المخضرمون!!
خيري منصور
جو 24 : هذه المفردة لها دلالتان متناقضتان، فهي تطلق من باب المديح على رجال ونساء عاشوا مراحل متباينة، واتسعت خبراتهم بفضل ما اتيح لهم من العمر الطويل، لكن هذه المعاني لا علاقة لها بما يصيب النحاس المهجور اخضرار التعفن وطالما سمعنا من امهاتنا في الصبا وصف إناء من النحاس بانه مخضرم.
لكن هذا الزمن الوحيد الذي قلب المعادلات كلها رأسا على عقب بحيث اصبح الشرق غربا والجنوب شمالا وعلت فيه العيون على الحواجب لان الناس مشوا على رؤوسهم.
في هذا الزمن اختلطت الدلالتان ولم يعد ممكنا التفريق بين التاريخ والفيزياء والغسق والشفق ما دام الخيط الفاصل بين الضوء والظلام لا يتضح.
كان المخضرمون من الساسة والمثقفين والناشطين فيما مضى من ثورات وحراكات مطلبا اساسيا لانهم معلمون، ولديهم من رحيق الخبرة ما يكفي لان يتحول الى شهد، لكن المتغيرات التي عصفت بالعالم كله وعكست الاولويات ووضعت العربات امام الخيول، اوهمت الناس بان الشرور وثقافة الكراهية والنبذ المتبادلة هي من انجاز جيل طاعن في الفساد، لهذا جاء التبشير بدور الشباب بمثابة البحث عن بديل لهؤلاء المخضرمين.
وحدث شيء كهذا في ستينات القرن الماضي، وعبرت عنه ثورة الشباب والطلاب على امتداد العالم في مايو عام 1968 وكان السائد يومئذ هو ان الخراب الذي حل في العالم والحربين العالميتين اللتين دمرتا اوروبا هي من انجاز هؤلاء المخضرمين، وغاب عن الجميع ان العمر وحده لا يصلح مقياسا يحتكم إليه، ما دام هناك شيوخ في العشرين او الثلاثين من العمر مقابل شباب تجاوزوا الستين ومن يتصورون من خلال ما يسمى ثورة الانترنت والفيس بوك ان الشباب هم الان في مقدمة كل حراك، عليهم ان يعيدوا النظر ولولا قليلا ليروا كم هي نسبة الشباب في الحراكات التقليدية والاتباعية والداعية الى خلق مضادات للحداثة.
الشباب ليسوا متجانسين بحيث ينظر اليهم كالبيض المتشابه في سلة واحدة، فمنهم الثوري التقدمي المبشر بمستقبل حر ومحرر من الجهل والرعوية، ومنهم تقليديون حين نسمع او نقرأ اطروحاتهم نظن انهم ولدوا في الزمن العثماني وعاشوا اكثر من قرن ونصف القرن.
واذا كان النحاس يصاب بالخضرمة فإن الحديد الاقل مرتبة منه يصاب بالصدأ الذي اذا تراكم عليه يمزقه رغم صلابته.
نعرف ان صراع الاجيال قدر بشري وتاريخي يتكرر في كل العصور لكن الجسد الرشيق والقوي بلا عقل وخبرة وادراك هو جسد حصان او بغل، لهذا لا بد من التوازن واستكمال فتوة البدن الشاب بحكمة المخضرمين، الذين لم يكونوا ذات يوم خاملين وعاطلين عن محاولات الاصلاح، ومنهم من دفع الثمن غاليا ثم انتهى كجندي مجهول!
(الدستور)
لكن هذا الزمن الوحيد الذي قلب المعادلات كلها رأسا على عقب بحيث اصبح الشرق غربا والجنوب شمالا وعلت فيه العيون على الحواجب لان الناس مشوا على رؤوسهم.
في هذا الزمن اختلطت الدلالتان ولم يعد ممكنا التفريق بين التاريخ والفيزياء والغسق والشفق ما دام الخيط الفاصل بين الضوء والظلام لا يتضح.
كان المخضرمون من الساسة والمثقفين والناشطين فيما مضى من ثورات وحراكات مطلبا اساسيا لانهم معلمون، ولديهم من رحيق الخبرة ما يكفي لان يتحول الى شهد، لكن المتغيرات التي عصفت بالعالم كله وعكست الاولويات ووضعت العربات امام الخيول، اوهمت الناس بان الشرور وثقافة الكراهية والنبذ المتبادلة هي من انجاز جيل طاعن في الفساد، لهذا جاء التبشير بدور الشباب بمثابة البحث عن بديل لهؤلاء المخضرمين.
وحدث شيء كهذا في ستينات القرن الماضي، وعبرت عنه ثورة الشباب والطلاب على امتداد العالم في مايو عام 1968 وكان السائد يومئذ هو ان الخراب الذي حل في العالم والحربين العالميتين اللتين دمرتا اوروبا هي من انجاز هؤلاء المخضرمين، وغاب عن الجميع ان العمر وحده لا يصلح مقياسا يحتكم إليه، ما دام هناك شيوخ في العشرين او الثلاثين من العمر مقابل شباب تجاوزوا الستين ومن يتصورون من خلال ما يسمى ثورة الانترنت والفيس بوك ان الشباب هم الان في مقدمة كل حراك، عليهم ان يعيدوا النظر ولولا قليلا ليروا كم هي نسبة الشباب في الحراكات التقليدية والاتباعية والداعية الى خلق مضادات للحداثة.
الشباب ليسوا متجانسين بحيث ينظر اليهم كالبيض المتشابه في سلة واحدة، فمنهم الثوري التقدمي المبشر بمستقبل حر ومحرر من الجهل والرعوية، ومنهم تقليديون حين نسمع او نقرأ اطروحاتهم نظن انهم ولدوا في الزمن العثماني وعاشوا اكثر من قرن ونصف القرن.
واذا كان النحاس يصاب بالخضرمة فإن الحديد الاقل مرتبة منه يصاب بالصدأ الذي اذا تراكم عليه يمزقه رغم صلابته.
نعرف ان صراع الاجيال قدر بشري وتاريخي يتكرر في كل العصور لكن الجسد الرشيق والقوي بلا عقل وخبرة وادراك هو جسد حصان او بغل، لهذا لا بد من التوازن واستكمال فتوة البدن الشاب بحكمة المخضرمين، الذين لم يكونوا ذات يوم خاملين وعاطلين عن محاولات الاصلاح، ومنهم من دفع الثمن غاليا ثم انتهى كجندي مجهول!
(الدستور)