jo24_banner
jo24_banner

شبح «البطل» ما زال يطاردنا

حسين الرواشدة
جو 24 : داخل الإنسان العربي يسكن شبح اسمه “الزعيم” او “البطل”، البعض يتقمصه هذا الشبح فيتحول الى نسخة اخرى مطابقة للبطولة “وللزعامة” التي لا ترى الدنيا الا من خلالها، والبعض يستدعي تحت الاحساس بعقدة “النقص” هذه الصورة ليملأ الفراغ داخله، اما الاخرون فيقضون اعمارهم في مواجهة هذا الشبح، لا لأنهم يرفضون سطوته وانما لانهم يعتقدون ان سطوتهم أقوى من سطوته.
نزعة الزعامة في قطاع الذات العربية تبدو متضخمة مقارنة بالامم والشعوب الاخرى التي تصالحت فيها “الانا” مع “الهُوَ”، فأنا الإنسان العربي مهما كان وزنه في المجتمع او وظيفته او دوره يتصرف وكأنه “زعيم”، خذ مثلا الرجل في بيته حين يتعامل مع اولاده او زوجته بمنطق المسيطر وصاحب الكلمة الاولى والاخيرة، وخذ ايضا المسؤول حين ينظر الى موظفيه وكأنهم “رعايا” في خدمته، وخذ –ثالثا- المعلم مع طلابه والشيخ مع مريديه والطبيب مع مرضاه.. فمعظم هؤلاء يتحركون في مجالات اتصالهم مع الاخرين الذين تربطهم بهم علاقة مباشرة بوحي الاحساس، “بالزعامة”، فهم يقولون وعلى الاخرين ان ينصتوا ويستمعوا، وهم يقررون وعلى الاتباع ان يفعلوا، وحتى حين يخطئون فعلى هؤلاء ان يبرروا ويتحملوا، ولا بأس ان يمجدوا ويصفقوا ايضا.
لا ادري –بالضبط- من اين خرجت هذه “النزعة” التي اتسمت بها “الشخصية” العربية دون غيرها من شخصيات “الامم”؟، لكن ما اعرفه ان “تراثنا” مزدحم بنماذج الانتصار “للبطل” الفرد، والبحث عن “المخلّص” الرمز، والتمجيد “للزعيم” المتفرد، وفي المقابل لا نجد مثل هذا الاحتفاء للبطولة الجماعية، او للأمة الزعيمة، كما لا نجد في سمات هذه “الزعامة” سواء اكانت للفرد ام للجماعة الا سمات القوة والسيطرة والحزم، وكأن تغييب سمات التواضع او السماحة او اللين تجرح هذه الشخصية باعتبارها اشارات ضعف تتناقض مع صورة “الزعامة” التي تكرست في وعينا باعتبارها نموذجا للقوة والجبروت والسيطرة.
يمكن –بالطبع- فهم نزعة بروز “الزعامة” او استدعائها في سياق “حاجة” المجتمع حين يتعرض لأزمات او مشكلات لا يستطيع الرد عليها او مواجهتها، او في سياق “قابلية” الناس للتسليم والانقياد او رغبتهم الفطرية في “الاستلهام” وبالتالي فان الزعامة هنا “صناعة” اجتماعية وقد تتحول الى “ضرورة” فتندفع الجماعات الى “خلقها” وابداع ما يلزم من مواصفات لها واساطير حولها.
يمكن –ايضا- فهم بروز هذه “النزعة” للزعامة في مجتمعاتنا العربية في اطار افتقادنا “للمؤسسية” الناظمة لحياة الناس واعمالهم سواء أكانت هذه المؤسسية في حدود الاسرة ام المجتمع، ام في اطار محاولة الخروج من “القهر” الى فضاء الحرية التي تتيحها صورة “المنقذ” حتى وان كان فردا، او في اطار سيطرة “فكرة” الاتكالية والاعتماد على “الاخر” في تحقيق الطموحات والمعجزات.
مهما تكت اعتبارات “ولادة” الزعامة في داخل الانسان العربي، فان مواصفات وتحولات “الزعيم” سواء اكان في المضمار الاجتماعي ام الثقافي ام الديني ام السياسي تظل محكومة بقدرة الجمهور على ضبط نظرتها له وعلاقتها معه، فبمقدار ما تمتلكه من ادوات للوعي والحركة بمقدار ما تستطيع ان تمنع او تخفف من انقلابه من “ملهم” الى “مسيطر” ومن مصدر للبناء والتقدم الى وسيلة للسلب والاستقواء والهدم.
بقي ان نشير الى ان شخصية “الزعيم” في ذاكرتنا العربية ما تزال تحفل بكثير من الجوانب الايجابية، فهو يمثل رمز للتضحية والفداء والعطاء، وهو يفتدي الاخرين بنفسه، ويقيد حريته يمنحهم المزيد من الحرية، ويُفني ارادته لتقوى ارادتهم، كما انها احيانا تحفل بكثير من الجوانب السلبية، وخاصة حين تنفصل هذه الشخصية عن مجتمعها، وتحاول تختزله في ذاتها، وتفرض عليه سماتها.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير