jo24_banner
jo24_banner

كساندرا والمكسيك.. تاريخ يختبئ تحت الضباب

ايمان العكور
جو 24 :

لم أكن اعرف الكثير عن تاريخ المكسيك وعبقرية ذلك المكان الذي تفصلني عنه قارات وجبال ومحيطات وحضارات ، قبل ان اصلها ضمن الفريق الإعلامي المرافق لجلالة الملك عبدالله الثاني لتغطية زيارته الرسمية الى ذلك البلد اللاتيني..
شرف اعتز به ، زاد من غنى تجارب العمل والحياة عندي .!

طبعا لا أنكر انني وفي مرحلة من العمر وكأي فتاة عربية ..فتنت بالدونجوان اليخاندرو ذو الشعر الاسود الفاحم والعيون التي كنا نقرا فيها قصائد نزار وفلسفة الحب ...
كنا نحلم من خلال عيون انطونيو ونرقص على موسيقى دقات قلبه وهو يصارع من اجل المحبوبة كساندرا..!
كساندرا ..!
من منكم أولئك الذين ولدوا في الثمانينات فما بعد لا يذكر كساندرا صاحبة الشعر الغجري والعيون والجسم الأسطوري ، كما كانت وسائل الاعلام آنذاك تصفها..
كم من دراسة كتبت حول فلسفة الحب لدى كساندرا واليخاندروا.. !
عرفنا المكسيك من خلال قصص العشق التي غزت العالم العربي في التسعينات .. فكان حلم اي فتاة او حتى شاب ان يصل تلك القارة ويمشي في شوارعها حتى الفقيرة منها لأننا اعتقدنا ان الحب اخترع في المكسيك فقط..!
وبالطبع كانت قصص الحب تلك هي المصدر الوحيد الذي عرفنا منه مدى الفقر الذي تعيشه الغالبة العظمى من المكسيكيين .. ولاحقا ومن خلال الخيال الهوليودي الامريكي.. انطبعت في مخيلتنا ان الشعب المكسيكي غارق في المخدرات والتهريب .. ان لا حضارة ولا مستقبل لهم.. بل ان الحلم الأعظم لديهم هو التسلل عبر آلاف الكيلومترات من الحدود البرية للعبور الى بلاد العم سام ليعيشوا ما تصوره لهم هوليود من الحضارة والإنسانية التي عرفنا لاحقا ان الكثير منها للأسف زائف..!!!

لذلك كنت متشوقة عندما علمت انني سأذهب الى المكسيك، حتى ولو لأيام قليلة وبرنامج عمل حافل..!

لذلك عندما بدأت الطائرة تحلق فوق أجواء مكسيكو سيتي بدت تلك المدينة الكبيرة من السماء وكأنها بلا ملامح يغطيها الضباب الكثيف وتعج بالاماكن والفقيرة والذي جسد للوهلة الاولى ربما تلك الصورة المرسومة مسبقا، عن العاصمة المكسيكية بأنها مدينة التلوث والازدحام المروري والجريمة.

ولكن سرعان ما تكتشف بأن الإعلام ظلم المدينة وبالغ في تهويل سيئاتها . لان ذلك الضباب الكثيف يغطي تحته مخزونا ثقافيا وتاريخيا وحضارة لا تضاهى.

خلال جولة سريعة للتصوير في اهم أنحاء المدينة ، كنت مبهورة بما أراه والاسم الذي قفز الى ذهني هو ان مكسيكو سيتي هي بالفعل عاصمة المتناقضات والمدينة التي لا تنام ..
فهذه المدينة الشاسعة التي تحيط بها الجبال من كل جانب يسكنها حوالي 28 مليون نسمة. ورغم اعباء الحداثة فهي امتداد لحضارة عريقة ولتاريخ ثقافي غني بالعادات والتقاليد.
تجمع ما بين الموسيقى اللاتينية الجميلة والنشيطة والضوضاء المزعجة ... ويتوازى التلوث الذي يدفع على الكآبة مع الحدائق الخضراء الرائعة... وهناك القصور التاريخية التي تعيش جنبا الى جنب مع ناطحات السحاب الحديثة...
وتقف المتاحف والمطاعم والحدائق ذات الطابع العالمي من حيث الأهمية جنبًا إلى جنب مع بقايا الحضارات المتعددة بالمدينة..
طبعا نسيت ان أخبركم كم كنت اشعر بالفخر وانا أشاهد العلم الاردني يرفرف بكل عنفوان في معظم أنحاء المدينة احتفالا وترحيبا بالضيف الهاشمي ..

بالرغم من أكثر من نصف سكان العاصمة يصنف في خانة الفقراء. إذ يسكن كثير منهم في أكواخ بنوها بأنفسهم على أطراف المدينة. وبالرغم من المشاكل البيئية، من بينها الضباب الدخاني الناتج عن ازدحام طرقاتها بوسائل النقل المختلفة .. الا ان كل زاوية فيها تنبض بالحياة والزهو ..
مشاعر مختلطة تنتابك وانت تتجول بالمدينة .. ولكنها بالنهاية تشعرك بعظمة المكان وعبق التاريخ .

اخذنا السائق الى مركز المدينة التاريخي الذي يشكل ثاني اضخم مركز تاريخي في العالم بعد الساحة الحمراء في موسكو. اذ يوجد داخله اكثر من 1400 بناية تاريخية تتميز بتنوعها المعماري الذي يمثل كل العصور التي مرت بها المدينة.

ونحن نلتقط الصور للتحف المعمارية التاريخية التي تطوق الساحة الكبيرة المكتظة بألوان البشر.. وقفت مشدوهة بذلك المبنى الشامخ الممتد على طول الساحة.. ولم اعرف وقتها ما هو اذ كان من الصعب ان تجد من يتكلم الانجليزية .. لم أكن اعلم انه في اليوم التالي سأكون داخل أروقة تلك التحفة المعمارية التي ستستقبل جلالة الملك عبدالله .. فقد كان البناء هو القصر الوطني ..!

نعم ، القصر كان شامخا ينبض بالحضارة
ومع ذلك كان أيضاً من عامة الشعب ..!
فلم تكن هناك أسوار او حواجز او أسلاك كهربائية تحيط به
كل ما احاط القصر هو أمواج من الناس كل مشغول بحاله ..
وكأنهم يخبرون العالم ان قصص الحب المكسيكية التي شاهدتوها عبر شاشات التلفزيون هي قصص حب لكل قطعة من بلدنا رغم المعاناة والفقر ..!

فتحت البوابة العملاقة للقصر ونحن نقف في الساحة الكبيرة في داخلة ليدخل موكب جلالته .. وآلاف من البشر يرقبون ويتساءلون ترى من الضيف لمدينتهم ، بالرغم من ان الاعلام الاردنية كما قلت كانت تزين معظم الشوارع ، الا ان العديد ممن سألتهم بدافع الفضول ان كانوا يعرفون من الضيف من العلم الذي يرفرف في الشوارع .. لم يعرفوا الا عندما ذكرت اسم جلالة الملك واسم الاردن ،عندها غمرتني سعادة ان العديد يعرف عن وطني وعن البتراء والأردن ..!

استقبال حافل لجلالته يليق بضيف المدينة الكبير ، جرى داخل أسوار وأروقة القصر الذي شعرت بانه ازداد ألقا بضيفه الهاشمي .. ذلك القصر الذي علمت انه يضم متحفا مفتوحا للعامة لزيارته ، وهو ما زاد من انبهاري بهذا الشعب والحضارة والتناقضات في كل مكان والتي تزيد من غموض المكان وتدفعك لاكتشاف أسراره .

القصر الوطني يضم اليوم مكتب رئيس الجمهورية . كما يعتبر مقر السلطة التنفيذية، وهو أهم مبنى حكومي في المكسيك. وتزين رسومات حائطية للفنان دييغو ريفيرا السلم الأوسط والطوابق النصفية، وفي أعلى المبنى يوجد جرس الاستقلال الذي يقرع في الخامس عشر من سبتمبر من كل عام احتفاء بذكرى الاستقلال من اسبانيا.

لقد ساهم الملياردير المكسيكي كارلوس سليم اللبناني الأصل الذي يعد من أثرى أثرياء العالم في جعل هذه المدينة مركزاً فنياً عالمياً مرموقاً. فقد أسهم في إعادة ترميم وصيانة العديد من المباني والمعالم التاريخية. كما عرض مقتنياته من تماثيل ولوحات فنية في صالة عرض وباتت متاحة أمام عامة الناس وزوار المدينة.

بالطبع النصيحة لكم ان تقوموا باستكشاف وسط المدينة بالتجول سيراً على الأقدام حيث تفاجئك المنطقة بكل ما هو مدهش، عند التنزه في شوارع منطقتي بولانكو وكونديسا الراقيتين التي تظللها الأشجار المورقة قد تتصور أنك في باريس أو مدريد.
وفي الجولة سوف تشاهد أفراد النخبة المكسيكية يترجلون من سيارات الليموزين المضادة للرصاص ويرتادون البوتيكات الدولية ذات العلامات التجارية الشهيرة الواقعة على طول شارع افينيدا بريزيدنتي ماساريك في منطقة بولانكو. وهنا سيجد الزائر نفسه في أرقى شارع في منطقة أميركا اللاتينية.

الم اقل لكم انها مدينة المتناقضات !!

لذلك عندما تتسائلون لماذا نتجه الى المكسيك لبناء شراكات اقتصادية معها..
أقول لكم لان المكسيك تمتلك المكسيك الناتج المحلي الإجمالي الاسمي الثالث عشر عالميًا والحادي عشر من حيث تعادل القدرة الشرائية. وانه بالرغم من ان غالبية السكان هم جزء من الطبقة الوسطى المتنامية ، الا انه من المتوقع أن يتضاعف الاقتصاد المكسيكي ثلاثة أضعاف تقريبًا بحلول عام 2020. حيث ستكون المكسيك بحلول عام 2050 من بين أكبر 5 اقتصادات في العالم.

طبعا لا يمكن ان تنتهي مغامرة المكسيك دون الحديث عن تجربة الطعام المكسيكي ..!!

اذ بالرغم من ان المواطن المكسيكي قد لا يبدي اهتماماً بأمور كثيرة ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمطبخ المكسيكي تبدر منه حماسة وطنية تجاه مطبخ بلاده الذي يتميز بتركيبة محببة من أنواع الفلفل الحار والليمون والملح، وهو مطبخ منوع ومميز فالمكسيكيون يؤمنون بقاعدة «الطعم والرائحة تبث الروح في الإنسان»..

بحثت في الوجوه حولي عن اليخاندروا وانطونيو وكساندرا..
فوجدت ان المكسيك بروحها وألوانها وتاريخها
يحق لها بكل فخر ان تكون وترسم اروع قصة حب مع الحياة ..!!


..

..

..

..

..

..

..

..

.

تابعو الأردن 24 على google news