بيانات «الإمهال» جزء من ثقافة الاستقواء
حسين الرواشدة
جو 24 : في اطار التحولات “العميقة” التي طرأت على علاقة الدولة بالمجتمع لا بد من ملاحظة شيوع استخدام مصطلح “الامهال” من قبل فئات اجتماعية وسياسية تعتقد بان لها حقوقا او مكتسبات وبأن الدولة قصّرت في سدادها او حلها او الاستجابة لها.
في الفترة الماضية، شهدنا نماذج عديدة لمثل هذه البيانات والتصريحات التي يتصدر عناوينها خطاب تحذيري “يمنح” الدولة “مهلة” اسبوع او شهر لتحقيق مطالب محددة، ويفهم منه ان هذه “الفئة” او تلك تضع الدولة بين خيارين: اما الاستجابة والتنفيذ او انتظار الردّ، وصيغة الردّ هنا غير محددة، ولكنها تبطن نوعا من التهديد وتضمر نوعا من “الاستقواء” ايضا.
لهجة “الامهال” كانت مفهومة في سياقات الصراع السياسي بين القوى السياسية وبين الحكومة على اعتبار ان هذه القوى التي استبعدت من المشاركة في القرار او الاخرى التي حظيت بالمشاركة على الهامش السياسي تضطر احيانا الى توظيف لغة “التحذير” كوسيلة ضغط على الحكومات لتلبية مطالب محددة وقد “تمهلها” في اطار اثارة الشارع وكسب تأييده فترة ما لتنفيذ مطالبها.. وإلاّ!!
لكن هذه “الصيغة” انتقلت من هذا المجال “السياسي” الى مجال اجتماعي اوسع فهي تتردد على لسان “العشيرة” او “النقابة” او بعض الشخصيات الاجتماعية والدينية، وغالبا ما تكون موجهة “للدولة”، وفي قضايا “اجتماعية” كقضية تقسيم الاراضي او محاكمة “قاتل” او القبض على مجرم او مواجهة “انفلات” امني او غيرها.
الاصل في استخدام مصطلح “الامهال” انه يصدر من الاعلى الى الاسفل، فالحكومة تقرر “امهال” جهة ما تابعة لها اداريا لمدة معينة لتنفيذ امر ما، والقضاء يمهل ايضا “متهما” ما لتسليم نفسه، وهكذا، لكن ما يحدث ان المعادلة اصبحت معكوسة، فالافراد او الفئات الاجتماعية هم الذين يمارسون هذا “الحق” .. والمطلوب من الحكومات والاجهزة التابعة لها ان تخضع لهذه “المطالب” في المهل المقررة، وقد يبدو هذا مفهوما في اطار محاولة المجتمع استعادة “سلطته” على حكوماته، او في اطار تراجع سلطة الحكومات لمصلحة سلطة المجتمع “التشاركية” او حتى في ظل محاولات انتزاع الحدّ الادنى من “الديمقراطية” التي تسمح لنا بمخاطبة المسؤولين بهذه اللهجة الحازمة، لكن غير المفهوم ان تكون نماذج “الامهال” هذه متعلقة بقضايا منظورة امام القضاء، او ان تكون متعلقة بمسائل تتعارض مع القانون، او ان تعبّر عن حالة من الاستقواء على الدولة او ان تكشف عن عجز الدولة على بسط “هيبتها” او ان تفضي الى “رضوخ” المسؤول للمطالب المقدمة تحت طائلة التهديد، وبما يتعارض مع منطق العدالة والقانون.
هنا، تحديدا، يمكن فهم خطاب “الامهال” في سياق ثقافة “الاستقواء” وهي ثقافة تغلغلت للاسف في مجتمعنا لأسباب عديدة منها ما يتعلق بتعطيل القانون او انتشار قيم المحسوبية والشطارة او انسداد ابواب السياسة والمشاركة ونحن هنا –بالطبع- لا يجوز ان نكتفي “بإدانة” الظاهرة او بالفئات التي تمارسها وانما لا بد ان نبادر الى معرفة اسبابها ودوافعها، وتشخيصها كحالة سياسية واجتماعية لنتمكن من معالجتها، لا في سياق “كبح” حق المجتمع في التعبير عن نفسه، وانتزاع حقوقه وانما في اطار ترسيم العلاقة بينه وبين حكوماته ومؤسساته على اسس من الاحترام ومن خلال قنوات مشروعة تحافظ على حقوق المجتمع وسلامته وعلى هيبة الدولة ومؤسساتها ايضا.
باختصار، حين يكتشف المجتمع بان قضاياه ومطالبه تقع في صميم اهتمام المسؤول وعنايته، وحين يشعر ان الجميع امام موازين العدالة سواء، وبانه “شريك” في صناعة المقررات من خلال مؤسسات تمثله وتدافع عن حقوقه، فانه لا يضطر الى استخدام “لغة” الامهال ولا الاستقواء ولا الابتزاز، لانه يدرك –عندئذ- ان قوة العدالة وهيبتها ضمانة لقوته وهيبته.. ومدعاة لاعتزازه ايضا.
(الدستور)
في الفترة الماضية، شهدنا نماذج عديدة لمثل هذه البيانات والتصريحات التي يتصدر عناوينها خطاب تحذيري “يمنح” الدولة “مهلة” اسبوع او شهر لتحقيق مطالب محددة، ويفهم منه ان هذه “الفئة” او تلك تضع الدولة بين خيارين: اما الاستجابة والتنفيذ او انتظار الردّ، وصيغة الردّ هنا غير محددة، ولكنها تبطن نوعا من التهديد وتضمر نوعا من “الاستقواء” ايضا.
لهجة “الامهال” كانت مفهومة في سياقات الصراع السياسي بين القوى السياسية وبين الحكومة على اعتبار ان هذه القوى التي استبعدت من المشاركة في القرار او الاخرى التي حظيت بالمشاركة على الهامش السياسي تضطر احيانا الى توظيف لغة “التحذير” كوسيلة ضغط على الحكومات لتلبية مطالب محددة وقد “تمهلها” في اطار اثارة الشارع وكسب تأييده فترة ما لتنفيذ مطالبها.. وإلاّ!!
لكن هذه “الصيغة” انتقلت من هذا المجال “السياسي” الى مجال اجتماعي اوسع فهي تتردد على لسان “العشيرة” او “النقابة” او بعض الشخصيات الاجتماعية والدينية، وغالبا ما تكون موجهة “للدولة”، وفي قضايا “اجتماعية” كقضية تقسيم الاراضي او محاكمة “قاتل” او القبض على مجرم او مواجهة “انفلات” امني او غيرها.
الاصل في استخدام مصطلح “الامهال” انه يصدر من الاعلى الى الاسفل، فالحكومة تقرر “امهال” جهة ما تابعة لها اداريا لمدة معينة لتنفيذ امر ما، والقضاء يمهل ايضا “متهما” ما لتسليم نفسه، وهكذا، لكن ما يحدث ان المعادلة اصبحت معكوسة، فالافراد او الفئات الاجتماعية هم الذين يمارسون هذا “الحق” .. والمطلوب من الحكومات والاجهزة التابعة لها ان تخضع لهذه “المطالب” في المهل المقررة، وقد يبدو هذا مفهوما في اطار محاولة المجتمع استعادة “سلطته” على حكوماته، او في اطار تراجع سلطة الحكومات لمصلحة سلطة المجتمع “التشاركية” او حتى في ظل محاولات انتزاع الحدّ الادنى من “الديمقراطية” التي تسمح لنا بمخاطبة المسؤولين بهذه اللهجة الحازمة، لكن غير المفهوم ان تكون نماذج “الامهال” هذه متعلقة بقضايا منظورة امام القضاء، او ان تكون متعلقة بمسائل تتعارض مع القانون، او ان تعبّر عن حالة من الاستقواء على الدولة او ان تكشف عن عجز الدولة على بسط “هيبتها” او ان تفضي الى “رضوخ” المسؤول للمطالب المقدمة تحت طائلة التهديد، وبما يتعارض مع منطق العدالة والقانون.
هنا، تحديدا، يمكن فهم خطاب “الامهال” في سياق ثقافة “الاستقواء” وهي ثقافة تغلغلت للاسف في مجتمعنا لأسباب عديدة منها ما يتعلق بتعطيل القانون او انتشار قيم المحسوبية والشطارة او انسداد ابواب السياسة والمشاركة ونحن هنا –بالطبع- لا يجوز ان نكتفي “بإدانة” الظاهرة او بالفئات التي تمارسها وانما لا بد ان نبادر الى معرفة اسبابها ودوافعها، وتشخيصها كحالة سياسية واجتماعية لنتمكن من معالجتها، لا في سياق “كبح” حق المجتمع في التعبير عن نفسه، وانتزاع حقوقه وانما في اطار ترسيم العلاقة بينه وبين حكوماته ومؤسساته على اسس من الاحترام ومن خلال قنوات مشروعة تحافظ على حقوق المجتمع وسلامته وعلى هيبة الدولة ومؤسساتها ايضا.
باختصار، حين يكتشف المجتمع بان قضاياه ومطالبه تقع في صميم اهتمام المسؤول وعنايته، وحين يشعر ان الجميع امام موازين العدالة سواء، وبانه “شريك” في صناعة المقررات من خلال مؤسسات تمثله وتدافع عن حقوقه، فانه لا يضطر الى استخدام “لغة” الامهال ولا الاستقواء ولا الابتزاز، لانه يدرك –عندئذ- ان قوة العدالة وهيبتها ضمانة لقوته وهيبته.. ومدعاة لاعتزازه ايضا.
(الدستور)