المرضى آخر من يعلمون!!
خيري منصور
جو 24 : لطب النفسي، ورطهم مرة اخرى بمعالجة المرض العضال بالكمادات والشلل بالاسبرين، لكن اللامبالاة بالطب الذي يعنى بالنفوس وليس بالاجساد انتهت الى هذا الوباء بحيث اصبح ما كان استثناء قاعدة، لكن من يشربون كلهم من نهر الجنون لا يجدون بينهم شاهداً يخبرهم بما انتهوا اليه، والشعوب التي تعزف باصرار عن قراءة تاريخها وواقعها أولى بها ان تعزف عن قراءة ما هو أشد تعقيداً وأحوج الى التحصين، والظواهر التي يرصد القليل من المختصين في علمي النفس والاجتماع تجلياتها في العالم العربي تنذر بما هو كارثي وفي المدى المنظور، وما عقد من مؤتمرات طبية حول هذه المسألة يشهد رغم ندرته وشبه سريته بأن عشرات المرضى هم آخر من يعلمون بما أصابهم، لان التواطؤ والتشابه فيما بينهم خلق وهماً بأن حياتهم عادية، فالكاذب في مجتمع يبارك الكذب ويعاقب الصدق لا يشعر بأنه شاذ أو على خطأ، وكذلك هو الحال في كل مجالات الحياة.
وثمة جرائم نقرأ عنها أو نسمع ما تسرّب من تفاصيلها تصلح عيّنات نموذجية للتحليل النفسي، لان مرتكبيها ضحايا امراض نفسية مزمنة تفاقمت بسبب تجاهل المرضى والتواطؤ الاجتماعي، وقد تكون الاعوام الاخيرة التي شهدها العالم العرب موسماً غزيراً لاندلاع كل المخفي والمكبوت، وحين تصبح مؤسسات دولة ومتاحف ودور عبادة وبنوك اهدافاً للجرائم فان معنى ذلك ليس نقصاً فقط في مفهوم المواطنة، بل هو قطيعة وطلاق بائن بين المواطن والوطن، ولا نحتاج الى سرد الامثلة في هذا السياق، فقد تفرغت الفضائيات لافتضاح ما يجري، وآخر ما رأينا بالامس اكثر من ألفي قطعة اثرية سرقت وأخفيت في منزل أحد الفلاحين بانتظار بيعها وتهريبها!
ان مفردات متداولة بلا دلالات كالتخلف والجهل لم تعد تكفي لتوصيف المشهد لأن ما افرزه التخلف من كوارث هو اشبه بالتهاب السحايا التي تنتج عن السخونة، ومحاصيل الجهل لم تعد مجرد تشخيصات سطحية تتلخص في ارتفاع نسبة الأمية ببعديها الابجدي والثقافي، فهي الآن تسري في النخاع، وتنزع عن الانسان آدميته وتعيده مليون عام الى الوراء.. لهذا لم يبالغ لك الكاتب العربي الذي قال ان العرب المعاصرين يستحقون أعلى الجوائز على براءة اختراع غير مسبوقة.
فما استغرقته الطبيعة من ملايين السنين لتحويل القرد الى انسان أنجزه العرب في نصف قرن عندما نجحوا في تقريد الانسان واعادته الى الكهف!
ومأساة من لم يحالفهم الحظ ولم يشربوا من نهر الجنون أنهم بذلك النمر الذي رباه الراعي بين الغنم وصدق بمرور الوقت انه خروف وأخذ يقضم العشب كسائر القطيع الى ان رأى ذات يوم وجهه على سطح بركة ماء، وعرف الحقيقة فلم يبق ولم يذر!!
(الدستور)
وثمة جرائم نقرأ عنها أو نسمع ما تسرّب من تفاصيلها تصلح عيّنات نموذجية للتحليل النفسي، لان مرتكبيها ضحايا امراض نفسية مزمنة تفاقمت بسبب تجاهل المرضى والتواطؤ الاجتماعي، وقد تكون الاعوام الاخيرة التي شهدها العالم العرب موسماً غزيراً لاندلاع كل المخفي والمكبوت، وحين تصبح مؤسسات دولة ومتاحف ودور عبادة وبنوك اهدافاً للجرائم فان معنى ذلك ليس نقصاً فقط في مفهوم المواطنة، بل هو قطيعة وطلاق بائن بين المواطن والوطن، ولا نحتاج الى سرد الامثلة في هذا السياق، فقد تفرغت الفضائيات لافتضاح ما يجري، وآخر ما رأينا بالامس اكثر من ألفي قطعة اثرية سرقت وأخفيت في منزل أحد الفلاحين بانتظار بيعها وتهريبها!
ان مفردات متداولة بلا دلالات كالتخلف والجهل لم تعد تكفي لتوصيف المشهد لأن ما افرزه التخلف من كوارث هو اشبه بالتهاب السحايا التي تنتج عن السخونة، ومحاصيل الجهل لم تعد مجرد تشخيصات سطحية تتلخص في ارتفاع نسبة الأمية ببعديها الابجدي والثقافي، فهي الآن تسري في النخاع، وتنزع عن الانسان آدميته وتعيده مليون عام الى الوراء.. لهذا لم يبالغ لك الكاتب العربي الذي قال ان العرب المعاصرين يستحقون أعلى الجوائز على براءة اختراع غير مسبوقة.
فما استغرقته الطبيعة من ملايين السنين لتحويل القرد الى انسان أنجزه العرب في نصف قرن عندما نجحوا في تقريد الانسان واعادته الى الكهف!
ومأساة من لم يحالفهم الحظ ولم يشربوا من نهر الجنون أنهم بذلك النمر الذي رباه الراعي بين الغنم وصدق بمرور الوقت انه خروف وأخذ يقضم العشب كسائر القطيع الى ان رأى ذات يوم وجهه على سطح بركة ماء، وعرف الحقيقة فلم يبق ولم يذر!!
(الدستور)