ما قبل الدولة وما بعد الحداثة
خيري منصور
جو 24 : تتداول البرامج الحوارية في الفضاء العربي مصطلحات حول شكل الدولة تضاعف من إرباك الرأي العام والالتباس، وكيلا نذهب بعيداً مع أوصاف الدولة كالبترياركية والثيوقراطية والاوتوقراطية والتوتالية والاوليجارية نختار أبسط هذه المصطلحات المتداولة وهو «الدولة المدنية» والتي تختلط على نحو سياحي لا علاقة له بالسياسة بمفهوم الليبرالية، إن ما يدهش المراقب في هذا المعجم السياسي هو العرب حيث يعيشون حقبة ما قبل الدولة وبالتالي ما قبل الحداثة بخاصة إذا عرفنا أن بيان موت الحداثة صدر في برلين قبل قرنين، وبالتحديد العام 185، وما يعيشه الغرب منذ ذلك الوقت يندرج في خانة المابعديات وفي مقدمتها ما بعد الحداثة!
والتصنيف الصارم لأشكال الدولة وصفاتها أقرب إلى العشوائية، بخاصة حين يستخدم في سياقات إعلامية سطحية وإجرائية.
وفي فترة قلقة ومضطربة وانتقالية كالتي يعيشها العرب اليوم يبدو الصراع الطائفي على سطح المشهد كما لو أنه صراع ثنائيات، يتلخص في تديين الدولة مقابل تسييس الدين.
وبمعنى آخر ثنائية الخوذة والعمامة، ومن لم يمروا بمرحلة تتبلور فيها الليبرالية المحكومة بثقافة وأنماط انتاج يستخدمون هذا المصطلح جزافاً وبمعزل عن حيثياته وقرائنه والبيئات الحضارية التي نشأ فيها. وينطبق هذا - بقدر أو بآخر- على العلمانية، فهي ليست النقيض الجذري والحاسم للدين لأنها ليست المرادف الفكري للماركسية مثلا!
تديين الدولة هو بالتأكيد مشروع في الثيوقراطية كما أن تسييس الدين هو مشروع في فقدان المشيتين بحيث لا دين يبقى ولا سياسة تسود.
هذه إشكاليات يزيد الاستخدام العشوائي للمصطلحات المترجمة من غموضها لأن العالم العربي غير المتجانس في نظم الحكم وانماط الانتاج والبيئات الثقافية لم يحرق المراحل بحيث يقفز من القرن التاسع عشر الى المربع الاول من القرن الحادي والعشرين!
لكن العرب اهتدوا بفضل فائض التواطؤ والتهرب من تسمية الأشياء بأسمائها الى لعبة من طراز فريد، إنها لعبة تقاطع الافكار لا الكلمات التي طالما تسلّوا بها في فراغهم.
هذه اللعبة أختصرها في نوع من التبادلية لطرح القضايا فما يطرح بقوة في بلد ما لا صلة له بمشكلات هذا البلد وكأن المسموح به هو الحديث عن هناك وليس عن هنا .
هذه التبادلية تشبه خطأ طبياً في التشخيص كأن يكون الدواء في الكبد لكن العلاج مخصص للمثانة أو اللوزتين، وإذا استمرت هذه التبادلية الماكرة فإن كل ما ينطبق على العلاج لا يذهب سدى فقط، بل يصيب الأعضاء السليمة بالعطب.
ولو شئنا الدقة فإن ما يليق بكيانات تنتمي الى ما قبل الدولة هو مصطلحات اخرى من معجم علم الانثربولوجيا وليس من معجم السياسة.
(الدستور)
والتصنيف الصارم لأشكال الدولة وصفاتها أقرب إلى العشوائية، بخاصة حين يستخدم في سياقات إعلامية سطحية وإجرائية.
وفي فترة قلقة ومضطربة وانتقالية كالتي يعيشها العرب اليوم يبدو الصراع الطائفي على سطح المشهد كما لو أنه صراع ثنائيات، يتلخص في تديين الدولة مقابل تسييس الدين.
وبمعنى آخر ثنائية الخوذة والعمامة، ومن لم يمروا بمرحلة تتبلور فيها الليبرالية المحكومة بثقافة وأنماط انتاج يستخدمون هذا المصطلح جزافاً وبمعزل عن حيثياته وقرائنه والبيئات الحضارية التي نشأ فيها. وينطبق هذا - بقدر أو بآخر- على العلمانية، فهي ليست النقيض الجذري والحاسم للدين لأنها ليست المرادف الفكري للماركسية مثلا!
تديين الدولة هو بالتأكيد مشروع في الثيوقراطية كما أن تسييس الدين هو مشروع في فقدان المشيتين بحيث لا دين يبقى ولا سياسة تسود.
هذه إشكاليات يزيد الاستخدام العشوائي للمصطلحات المترجمة من غموضها لأن العالم العربي غير المتجانس في نظم الحكم وانماط الانتاج والبيئات الثقافية لم يحرق المراحل بحيث يقفز من القرن التاسع عشر الى المربع الاول من القرن الحادي والعشرين!
لكن العرب اهتدوا بفضل فائض التواطؤ والتهرب من تسمية الأشياء بأسمائها الى لعبة من طراز فريد، إنها لعبة تقاطع الافكار لا الكلمات التي طالما تسلّوا بها في فراغهم.
هذه اللعبة أختصرها في نوع من التبادلية لطرح القضايا فما يطرح بقوة في بلد ما لا صلة له بمشكلات هذا البلد وكأن المسموح به هو الحديث عن هناك وليس عن هنا .
هذه التبادلية تشبه خطأ طبياً في التشخيص كأن يكون الدواء في الكبد لكن العلاج مخصص للمثانة أو اللوزتين، وإذا استمرت هذه التبادلية الماكرة فإن كل ما ينطبق على العلاج لا يذهب سدى فقط، بل يصيب الأعضاء السليمة بالعطب.
ولو شئنا الدقة فإن ما يليق بكيانات تنتمي الى ما قبل الدولة هو مصطلحات اخرى من معجم علم الانثربولوجيا وليس من معجم السياسة.
(الدستور)