الكتلة التاريخية الاردنية..مرة أخرى!!
حسين الرواشدة
جو 24 : حين طرحت فكرة “الكتلة التاريخية” كمخرج لردم الفجوة بين مواقف الفاعلين في مجالنا السياسي والاجتماعي،سألني احد القرّاء الاعزّاء: اين هي هذه “الكتلة” التي تدعوها “للتوافق”، وهل لدينا تيارات حقيقيّة لها وزن معتبر على الارض حتى تجتمع وتقرر بالنيابة عن المجتمع؟
لم يفاجئني السؤال –بالطبع- فأنا اعرف تماماَ ان مجتمعنا تعرض في السنوات الماضية لإصابات بالغة، افقدته الثقة بنفسه، وأعاقته عن تحديد خياراته وفرصه، وحرمته من افراز “نخب” تمثله وتعبر عن قضاياه، ونحن بالطبع –أقصد من تطوعوا للعمل في المجال العام –جزء من المشكلة، لكن من يتحمل القسط الاكبر من مسؤولية ذلك هو المناخ السياسي لا العام الذي أربك حركة المجتمع، وقيّد اصواته، وافرغه من قوّاه الحيّة.
لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن لدينا كتلة تاريخيّه، وتاريخيتها هنا ليست في أهدافها فقط وانما في “المرحلة” التي نسشعر فيها الخطر، اما “الكتلة” فموجودة وان كانت منقسمة على نفسها، ويمكن هنا الاشارة الى خليط من التيارات التي تمثل اليمين والوسط واليسار، مثل الاسلاميين باتجاهاتهم المختلفة، والليبرالين الوطنيين، واليسارين القوميين، والقوى الاجتماعية كالعشائر والوجهاء في المخيمات والاطراف والمتقاعدين العسكريين وغيرهم، صحيح ان بعض هذه القوى لم يشكل لنفسه “إطاراً” واضحا، ولم ينخرط بشكل تنظيمي في العمل السياسي، لكن الصحيح ايضاً ان “الكتلة” المقصودة ليست خليطا من الأحزاب بل هي نسيج من القوى التي لها فعل في المجتمع أوالتي ترغب وتستطيع ممارسة ذلك الفعل، وهي تشمل جميع الأطراف،ويمكن ان تنطلق نواتها من القوى الفاعلة في العملية السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية ، كما يمكن ان تنتزع لها وزنا سياسيا اذا ما توافقت على مشروع محدد يعكس “المشتركات” الوطنية ويحظى بالتوافق العام.
إذا اتفقنا على “خمس” أفكار اساسية للانطلاق في مشروع تكوين “كتلة تاريخيّة” لتفعيل حيوية مجتمعنا واعادة الاعتبار لدوره في المجال السياسي –تحديداً- فإننا سنكون قد انجزنا خطوات جادة...وعندئذ ستجد الاطراف الاخرى ( وفي مقدمتها الحكومات) نفسها مضطرة لقبول “الجسم” الجديد، وللتعامل معه ايضاً بمنطق “الندّية” وربما التنازل امامه عن كثير من المواقف المتصلبة وربما المعاندة ايضاً.
الفكرة الاولى هي ان نتفق على ان حالة الفقر السياسي التي يعاني منها مجتمعنا ليست قدرا وانما هي حالة طارئة فرضتها ظروف معينة لكن لا بد من تجاوزها ،لا بل ان تجاوزها ضروري وممكن، واهم ما يمكن ان نفعله هنا هو تجاوز الانقسامات والصراعات المتخيلة والدخول في حوارات جادة حول المشتركات الوطنية على ارضية (الديمقراطية) التي تشكل البوابة الاساسية لتحقيق الغايات الوطنية الكبرى، كالحرية والتنمية والعدالة والتحرر والحفاظ على الهُوية وهي اهداف مشتركة للجميع.
الفكرة الثانية هي ان يتوافق الراغبون بالانضمام للكتلة التاريخية على (مشروع) وطني واضح ،وبموجب ذلك لا بد من التركيز على هدف مشترك واحد وتأجيل بقية الأهداف ،كما لا بد من التنازل طوعا عن الاجندات الخاصة، ووقف الاتهامات المتبادلة،وتسديد الخطاب السياسي نحو اهداف محددة،وجدولة الخلافات على التفاصيل،واعتبارالمواقف المتباينة تجاه ما يجري في الاقليم من تحولات واحداث مسألة (فرعية) وليست اولوية، وهذه يمكن مناقشتها في اطار مدى تأثيرها على المصالح العامة للدولة.
الفكرة الثالثة هي ان تنطلق هذه الكتلة من تصورات حقيقية للواقع بما فيه من مشكلات وتحديات تتعلق بجميع مكونات المجتمع دون استثناء ، وان تبدأ بوضع وثيقة اساسية لمبادئ العمل داخل الكتلة ذاتها، بحيث يتوافق عليهاالمشاركون سلفا , باعتبارها ملزمة لكل الأطراف، ثم تتولى صياغة اطار عام يحسم الجدل حول الاسئلة الوطنية الكبرى باجابات واضحة وبرامج مدروسة ومحددة زمنيا .
الفكرة الرابعة هي ان مهمة هذه الكتلة الاساسية تتعلق بمواجة حالة الجمود والانسداد والانتقال بالمجتمع من دور المستقبل الى دور المرسل الفاعل والمشارك الحقيقي وذلك يضمن اعادة الحيوية لحركة المجتمع وفتح الخيارات المتنوعة امام الدولة ،كما يضمن كسر فجوة الثقة بين الدولة والمجتع وحمايتهما معا من اخطار الانقسام والارباك وترسيخ المصالحات بين فئات المجتمع وتياراته المختلفة والخروج من منطق الاقصاء والتناوش والاتهامات المتبادلة التي عطلت حركة التغيير والاصلاح وصرفت جهود المطالبين بها الى قنوات لا تصب في المصلحة العامة.
الفكرة الاخيرة هي ان ثمة عوائق عديدة ستقف امام تشكل هذه الكتلة، لكن علينا ان نتذكر بان مثل هذه العوائق -وربما اعمق منها- كانت تواجه تجارب اخرى لكنها تجاوزتها حين حددت اهدافها بدقة وتوافقت على انجازها ‘حدث ذلك في التجربة البولندية حين كان الهدف إقرار التعددية السياسية،وفي جنوب أفريقيا حين كان الهدف ترسيخ مبدأ المواطنة الكاملة ، وفي كوريا الجنوبية والبرازيل حين كان المطلوب إجراء انتخابات ديمقراطية وازاحة العسكر من السلطة، وفي إسبانيا من اجل الوصول إلى الملكية الدستورية البرلمانية،واخيرا في تونس لعبور المرحلة الانتقالية واقامة نظام ديمقراطي تشاركي.
باختصار،يمكن للذين باتوا يعتقدون اليوم بان بلدنا يواجه اسئلة ومخاضات كبرى، وبان واجبهم يتجاوز مجرد المعارضة والانتقاد مع الاستمرار في التلاوم والصراع،يمكنهم ان يتقدموا خطوة للامام ،وان ينهضوا عن مقاعد المتفرجين(لكي لا نقول مقاعد المشاكسين) ، لكي ينزلوا الى ميدان الفعل لا مجرد الكلام والى ممارسة الواجب لا الاكتفاء بالوعظ والتحذير فقط، فنحن امام مرحلة تداهمنا اخطارها التاريخية،وهي اخطار لا تستوجب تحالفات سياسية تدافع عن الحدود فقط وانما تحالفات تاريخية تحمي الوجود ايضا.
(الدستور)
لم يفاجئني السؤال –بالطبع- فأنا اعرف تماماَ ان مجتمعنا تعرض في السنوات الماضية لإصابات بالغة، افقدته الثقة بنفسه، وأعاقته عن تحديد خياراته وفرصه، وحرمته من افراز “نخب” تمثله وتعبر عن قضاياه، ونحن بالطبع –أقصد من تطوعوا للعمل في المجال العام –جزء من المشكلة، لكن من يتحمل القسط الاكبر من مسؤولية ذلك هو المناخ السياسي لا العام الذي أربك حركة المجتمع، وقيّد اصواته، وافرغه من قوّاه الحيّة.
لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن لدينا كتلة تاريخيّه، وتاريخيتها هنا ليست في أهدافها فقط وانما في “المرحلة” التي نسشعر فيها الخطر، اما “الكتلة” فموجودة وان كانت منقسمة على نفسها، ويمكن هنا الاشارة الى خليط من التيارات التي تمثل اليمين والوسط واليسار، مثل الاسلاميين باتجاهاتهم المختلفة، والليبرالين الوطنيين، واليسارين القوميين، والقوى الاجتماعية كالعشائر والوجهاء في المخيمات والاطراف والمتقاعدين العسكريين وغيرهم، صحيح ان بعض هذه القوى لم يشكل لنفسه “إطاراً” واضحا، ولم ينخرط بشكل تنظيمي في العمل السياسي، لكن الصحيح ايضاً ان “الكتلة” المقصودة ليست خليطا من الأحزاب بل هي نسيج من القوى التي لها فعل في المجتمع أوالتي ترغب وتستطيع ممارسة ذلك الفعل، وهي تشمل جميع الأطراف،ويمكن ان تنطلق نواتها من القوى الفاعلة في العملية السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية ، كما يمكن ان تنتزع لها وزنا سياسيا اذا ما توافقت على مشروع محدد يعكس “المشتركات” الوطنية ويحظى بالتوافق العام.
إذا اتفقنا على “خمس” أفكار اساسية للانطلاق في مشروع تكوين “كتلة تاريخيّة” لتفعيل حيوية مجتمعنا واعادة الاعتبار لدوره في المجال السياسي –تحديداً- فإننا سنكون قد انجزنا خطوات جادة...وعندئذ ستجد الاطراف الاخرى ( وفي مقدمتها الحكومات) نفسها مضطرة لقبول “الجسم” الجديد، وللتعامل معه ايضاً بمنطق “الندّية” وربما التنازل امامه عن كثير من المواقف المتصلبة وربما المعاندة ايضاً.
الفكرة الاولى هي ان نتفق على ان حالة الفقر السياسي التي يعاني منها مجتمعنا ليست قدرا وانما هي حالة طارئة فرضتها ظروف معينة لكن لا بد من تجاوزها ،لا بل ان تجاوزها ضروري وممكن، واهم ما يمكن ان نفعله هنا هو تجاوز الانقسامات والصراعات المتخيلة والدخول في حوارات جادة حول المشتركات الوطنية على ارضية (الديمقراطية) التي تشكل البوابة الاساسية لتحقيق الغايات الوطنية الكبرى، كالحرية والتنمية والعدالة والتحرر والحفاظ على الهُوية وهي اهداف مشتركة للجميع.
الفكرة الثانية هي ان يتوافق الراغبون بالانضمام للكتلة التاريخية على (مشروع) وطني واضح ،وبموجب ذلك لا بد من التركيز على هدف مشترك واحد وتأجيل بقية الأهداف ،كما لا بد من التنازل طوعا عن الاجندات الخاصة، ووقف الاتهامات المتبادلة،وتسديد الخطاب السياسي نحو اهداف محددة،وجدولة الخلافات على التفاصيل،واعتبارالمواقف المتباينة تجاه ما يجري في الاقليم من تحولات واحداث مسألة (فرعية) وليست اولوية، وهذه يمكن مناقشتها في اطار مدى تأثيرها على المصالح العامة للدولة.
الفكرة الثالثة هي ان تنطلق هذه الكتلة من تصورات حقيقية للواقع بما فيه من مشكلات وتحديات تتعلق بجميع مكونات المجتمع دون استثناء ، وان تبدأ بوضع وثيقة اساسية لمبادئ العمل داخل الكتلة ذاتها، بحيث يتوافق عليهاالمشاركون سلفا , باعتبارها ملزمة لكل الأطراف، ثم تتولى صياغة اطار عام يحسم الجدل حول الاسئلة الوطنية الكبرى باجابات واضحة وبرامج مدروسة ومحددة زمنيا .
الفكرة الرابعة هي ان مهمة هذه الكتلة الاساسية تتعلق بمواجة حالة الجمود والانسداد والانتقال بالمجتمع من دور المستقبل الى دور المرسل الفاعل والمشارك الحقيقي وذلك يضمن اعادة الحيوية لحركة المجتمع وفتح الخيارات المتنوعة امام الدولة ،كما يضمن كسر فجوة الثقة بين الدولة والمجتع وحمايتهما معا من اخطار الانقسام والارباك وترسيخ المصالحات بين فئات المجتمع وتياراته المختلفة والخروج من منطق الاقصاء والتناوش والاتهامات المتبادلة التي عطلت حركة التغيير والاصلاح وصرفت جهود المطالبين بها الى قنوات لا تصب في المصلحة العامة.
الفكرة الاخيرة هي ان ثمة عوائق عديدة ستقف امام تشكل هذه الكتلة، لكن علينا ان نتذكر بان مثل هذه العوائق -وربما اعمق منها- كانت تواجه تجارب اخرى لكنها تجاوزتها حين حددت اهدافها بدقة وتوافقت على انجازها ‘حدث ذلك في التجربة البولندية حين كان الهدف إقرار التعددية السياسية،وفي جنوب أفريقيا حين كان الهدف ترسيخ مبدأ المواطنة الكاملة ، وفي كوريا الجنوبية والبرازيل حين كان المطلوب إجراء انتخابات ديمقراطية وازاحة العسكر من السلطة، وفي إسبانيا من اجل الوصول إلى الملكية الدستورية البرلمانية،واخيرا في تونس لعبور المرحلة الانتقالية واقامة نظام ديمقراطي تشاركي.
باختصار،يمكن للذين باتوا يعتقدون اليوم بان بلدنا يواجه اسئلة ومخاضات كبرى، وبان واجبهم يتجاوز مجرد المعارضة والانتقاد مع الاستمرار في التلاوم والصراع،يمكنهم ان يتقدموا خطوة للامام ،وان ينهضوا عن مقاعد المتفرجين(لكي لا نقول مقاعد المشاكسين) ، لكي ينزلوا الى ميدان الفعل لا مجرد الكلام والى ممارسة الواجب لا الاكتفاء بالوعظ والتحذير فقط، فنحن امام مرحلة تداهمنا اخطارها التاريخية،وهي اخطار لا تستوجب تحالفات سياسية تدافع عن الحدود فقط وانما تحالفات تاريخية تحمي الوجود ايضا.
(الدستور)