«القاعدة» تمدّ لسانها للمعتدلين!
حسين الرواشدة
جو 24 : حين يكون “التطرف” هو اللاعب الأكثر حظاً في مباريات الصراع التي تجري في عالمنا العربي، فمن واجبنا أن نتحسس رؤوسنا، لأن المشكلة لا تتعلق فقط بمن يفوز على من، سواء أكان الطرف مدنياً أو عسكرياً، ليبرالياً أو اسلامياً، نظاماً أو معارضة، وانما تتعلق بانتصار منطق “الفوضى” والكراهية والدم، وهذا الانتصار كفيل بتدمير وحدة مجتمعاتنا، وتهديد سلامها الداخلي، والانقضاض على ما تبقى من “وجود” للدولة، واعادتنا عشرات السنوات الى الوراء.
الآن، بوسع “القاعدة” واخواننا أن تمدّ يدها “لتحية” كل الذين ساهموا بفتح “قمقم” التطرف، ونفخوا في “رمادها” لتستعيد حضورها، وهم - بالطبع - كثيرون: الانظمة التي ضحت بشعوبها من أجل ان تبقى في الحكم، والنخب التي استقالت من وظيفتها واصطفت مع “الغالب” والاعلام الذي نشر “رياح” السموم في فضاء مجتمعاتنا، كل هؤلاء منحو “التطرف” فرصة للانتشار والتغلغل وسمحوا له ان يعاود نشاطه وان يمدّ “لسانه” أيضاً لكل الذين راهنوا على “السياسة” وجاهروا بالدعوة الى المشاركة والاحتكام للديمقراطية واوراق الصناديق..
من أدخل التطرف الى بلداننا العربية هذه المرة ليس الآخر، وانما الانظمة العربية التي ارتبكت عند مواجهة “التحولات” التاريخية التي اطلقت الشعوب شرارتها، فآثرت ان تدافع عن مصالحها ومكاسبها وعن وجودها ايضاً، ولم تجد سوى “التطرف” لافحام خصومها، وتبرير اخطائها وارغام الآخرين على الامتثال لشروطها، مع أنها تدرك ان العنف يستسقي مزيداً من العنف، وان من يدفع الثمن هم الناس الذين وقعوا بين فكي كماشة “المتاجرين” بالتطرف.
من المفارقات أننا اكتشفنا الآن بأن الذي سمح “لداعش” ان تتمدد في سوريا هو النظام السوري وحلفاؤه، وبأن الذي أحيا “رفاقها” في العراق هو “الطائفية” التي احتكرت السلطة، كما ان الذي أعاد “شبح” الارهاب ووصمة “التطرف” الى جماعات وحركات لم يسجل عليها ان تورطت فيه، هو المسؤول عن “صناعة” الرعب الجديد، وهو الذي يتحمل آثام تصديره الى المجتمعات.
على تخوم “الاسلام” اذن تدور معركة الصراع داخل الامة وضدها ايضاً، فثمة حروب بدأت تشتعل بين اتباع المذاهب لحساب المصالح والادوار وتحت لافتة “السياسة”، وثمة حروب اخرى بين اتباع المذهب الواحد، وبين ابناء “الملة” الوطنية، ومع انه من المفترض ان تكون عقود من اللقاءات والحوارات قد اثمرت “تقارباً” بين اتباع المدارس الفقهية الاسلامية، وتفاهماً بين التيارات باعتبارها “خصما” للجميع، الا ان النتيجة جاءت عكس هذا التيار، فقد ازدحم “البدر” الاسلامي “بعشرات” الهلالات، وبدل ان “يشع” على الامة ما يلزمها من “نور” تحول في لحظة “غفلة” الى محاق.
وبالمثل، تدور معركة اخرى على تخوم “السلطة” لترويض الامة وتقسيمها، ويجد المتربصون بالامة ودينها وحقوقها، فرصتهم للاجهاز على ما أمكن من مقدراتنا، وكسر شوكتها، وحشرها في زاوية “التطرف” المتبادل، لكي تخوض معاركهم بالنيابة عنهم، وتدمير نفسها وهم يتمتعون بالتفرج “عليها” وتعود الى “وصايتهم” بعد ان تفاجأوا بما لديها من “مخزون” غضب وبما شهدته قيادتها من رغبة في التحرر واصرار على التغيير.
لقد اكتشف هؤلاء ان اقصر طريق لمواجهة خيارات الشعوب في الديمقراطية والحرية والاستقلال هو اطلاق “مارد” التطرف، وتمكين جماعاته وحركاته من فرض ارادتها على المجتمع، وذلك لدفعه الى الاختيار بين الاستبداد أو القتل أو بين الارهاب المسلح المغطى بالفساد واحتكار السلطة.
من المؤسف ان بلداننا العربية الآن تدفع ثمن الاستبداد الذي ولّد العنف والتطرف، وتدفع - ايضا - ثمن العناد والاستكبار والاصرار على توظيف امكانياتها ومقدرات شعوبها لتأجيج نوازع الصراع والكراهية داخل مجتمعاتنا العربية، وكأنها لا تدرك بأن “رياح” السموم التي هبّت هنا وهناك لن تستثني احداً، وبأن خطر “التطرف” والعنف وماركات “القتل” على الهوية، ستعمّ على الجميع.
وسط هذه الاجواء المظلمة، كان يفترض ان يتحرك “الحكماء” في الامة للمساهمة في تطويق هذه الحرائق، لكن المؤسف اننا افتقدناهم، لدرجة ان بعضهم “اخذته” الموجة فتحولوا الى “كومبارس”، فيما انتحى الآخرون واختاروا الصمت خوفاً من التشويه والاستهداف.
قبل عامين كنا نتوقع بأن “الربيع العربي” فتح امامنا نوافذ جديدة لكي نتنفس رياح “الحرية” والديمقراطية، ولم يخطر في بالنا ان هذه النوافذ التي فتحت سيدخل منها “التطرف” وبأننا سنتنفس منها رائحة الدم والموت، لكن يجب
- مع كل ذلك - ان لا نفقد الامل، فما حدث، وما يحدث الآن، ليس اكثر من “دورات” تاريخية، واستحقاقات لمرحلة طويلة من “العذاب”، وهي - بالتأكيد - بداية لانحسار عصر الاستبداد والرق وانبلاج فجر جديد، حيث المخاضات المرة التي تحمل مع آلامها ومصاعبها انتظار “الميلاد”.. الجديد، “انهم يرونه بعيداً ونراه قريبا”.
(الدستور)
الآن، بوسع “القاعدة” واخواننا أن تمدّ يدها “لتحية” كل الذين ساهموا بفتح “قمقم” التطرف، ونفخوا في “رمادها” لتستعيد حضورها، وهم - بالطبع - كثيرون: الانظمة التي ضحت بشعوبها من أجل ان تبقى في الحكم، والنخب التي استقالت من وظيفتها واصطفت مع “الغالب” والاعلام الذي نشر “رياح” السموم في فضاء مجتمعاتنا، كل هؤلاء منحو “التطرف” فرصة للانتشار والتغلغل وسمحوا له ان يعاود نشاطه وان يمدّ “لسانه” أيضاً لكل الذين راهنوا على “السياسة” وجاهروا بالدعوة الى المشاركة والاحتكام للديمقراطية واوراق الصناديق..
من أدخل التطرف الى بلداننا العربية هذه المرة ليس الآخر، وانما الانظمة العربية التي ارتبكت عند مواجهة “التحولات” التاريخية التي اطلقت الشعوب شرارتها، فآثرت ان تدافع عن مصالحها ومكاسبها وعن وجودها ايضاً، ولم تجد سوى “التطرف” لافحام خصومها، وتبرير اخطائها وارغام الآخرين على الامتثال لشروطها، مع أنها تدرك ان العنف يستسقي مزيداً من العنف، وان من يدفع الثمن هم الناس الذين وقعوا بين فكي كماشة “المتاجرين” بالتطرف.
من المفارقات أننا اكتشفنا الآن بأن الذي سمح “لداعش” ان تتمدد في سوريا هو النظام السوري وحلفاؤه، وبأن الذي أحيا “رفاقها” في العراق هو “الطائفية” التي احتكرت السلطة، كما ان الذي أعاد “شبح” الارهاب ووصمة “التطرف” الى جماعات وحركات لم يسجل عليها ان تورطت فيه، هو المسؤول عن “صناعة” الرعب الجديد، وهو الذي يتحمل آثام تصديره الى المجتمعات.
على تخوم “الاسلام” اذن تدور معركة الصراع داخل الامة وضدها ايضاً، فثمة حروب بدأت تشتعل بين اتباع المذاهب لحساب المصالح والادوار وتحت لافتة “السياسة”، وثمة حروب اخرى بين اتباع المذهب الواحد، وبين ابناء “الملة” الوطنية، ومع انه من المفترض ان تكون عقود من اللقاءات والحوارات قد اثمرت “تقارباً” بين اتباع المدارس الفقهية الاسلامية، وتفاهماً بين التيارات باعتبارها “خصما” للجميع، الا ان النتيجة جاءت عكس هذا التيار، فقد ازدحم “البدر” الاسلامي “بعشرات” الهلالات، وبدل ان “يشع” على الامة ما يلزمها من “نور” تحول في لحظة “غفلة” الى محاق.
وبالمثل، تدور معركة اخرى على تخوم “السلطة” لترويض الامة وتقسيمها، ويجد المتربصون بالامة ودينها وحقوقها، فرصتهم للاجهاز على ما أمكن من مقدراتنا، وكسر شوكتها، وحشرها في زاوية “التطرف” المتبادل، لكي تخوض معاركهم بالنيابة عنهم، وتدمير نفسها وهم يتمتعون بالتفرج “عليها” وتعود الى “وصايتهم” بعد ان تفاجأوا بما لديها من “مخزون” غضب وبما شهدته قيادتها من رغبة في التحرر واصرار على التغيير.
لقد اكتشف هؤلاء ان اقصر طريق لمواجهة خيارات الشعوب في الديمقراطية والحرية والاستقلال هو اطلاق “مارد” التطرف، وتمكين جماعاته وحركاته من فرض ارادتها على المجتمع، وذلك لدفعه الى الاختيار بين الاستبداد أو القتل أو بين الارهاب المسلح المغطى بالفساد واحتكار السلطة.
من المؤسف ان بلداننا العربية الآن تدفع ثمن الاستبداد الذي ولّد العنف والتطرف، وتدفع - ايضا - ثمن العناد والاستكبار والاصرار على توظيف امكانياتها ومقدرات شعوبها لتأجيج نوازع الصراع والكراهية داخل مجتمعاتنا العربية، وكأنها لا تدرك بأن “رياح” السموم التي هبّت هنا وهناك لن تستثني احداً، وبأن خطر “التطرف” والعنف وماركات “القتل” على الهوية، ستعمّ على الجميع.
وسط هذه الاجواء المظلمة، كان يفترض ان يتحرك “الحكماء” في الامة للمساهمة في تطويق هذه الحرائق، لكن المؤسف اننا افتقدناهم، لدرجة ان بعضهم “اخذته” الموجة فتحولوا الى “كومبارس”، فيما انتحى الآخرون واختاروا الصمت خوفاً من التشويه والاستهداف.
قبل عامين كنا نتوقع بأن “الربيع العربي” فتح امامنا نوافذ جديدة لكي نتنفس رياح “الحرية” والديمقراطية، ولم يخطر في بالنا ان هذه النوافذ التي فتحت سيدخل منها “التطرف” وبأننا سنتنفس منها رائحة الدم والموت، لكن يجب
- مع كل ذلك - ان لا نفقد الامل، فما حدث، وما يحدث الآن، ليس اكثر من “دورات” تاريخية، واستحقاقات لمرحلة طويلة من “العذاب”، وهي - بالتأكيد - بداية لانحسار عصر الاستبداد والرق وانبلاج فجر جديد، حيث المخاضات المرة التي تحمل مع آلامها ومصاعبها انتظار “الميلاد”.. الجديد، “انهم يرونه بعيداً ونراه قريبا”.
(الدستور)