رجاءً.... اتركوا الدين يتحرك بحرية
حسين الرواشدة
جو 24 : لدي قناعة سأقولها وأجري على الله، وهي ان حركة “الدين” في حياتنا العامة تعرضت لاصابات عديدة حرفتها عن مسارها، وتسببت في اضرار بالغة للدين والدنيا على حد سواء، وما لم ننهض على الفور لاعادة الدين الى مقاصده الحقيقية وقيمه السامية ووظيفته الاساسية وهي “خدمة” الانسان، فاننا سنقع في المحظور الذي وقع فيه غيرنا وهو الصدام والطلاق، رغم ان المقارنة بين التجربتين يحتاج لمزيد من التدقيق والانتباه.
ليس لدي ادنى شك بان “الاسلام” صالح لكل زمان ومكان وبان حركته في الحياة تشمل كل المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها، وبانه يشكل “الباعث” الحضاري الاهم لدى امتنا، سواء في تجربتها الماضية او الحاضرة او القادمة لكن السؤال هو: اي اسلام هذا الذي نقصده؟ بالطبع نحن نتحدث عن النص الديني الذي نعتقد جميعا انه ثابت ومقدس و”مهيمن” على ما سبقه من شرائع، وموقف المسلمين من هذا “الدين” بمعناه النصي يبدو موحّدا ولا خلاف ابدا عليه، لا من حيث اهميته في حياتنا ولا من حيث الالتزام به واعتماده كدليل وكباعث للتدين والتحضر في حياتنا لكن اذا ما تجاوزنا هذا “التوافق” الى مسألة “التدين” بمعنى فهم هذا النص وانزاله على واقعنا كسلوك بشري فاننا سنصطدم “بواقع” مختلف تماما، فالتدين السائد في اغلب انماطه لا يعكس حقيقة “الدين” ولا يعبّر عنه، بل على العكس تماما فقد يتعارض معه لدرجة ان ما يفعله بعض “المتدينون” احيانا يسيء الى الدين وينفّر منه ويلحق به اضرارا بالغة كما انه يلحق “باتباعه” من المسلمين اضرارا اشد، والاخطر من ذلك انه “يولد” لدى البعض القناعة بان “الدين” هو الذي يقف ضد تقدمنا ويغذي لدى الآخرين الحريصين على طرد الدين من حياتنا العامة مثل هذه الفكرة، فيما الحقيقة ان الذي كرّس لدينا “التخلف” واعاق تقدمنا هو “فهمنا” للدين وتمثلنا لمقاصده، وتصورنا لوظيفته، او بمعنى اخر هو “ تديننا” المغشوش الذي صممه بعض الفقهاء والدعاة الذي توزعوا على خطين: خط الاخلاص والحماقة وخط الذكاء والمكر السيىء، فيما النتيجة واحدة، وهي اختطاف “الدين” لحساب سلطة وامتيازات وجهل وغياب للعقل الناقد والمجتهد الحقيقي والشجاعة اللازمة لتحرير “الدين” من “مسلّمات” تحولت الى حقائق دينية ومن “فقهاء” تحولوا الى انبياء، ومن فهم تاريخي تجاوزه الزمن ومن محاولات جرت “لتوظيف” الدين في غير مجالاته الصحيحة تبعا للاهواء والمصالح الشخصية والحزبية لا تبعا لمصلحة المسلم الانسان... والامة والعالمين ايضا.
لا يخطر في بالي –ابدا- ان ادعو الى تحديد او وقف حركة الدين في كافة مجالات حياتنا العامة، فهذه الدعوة لا تستقيم في منطق “الدين” ولا مع منطق حاجتنا الانسانية اليه، كما انها دعوة محكوم عليها بالفشل مهما كانت “القوة” التي تقف وراءها، لكنني ادعو الى “ضبط” هذه الحركة وترشيدها وعقلنتها على اساس “المنطق” الصحيح للدين، وهو منطق النصوص الثابتة والمقدسة التي تشكل شبكة متكاملة لقيم “الخلاص” الانساني على اساس اعتبار “الاستقامة” والعدل والحرية واحترام قيمة الانسان وحياته والتسامي عن ادخال الدين بالاكراه الى الحياة او اقحامه فيما يتعارض مع مصالح الانسان وهي اعتبارات في صميم الدين وجوهره وكل ما سواها يشكل اعتداء عليه وتجاوزا على الانسان الذي نزل الدين من اجله.
اذا سألتني لماذا “اجهر” بهذه القناعة فلدي اسباب عديدة اولها ما انتهى اليه بعض اخواننا الذين غامروا بالوصول الى السلطة دون ان يستعدوا لها بما يلزم من “فشل” او “افشال” لتجربتهم وثانيها ما حدث على صعيد الثورة في سوريا بعد ان اقتحم “المسلحون” ميادينها وهم يكبّرون باسم الله.. وثالثها ما رأيناه في الجامعة الاردنية من تحطيم “لتماثيل” ابدعها الطلبة وكأنها اصنام تعبد، مع ان مسألة “النحت” كنوع من الفن مختلفة تماما عن مسألة “عبادة” المنحوت، واذا دققت في كل هذه المشاهد وغيرها الكثير من انماط “تديننا” السياسي او الاجتماعية او “الفني” سنكتشف بان اغلبية هؤلاء الذين يقدمون لنا الدين قد صنعوا حالة من الخصومة بين الدين والدنيا وبين الدين والناس.
وبدل ان يتركوا للدين ان يتحرك بحرية وضميرية خالصة من الاهواء والتأويلات والممارسات الخاطئة حشروه –للاسف- في زوايا فهمهم الناقص وانانيتهم التي صورت لهم انهم احرص على دين الله من كل عباده، وانهم وحدهم المكلفون بحفظه وتطبيقه ولم “يتعظوا” مما حصل لغيرهم من “حماة الدين” لدى الامم الاخرى حين “استأثروا” بسلطته فأدخلوا مجتمعاتهم “باسم الله” في الجحيم بدل الجنة الدنيوية التي وعدوا بها، وكانت النتيجة ان نفّروا الناس من الدين وهذا ما وجب ان نحذر منه... والله من وراء القصد.
(الدستور)
ليس لدي ادنى شك بان “الاسلام” صالح لكل زمان ومكان وبان حركته في الحياة تشمل كل المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها، وبانه يشكل “الباعث” الحضاري الاهم لدى امتنا، سواء في تجربتها الماضية او الحاضرة او القادمة لكن السؤال هو: اي اسلام هذا الذي نقصده؟ بالطبع نحن نتحدث عن النص الديني الذي نعتقد جميعا انه ثابت ومقدس و”مهيمن” على ما سبقه من شرائع، وموقف المسلمين من هذا “الدين” بمعناه النصي يبدو موحّدا ولا خلاف ابدا عليه، لا من حيث اهميته في حياتنا ولا من حيث الالتزام به واعتماده كدليل وكباعث للتدين والتحضر في حياتنا لكن اذا ما تجاوزنا هذا “التوافق” الى مسألة “التدين” بمعنى فهم هذا النص وانزاله على واقعنا كسلوك بشري فاننا سنصطدم “بواقع” مختلف تماما، فالتدين السائد في اغلب انماطه لا يعكس حقيقة “الدين” ولا يعبّر عنه، بل على العكس تماما فقد يتعارض معه لدرجة ان ما يفعله بعض “المتدينون” احيانا يسيء الى الدين وينفّر منه ويلحق به اضرارا بالغة كما انه يلحق “باتباعه” من المسلمين اضرارا اشد، والاخطر من ذلك انه “يولد” لدى البعض القناعة بان “الدين” هو الذي يقف ضد تقدمنا ويغذي لدى الآخرين الحريصين على طرد الدين من حياتنا العامة مثل هذه الفكرة، فيما الحقيقة ان الذي كرّس لدينا “التخلف” واعاق تقدمنا هو “فهمنا” للدين وتمثلنا لمقاصده، وتصورنا لوظيفته، او بمعنى اخر هو “ تديننا” المغشوش الذي صممه بعض الفقهاء والدعاة الذي توزعوا على خطين: خط الاخلاص والحماقة وخط الذكاء والمكر السيىء، فيما النتيجة واحدة، وهي اختطاف “الدين” لحساب سلطة وامتيازات وجهل وغياب للعقل الناقد والمجتهد الحقيقي والشجاعة اللازمة لتحرير “الدين” من “مسلّمات” تحولت الى حقائق دينية ومن “فقهاء” تحولوا الى انبياء، ومن فهم تاريخي تجاوزه الزمن ومن محاولات جرت “لتوظيف” الدين في غير مجالاته الصحيحة تبعا للاهواء والمصالح الشخصية والحزبية لا تبعا لمصلحة المسلم الانسان... والامة والعالمين ايضا.
لا يخطر في بالي –ابدا- ان ادعو الى تحديد او وقف حركة الدين في كافة مجالات حياتنا العامة، فهذه الدعوة لا تستقيم في منطق “الدين” ولا مع منطق حاجتنا الانسانية اليه، كما انها دعوة محكوم عليها بالفشل مهما كانت “القوة” التي تقف وراءها، لكنني ادعو الى “ضبط” هذه الحركة وترشيدها وعقلنتها على اساس “المنطق” الصحيح للدين، وهو منطق النصوص الثابتة والمقدسة التي تشكل شبكة متكاملة لقيم “الخلاص” الانساني على اساس اعتبار “الاستقامة” والعدل والحرية واحترام قيمة الانسان وحياته والتسامي عن ادخال الدين بالاكراه الى الحياة او اقحامه فيما يتعارض مع مصالح الانسان وهي اعتبارات في صميم الدين وجوهره وكل ما سواها يشكل اعتداء عليه وتجاوزا على الانسان الذي نزل الدين من اجله.
اذا سألتني لماذا “اجهر” بهذه القناعة فلدي اسباب عديدة اولها ما انتهى اليه بعض اخواننا الذين غامروا بالوصول الى السلطة دون ان يستعدوا لها بما يلزم من “فشل” او “افشال” لتجربتهم وثانيها ما حدث على صعيد الثورة في سوريا بعد ان اقتحم “المسلحون” ميادينها وهم يكبّرون باسم الله.. وثالثها ما رأيناه في الجامعة الاردنية من تحطيم “لتماثيل” ابدعها الطلبة وكأنها اصنام تعبد، مع ان مسألة “النحت” كنوع من الفن مختلفة تماما عن مسألة “عبادة” المنحوت، واذا دققت في كل هذه المشاهد وغيرها الكثير من انماط “تديننا” السياسي او الاجتماعية او “الفني” سنكتشف بان اغلبية هؤلاء الذين يقدمون لنا الدين قد صنعوا حالة من الخصومة بين الدين والدنيا وبين الدين والناس.
وبدل ان يتركوا للدين ان يتحرك بحرية وضميرية خالصة من الاهواء والتأويلات والممارسات الخاطئة حشروه –للاسف- في زوايا فهمهم الناقص وانانيتهم التي صورت لهم انهم احرص على دين الله من كل عباده، وانهم وحدهم المكلفون بحفظه وتطبيقه ولم “يتعظوا” مما حصل لغيرهم من “حماة الدين” لدى الامم الاخرى حين “استأثروا” بسلطته فأدخلوا مجتمعاتهم “باسم الله” في الجحيم بدل الجنة الدنيوية التي وعدوا بها، وكانت النتيجة ان نفّروا الناس من الدين وهذا ما وجب ان نحذر منه... والله من وراء القصد.
(الدستور)