اليميني نفتالي بينت، فإنهم (وباستثناءات نادرة) يتفقون على اطار عام يشتقون منه المواقف والأولويات السياسية التي قد تتضارب وتختلف من حزب لآخر، وهذا الاطار هو يهودية الدولة. فمنذ البداية عرّفت اسرائيل نفسها كدولة يهودية كما ورد في وثيقة التأسيس التي تلاها بن غوريون في شهر ايار ١٩٤٨ معلنا بذلك تأسيس الدولة، وهنا لا نتحدث عن المضمون الديني للدولة وانما عن دولة لليهود يتنافس في داخلها الفرقاء اليهود على جوهرها إن كان علمانيا او دينيا تلموديا.
وبهذا المعنى فإن فكرة الخلاص بالنسبة لليهود الصهاينة تستلزم اقامة وطن لليهود وليس لغيرهم. لكن عادة ما يطرح المثقفون الاسرائيليون السؤال التالي: هل يمكن لإسرائيل أن تحافظ على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية في وقت توفر فيه فرصا متساوية لكل مواطنيها وبخاصة غير اليهود؟ والتضارب بين يهودية الدولة وديمقراطيتها هو من القضايا الشائكة التي أفضت إلى ما أطلق عليه سامي سموحه من جامعة حيفا ب “الديمقراطية الاثنية” كنمط من الديمقراطيات الذي يعكس سمو عرق معين، وجاء هذا النمط من الديمقراطيات كامتداد لتفكير إثني جلبه معهم يهود الهجرة الثانية الذين يعتبرون (وعلى رأسهم ديفيد بن غوريون وبيرل كاتسنلسون) الاباء المؤسسين للدولة في عام ١٩٤٨.
وشكل هدف اقامة دولة يهودية القاسم المشترك بين كل الصهاينة وعلى رأسهم حزب العمل، فالحزب إبان مجده كان يسعى إلى دولة يهودية وديمقراطية من خلال تبني فكرة الخيار الأردني وعندما فشلت هذه الاستراتيجية تبنى الحزب فكرة الانفصال عن الفلسطينيين وهي فكرة أخذت شكل حل الدولتين، فالمنحازون من اليهود لفكرة حل الدولتين لا يؤمنون بالضرورة بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وانما بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين ضمانا ليهودية الدولة. بمعنى أن اقامة دولة فلسطينية يشكل ضمانة للحفاظ على يهودية الدولة، وهذا هو السبب في التحول في الموقف الاسرائيلي بعد الانتفاضة الأولى.
في عام ٢٠٠٠ عقد في اسرائيل اول مؤتمر من سلسلة مؤتمرات هرتسليا بعنوان المنعة الوطنية، وكان السؤال الاساسي هو طابع الدولة اليهودي وكيف يمكن الحفاظ عليه، وقدم الخبير الديمغرافي آنذاك ارنون سوفير في المؤتمر مداخلة مستفيضة في هذا الموضوع عززت من خطاب يهودية الدولة، وقام بنشر كتاب بعد ذلك حمل عنوان: “اسرائيل ٢٠٢٠: فرص ومخاطر.” ويبين الكتاب بتفصيل دقيق كيف ان المعادلة الديمغرافية تلعب لصالح الفلسطينيين ان استمر الوضع القائم دون انفصال عن الفلسطينيين. بمعنى آخر، فقد قرع ارنون سوفير جرس الانذار ودفع الكثير من الإسرائيليين إلى تبنى خيار الانفصال عن الشعب الفلسطيني لأن ابقاء الاحتلال وابتلاع الارض سيخلق دولة ثنائية القومية يكون فيها الفلسطينيون من النهر الى البحر غالبية واضحة مع نهاية هذا العقد. وهذا برأي سوفير كما هو برأي الصهاينة يشكل ضربة قاصمة للفكرة الصهيونية برمتها.
وعلى نحو لافت لا يتفق يهود اسرائيل على حدود الدولة اليهودية الذي بات يرفع كشعار يستخدمه اليمين الاسرائيلي منذ ان تأسس حزب كديما بقيادة ارئيل شارون لتقويض أي فرصة للحل. فالاسرائيليون الذين يصرون على املاء شروط الحل النهائي يضعون مسألة هوية الدولة قبل الحدود والمستوطنات لأنهم يعرفون أن السلطة الفلسطينية لا يمكن لها ان تقر بيهودية الدولة لثلاثة اسباب هي: ان اعتراف السلطة الفلسطينية علنيا بيهودية الدولة يعني الحاق ضرربالغ بما يقارب من مليون ونصف من فلسطينيي اسرائيل الذين يخوضون صراعا ضد استئثار اليمين الاسرائيلي واصرار الاخير على سن تشريعات في الكنسيت تستهدفهم وتنطوي على تمييز عنصري. ثانيا، الاعتراف بيهودية الدولة يعني تلقائيا شطب حق اللاجئين في العودة وهو أمر سيحرج السلطة الفلسطينية كثيرا وسيلحق ضررا بالغا بمصالح الدول التي تستضيف اللاجئين وعلى رأسها الاردن. وثالثا، فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني تسليما بالرواية التاريخية لليهود وهذا يعفي اسرائيل من المسؤولية الاخلاقية بما لحق بالفلسطينيين ابتداء بالنكبة وصولا إلى قضم اراضيهم الذي يجري بشكل مستمر.
حسابات منظمة التحرير كانت تنصب على انتزاع اعتراف اسرائيلي بها وليس بالحقوق الفلسطينية، وكان عرفات المدفوع بتنافس محموم مع الاردن حول تمثيل الفلسطينيين مستعدا لقبول أي اتفاق حتى لو كان بسوء اتفاق اوسلو ليصبح الشريك في اي عملية سياسية لاحقة، بمعنى أن المنظمة كانت تقدم بقاءها وأحقيتها بالتمثيل على جوهر المطالب ولهذا شهدنا اتفاق اوسلو الجائر الذي حوّل السلطة الوطنية الى حارس لأمن إسرائيل بعد ان تعهد عرفات في رسالة كان قد بعث بها لرابين في نبذ العنف والعمل على ايقافه.
زيارة جون كيري العاشرة للمنطقة لدفع العملية السلمية وللمساهمة في التوصل إلى اتفاقية اطار تصطدم بشرط نتنياهو ان يعترف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة، وقد جعل نتنياهو من المسألة حجر الزاوية في تعاطيه مع محادثات السلام وهو أمر لم تستخدمه إسرائيل عندما وقعت معاهدتي سلام مع مصر ومع الأردن. ومع أن شعار يهودية الدولة يستخدم كوسيلة واستراتيجية لتقويض عملية السلام فإن اليمين الاسرائيل جاد على المديين المتوسط والبعيد في ترجمته، فتقويض عملية السلام يمنح اسرائيل الوقت الكافي للاستيلاء على المزيد من الاراضي الفلسطينية واقامة المستوطنات والانتهاء من ضم غور الاردن. وبهذا فإن اسرائيل تبحث عن ارض من غير سكان وعندما تستكمل حلقات المشروع الصهيوني فإنها ليست بحاجة لاعتراف الفلسطينين بيهودية الدولة لأن ذلك سيكون تحصيل حاصل. لكن السؤال هو كيف لاسرائيل عندها أن تتعامل مع الفلسطينيين؟ هل تقبل بهم من دون حقوق وتخلق بذلك دولة ابرتهايد، ام تطردهم؟ هنا يجب على الأردن ان يبقي عيونه مفتوحة وحان الوقت ليعبر المسؤول الاردني بصراحة ومن دول لف ودوران بأن الممارسات الإسرائيلية تستهدف ايضا أمن وبقاء الاردن.
محمود عباس يعي كل هذه الأبعاد ولذلك رفض تقديم هذا التنازل بشكل علني وبعث برسالة إلى أوباما بهذا الصدد. غير ان هناك ما يشير إلى ان التجربة الفلسطينية بقيادة محمود عباس عادة ما تنطوي على اتصالات سرية وهو أمر تحذر منه مرجعيات اردنية عليا افصح عنها الدكتور معروف البخيت في محاضرة غطتها الصحافة الاردنية لارسال رسالة رسمية بطريقة غير مباشرة تفيد أن الجانب الاردني لا يثق بالجانب الفلسطيني.
خشية الجانب الاردني ليست فقط من الاعتراف بيهودية الدولة لأن اي اتفاق لا يعيد اللاجئين هو اعتراف ضمني بيهودية الدولة. لكن هذا السيناريو يشكل خطرا على الاردن بشكله الحالي، والجانب الفلسطيني يدرك عمليا معنى تسوية يشطب فيها حق العودة ويبدو انه مستعد لذلك لكن في سياق مكاسب فلسطينية غرب النهر، لذلك علينا توخي الحذر ومراقبة المفاوض الفلسطيني بدقة وهو يناور من اجل الحصول على مكاسب في سياق تسوية مقابل الاعتراف الكامل بما تريده اسرائيل.
وبهذا المعنى فإن فكرة الخلاص بالنسبة لليهود الصهاينة تستلزم اقامة وطن لليهود وليس لغيرهم. لكن عادة ما يطرح المثقفون الاسرائيليون السؤال التالي: هل يمكن لإسرائيل أن تحافظ على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية في وقت توفر فيه فرصا متساوية لكل مواطنيها وبخاصة غير اليهود؟ والتضارب بين يهودية الدولة وديمقراطيتها هو من القضايا الشائكة التي أفضت إلى ما أطلق عليه سامي سموحه من جامعة حيفا ب “الديمقراطية الاثنية” كنمط من الديمقراطيات الذي يعكس سمو عرق معين، وجاء هذا النمط من الديمقراطيات كامتداد لتفكير إثني جلبه معهم يهود الهجرة الثانية الذين يعتبرون (وعلى رأسهم ديفيد بن غوريون وبيرل كاتسنلسون) الاباء المؤسسين للدولة في عام ١٩٤٨.
وشكل هدف اقامة دولة يهودية القاسم المشترك بين كل الصهاينة وعلى رأسهم حزب العمل، فالحزب إبان مجده كان يسعى إلى دولة يهودية وديمقراطية من خلال تبني فكرة الخيار الأردني وعندما فشلت هذه الاستراتيجية تبنى الحزب فكرة الانفصال عن الفلسطينيين وهي فكرة أخذت شكل حل الدولتين، فالمنحازون من اليهود لفكرة حل الدولتين لا يؤمنون بالضرورة بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وانما بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين ضمانا ليهودية الدولة. بمعنى أن اقامة دولة فلسطينية يشكل ضمانة للحفاظ على يهودية الدولة، وهذا هو السبب في التحول في الموقف الاسرائيلي بعد الانتفاضة الأولى.
في عام ٢٠٠٠ عقد في اسرائيل اول مؤتمر من سلسلة مؤتمرات هرتسليا بعنوان المنعة الوطنية، وكان السؤال الاساسي هو طابع الدولة اليهودي وكيف يمكن الحفاظ عليه، وقدم الخبير الديمغرافي آنذاك ارنون سوفير في المؤتمر مداخلة مستفيضة في هذا الموضوع عززت من خطاب يهودية الدولة، وقام بنشر كتاب بعد ذلك حمل عنوان: “اسرائيل ٢٠٢٠: فرص ومخاطر.” ويبين الكتاب بتفصيل دقيق كيف ان المعادلة الديمغرافية تلعب لصالح الفلسطينيين ان استمر الوضع القائم دون انفصال عن الفلسطينيين. بمعنى آخر، فقد قرع ارنون سوفير جرس الانذار ودفع الكثير من الإسرائيليين إلى تبنى خيار الانفصال عن الشعب الفلسطيني لأن ابقاء الاحتلال وابتلاع الارض سيخلق دولة ثنائية القومية يكون فيها الفلسطينيون من النهر الى البحر غالبية واضحة مع نهاية هذا العقد. وهذا برأي سوفير كما هو برأي الصهاينة يشكل ضربة قاصمة للفكرة الصهيونية برمتها.
وعلى نحو لافت لا يتفق يهود اسرائيل على حدود الدولة اليهودية الذي بات يرفع كشعار يستخدمه اليمين الاسرائيلي منذ ان تأسس حزب كديما بقيادة ارئيل شارون لتقويض أي فرصة للحل. فالاسرائيليون الذين يصرون على املاء شروط الحل النهائي يضعون مسألة هوية الدولة قبل الحدود والمستوطنات لأنهم يعرفون أن السلطة الفلسطينية لا يمكن لها ان تقر بيهودية الدولة لثلاثة اسباب هي: ان اعتراف السلطة الفلسطينية علنيا بيهودية الدولة يعني الحاق ضرربالغ بما يقارب من مليون ونصف من فلسطينيي اسرائيل الذين يخوضون صراعا ضد استئثار اليمين الاسرائيلي واصرار الاخير على سن تشريعات في الكنسيت تستهدفهم وتنطوي على تمييز عنصري. ثانيا، الاعتراف بيهودية الدولة يعني تلقائيا شطب حق اللاجئين في العودة وهو أمر سيحرج السلطة الفلسطينية كثيرا وسيلحق ضررا بالغا بمصالح الدول التي تستضيف اللاجئين وعلى رأسها الاردن. وثالثا، فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني تسليما بالرواية التاريخية لليهود وهذا يعفي اسرائيل من المسؤولية الاخلاقية بما لحق بالفلسطينيين ابتداء بالنكبة وصولا إلى قضم اراضيهم الذي يجري بشكل مستمر.
حسابات منظمة التحرير كانت تنصب على انتزاع اعتراف اسرائيلي بها وليس بالحقوق الفلسطينية، وكان عرفات المدفوع بتنافس محموم مع الاردن حول تمثيل الفلسطينيين مستعدا لقبول أي اتفاق حتى لو كان بسوء اتفاق اوسلو ليصبح الشريك في اي عملية سياسية لاحقة، بمعنى أن المنظمة كانت تقدم بقاءها وأحقيتها بالتمثيل على جوهر المطالب ولهذا شهدنا اتفاق اوسلو الجائر الذي حوّل السلطة الوطنية الى حارس لأمن إسرائيل بعد ان تعهد عرفات في رسالة كان قد بعث بها لرابين في نبذ العنف والعمل على ايقافه.
زيارة جون كيري العاشرة للمنطقة لدفع العملية السلمية وللمساهمة في التوصل إلى اتفاقية اطار تصطدم بشرط نتنياهو ان يعترف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة، وقد جعل نتنياهو من المسألة حجر الزاوية في تعاطيه مع محادثات السلام وهو أمر لم تستخدمه إسرائيل عندما وقعت معاهدتي سلام مع مصر ومع الأردن. ومع أن شعار يهودية الدولة يستخدم كوسيلة واستراتيجية لتقويض عملية السلام فإن اليمين الاسرائيل جاد على المديين المتوسط والبعيد في ترجمته، فتقويض عملية السلام يمنح اسرائيل الوقت الكافي للاستيلاء على المزيد من الاراضي الفلسطينية واقامة المستوطنات والانتهاء من ضم غور الاردن. وبهذا فإن اسرائيل تبحث عن ارض من غير سكان وعندما تستكمل حلقات المشروع الصهيوني فإنها ليست بحاجة لاعتراف الفلسطينين بيهودية الدولة لأن ذلك سيكون تحصيل حاصل. لكن السؤال هو كيف لاسرائيل عندها أن تتعامل مع الفلسطينيين؟ هل تقبل بهم من دون حقوق وتخلق بذلك دولة ابرتهايد، ام تطردهم؟ هنا يجب على الأردن ان يبقي عيونه مفتوحة وحان الوقت ليعبر المسؤول الاردني بصراحة ومن دول لف ودوران بأن الممارسات الإسرائيلية تستهدف ايضا أمن وبقاء الاردن.
محمود عباس يعي كل هذه الأبعاد ولذلك رفض تقديم هذا التنازل بشكل علني وبعث برسالة إلى أوباما بهذا الصدد. غير ان هناك ما يشير إلى ان التجربة الفلسطينية بقيادة محمود عباس عادة ما تنطوي على اتصالات سرية وهو أمر تحذر منه مرجعيات اردنية عليا افصح عنها الدكتور معروف البخيت في محاضرة غطتها الصحافة الاردنية لارسال رسالة رسمية بطريقة غير مباشرة تفيد أن الجانب الاردني لا يثق بالجانب الفلسطيني.
خشية الجانب الاردني ليست فقط من الاعتراف بيهودية الدولة لأن اي اتفاق لا يعيد اللاجئين هو اعتراف ضمني بيهودية الدولة. لكن هذا السيناريو يشكل خطرا على الاردن بشكله الحالي، والجانب الفلسطيني يدرك عمليا معنى تسوية يشطب فيها حق العودة ويبدو انه مستعد لذلك لكن في سياق مكاسب فلسطينية غرب النهر، لذلك علينا توخي الحذر ومراقبة المفاوض الفلسطيني بدقة وهو يناور من اجل الحصول على مكاسب في سياق تسوية مقابل الاعتراف الكامل بما تريده اسرائيل.