سنمار العرب
خيري منصور
جو 24 : قبل ثلاثة اعوام وفي مثل هذه الايام رحل القائد العسكري المصري الشاذلي والذي وصف بأنه العقل المدبر المخطط لحرب اكتوبر عام 1973 وكان الشاذلي قد دفع ثمن أخطاء لم يقترفها وكل ما فعله هو عدم القبول بكامب ديفيد مما اضطره الى اللجوء السياسي الى الجزائر، وسرعان ما اتهم بتسريب اسرار عسكرية ولدى عودته الى القاهرة قبض عليه في المطار وصودرت أوسمته وممتلكاته، لكن رحيله تزامن دراماتيكيا مع تنحي حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية، مما جعل من جنازته مناسبة لإعادة الاعتبار حيث ملأت صوره ميدان التحرير وسائر الساحات.. فهل كان الشاذلي سنماراً شأن معظم السنمارات العرب الذين لم يعاقبوا على الاجرة السرية، بل على أسرار أخرى، وأحياناً على الخروج عن القطيع؟.
بعض هؤلاء السنمارات أعيد اليهم الاعتبار بعد الرحيل، لكن منهم من ينتظر في قبره مثل هذا الموقف الأخلاقي. سنمار العربي عوقب على ذكائه ومبادراته في عصر يطلب فيه من الفرد كي يكون مثالياً أو نموذجياً أن يضع رأسه بين الرؤوس وأن يسير بمحاذاة الجدران، وحبذا لو يقدم تجسيداً حيّاً لذلك التمثال الهندي الذي يغطي عينيه وفمه وأذنيه فلا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، وان أتيح له الكلام فعلى طريقة الببغاء فقط.
سنمار العربي قد يكون جنرالاً أو مفكراً أو رائداً في التنوير، وقد يكون مجرد جندي مجهول، لكن المصير الذي ينتظره واحد.. وهو العقاب ومن ثم محاولة اعادة الاعتبار وغالباً ما لا تتاح هذه الفرصة حتى يوم القيامة.
لهذا فالشاذلي مجرد مثال وليس أمثولة، لأنه مسبوق بمن انتهوا الى المصير ذاته، وهو أيضاً سيكون ملحوقاً، فالدراما العربية في هذا المجال لا آخر لها، أما السينارست فهو ليس بالضرورة نظام حكم، لأن المجتمع يمارس هذا العقاب أيضاً كما حدث لطه حسين وقاسم أمين ومن قبلهم التوحيدي وابن رشد وسائر السلالة.
وربما كان الشاذلي محظوظاً في رحيله من حيث التوقيت، لكن هناك من يرحلون في صمت وبلا وداع، وقد تلفق لهم اتهامات لا وجود لها الا في الخيال الأسود لمن يحترفون القتل البطيء ومعاقبة الشجرة اذا أثمرت والشمس اذا اخترقت ثقوب الغربال.
وللتاريخ على ما يبدو وجهان، وبمعنى أخر له مساران أحدهما كالنهر يجري على السطح والآخر مياه جوفية.
لهذا علينا أن لا ننصاب بالدهشة اذا اكتشفنا ذات يوم أبطالاً هم في الحقيقة خونة وسماسرة أوطان، والعكس صحيح ايضاً.
والوصفة المثالية لكل سنمار عربي كي ينجو بجلده هي التكتم على ذكائه وابداعه، وعلى ان لا يجهر بما يخالف السائد، وبدلاً من أن يقول للأعور أنت أعور عليه أن يتغزل بعينيه.. واذا كان لكل حضارة وثقافة سنمارها فان سنماراتنا من طراز فريد، لأن شعار وثقافة الكيد والثأر والتربص هو من هدّ وَجَد وليس من جدّ وَجَد!!.
(الدستور)
بعض هؤلاء السنمارات أعيد اليهم الاعتبار بعد الرحيل، لكن منهم من ينتظر في قبره مثل هذا الموقف الأخلاقي. سنمار العربي عوقب على ذكائه ومبادراته في عصر يطلب فيه من الفرد كي يكون مثالياً أو نموذجياً أن يضع رأسه بين الرؤوس وأن يسير بمحاذاة الجدران، وحبذا لو يقدم تجسيداً حيّاً لذلك التمثال الهندي الذي يغطي عينيه وفمه وأذنيه فلا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، وان أتيح له الكلام فعلى طريقة الببغاء فقط.
سنمار العربي قد يكون جنرالاً أو مفكراً أو رائداً في التنوير، وقد يكون مجرد جندي مجهول، لكن المصير الذي ينتظره واحد.. وهو العقاب ومن ثم محاولة اعادة الاعتبار وغالباً ما لا تتاح هذه الفرصة حتى يوم القيامة.
لهذا فالشاذلي مجرد مثال وليس أمثولة، لأنه مسبوق بمن انتهوا الى المصير ذاته، وهو أيضاً سيكون ملحوقاً، فالدراما العربية في هذا المجال لا آخر لها، أما السينارست فهو ليس بالضرورة نظام حكم، لأن المجتمع يمارس هذا العقاب أيضاً كما حدث لطه حسين وقاسم أمين ومن قبلهم التوحيدي وابن رشد وسائر السلالة.
وربما كان الشاذلي محظوظاً في رحيله من حيث التوقيت، لكن هناك من يرحلون في صمت وبلا وداع، وقد تلفق لهم اتهامات لا وجود لها الا في الخيال الأسود لمن يحترفون القتل البطيء ومعاقبة الشجرة اذا أثمرت والشمس اذا اخترقت ثقوب الغربال.
وللتاريخ على ما يبدو وجهان، وبمعنى أخر له مساران أحدهما كالنهر يجري على السطح والآخر مياه جوفية.
لهذا علينا أن لا ننصاب بالدهشة اذا اكتشفنا ذات يوم أبطالاً هم في الحقيقة خونة وسماسرة أوطان، والعكس صحيح ايضاً.
والوصفة المثالية لكل سنمار عربي كي ينجو بجلده هي التكتم على ذكائه وابداعه، وعلى ان لا يجهر بما يخالف السائد، وبدلاً من أن يقول للأعور أنت أعور عليه أن يتغزل بعينيه.. واذا كان لكل حضارة وثقافة سنمارها فان سنماراتنا من طراز فريد، لأن شعار وثقافة الكيد والثأر والتربص هو من هدّ وَجَد وليس من جدّ وَجَد!!.
(الدستور)