انشقاقات محمّلة (بجينات ) الكراهية..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : التحولات التي تطرأ على الشخصية الانسانية في سياق التطور وتراكم الخبرة والتجربة تبدو مفهومة تماما ،فنحن نكتشف كل يوم شيئا جديدا ، وافكارنا تتطور وتتغير ،ويفترض ان تصبح اكثر نضجا،لكن غير المفهوم هو ان ننقلب على افكارنا ومواقفنا ،او ان نستقبل تماما مما كنا نؤمن به من مبادئ،والاخطر من ذلك ان نتحول الى اعداء اللداء لمن كنا نتشارك معهم في هذه الافكار او المواقف.
في اطار السياسة ، يخرج البعض من حزب الى اخر، لكن اداؤه العام يظل محكوما بقواعد الديمقراطية من خلال التنافس على برامج الخدمة التي يقدمها للناس دون ان يثير الامر حرجا او غضبا ،لا من طرف الشخص الذي خرج ولا من قبل الحزب الذي كان فيه ، هذا بالطبع في البلدان التي تتمتع بعافية الديمقراطية،اما في بلدننا التي تعاني من استبداد الحكومات والاحزاب والتنظيمات ايضا،فالخروج له معنى واحد وهو الانشقاق، وهو لا يخضع بالطبع للقواعد الديمقراطية المألوفة وانما اشبه ما يكون باشهار للطلاق بلا احسان،ولك ان تتصور ما يحدث بعد ذلك من تحولات ،حيث يتنكر كل طرف للاخر ويبدأ بشيطنته وكشف عيوبه ويتنكر لكل ما كان يؤمن به من مبادئ مشتركة ،حتى كأنها مجرد قميص لبسه وفجأة قرر ان يخلعه.
تعرفون مثلي اشخاصا امضوا عقودا طويلة من اعمارهم في حزب او حركة(الاسلاميون مثلا)، وفي لحظة ما دب فيها الخلاف بينهم وبين قياداتهم خرجوا او اقيلوا ،وهذا مفهوم في سياق (احكام التنظيم) او عقود البيعة التي ما تزال تطبق على رقاب العاملين في الشأن العام ، وتحرمهم احيانا من العمل والابداع والحركة الطبيعية القائمة اصلا على التنوع والاجتهاد والحرية،ما علينا ،لكن ما يصدمنا هنا هو ان يتحول المنشقون هؤلاء الى اعداء للحركات التي تربوا وتعلموا فيها ،بعضهم يتوجه فورا الى اصدار كتب تكشف اسوأ ما يمكن ان تتخيله داخل هذه التنظيمات (خذ مثلا ما فعله الخرباوي في كتابيه قلب الاخوان وسرالمعبد) وبعضهم ينحاز بشكل سافر الى الخصوم السياسيين وينقلب على كل ما كان يؤمن به من مبادئ،(خذ مثلا ما فعله الشيخ الهلباوي )،ليس فقط فيما يتعلق بالموقف السياسي ،وانما بالموقف من الحرية والكرامة والعدالة التي لا يكاد يختلف عليها احد .
ليس المقصود الحكم على هؤلاء او محاسبتهم ،فهذ المهمة لا علاقة لنا بها ،وانما المقصود فهم هذه التحولات التي تصيب الشخصية الانسانية وخاصة اذا كانت تمارس عملا عاما او محسوبة على الشأن العام ،ينطبق هذا على السياسي والديني وغيرهما ايضا ،ولعل ما يفعله الديني تحديدا يبدو لافتا وصادما معا ،لان الانطباع الذي يتركه لدى الاخرين ينسحب على الدين على اعتبار ان الشخص كان يمثل قيما تتسامى على المصالح ومواقف متصلة بثوابت الدين وقيمه العالية،وهنا يبدو الانشقاق وما يترتب علية من تحولات عدائية محملا باعتبارات وشكوك وفهومات اخرى، وهي احيانا لا تليق بمن يتبوأ مثل هذه المواقع التي وصل من خلالها الى الناس ثم تبرأ منها حين خرج او استقال منها.
ربما يخطر في البال ان وراء حركة الانشقاق اسبابا تتعلق بالخلافات البشرية او التقديرات الشخصية او الصراعات السياسية او البحث عن مصالح ما او الهروب من ضغوطات معينة او الخروج من الاطر المقيدة داخل التنظيمات لحركة الفكر والابداع والعمل ،كل هذا صحيح،لكن ما هو سر الانقلاب العدائي الذي يدفع الشخصية الى التحول من دائرة (الابناء البررة) الى دائرة (الابناء العاقين) او الاشقاء الاعداء؟ اعتقد ان المسألة تتعلق بطبيعة الشخصية نفسها من حيث وجود هذه القابلية داخلها اصلا ،ولو دققنا في سمات مثل هذه الشخصيات لوجدنا ان سمة التطرف والقلق(سمها الشوفينية ان شئت )اصيلة فيها، ربما تكون كامنة ويجري تصريفها في اطر ضيقة،لكنها جاهزة للانفجار في اية لحظة ،ومطبوعة ايضا على التحول المفاجئ و الانتقال من طرف الى اقصى طرف .
روى لي صديق قصة بسيطة قد تكون دالة على مثل هذه التحولات ، قال: كان احد مشايخنا لا يحب تناول الشاي ،وحين تزوج منع زوجته من ادخال الشاي الى بيته او تقديمه لضيوفهم،وفي احدى المرات خرج مع استاذه في رحلة برية،وكان هذا الاستاذ من هواة شرب الشاي ، فأوقدوا نارا للشوي وبعد ذلك طلب الاستاذ من احد المرافقين ان يصنع لهم ابريق شاي على الحطب ،وقدم للشيخ كأسا، وبعد تردد، خجل ان يكسف استاذه ،فاخذها وشربها ،ثم طلب اخرى ،ومنذ ذلك الوقت ادمن الشيخ على شرب الشاي ،ووضع في حديقة منزله موقدا خاصا لاعداد الشاي ، واصبح الشاي المذموم والممنوع احب المشروبات لديه، قال صديقي: هذا الشيخ كان من اشد التلاميذ التصاقا بحركة ما ثم طلقها وانتقل الى تنظيم اخر،ولم يمكث فيه لسنوات حتى ترك الاسلام وتحول الى طائفة اخرى.
اعرف ان الشخصية الانسانية مطبوعة على الضعف والتحول وعلى النقص ايضا،فالكمال الانساني متعلق بالانبياء فقط،ولكن يبقى ان كل هذا لايبرر ان يتخلى الانسان عن مبادئه وقيمة ولا ان يبيع ضميره ولا ان يتحول في مواقفه من الابيض الى الاسود او العكس، واذا كان التحول الفكري والسياسي مقبولا في دائرة التنوع والاجتهاد وضمن (الاحسان) وعدم نسيان الفضل فيما بين الاطراف التي ارتبطت ببعضها في مرحلة ما فانه يبدو غير مفهوم وغير مقبول حين يشكل انقلابا على المواقف والقيم وحين يتحول الى عداء وشر مستطير.
(الدستور)
في اطار السياسة ، يخرج البعض من حزب الى اخر، لكن اداؤه العام يظل محكوما بقواعد الديمقراطية من خلال التنافس على برامج الخدمة التي يقدمها للناس دون ان يثير الامر حرجا او غضبا ،لا من طرف الشخص الذي خرج ولا من قبل الحزب الذي كان فيه ، هذا بالطبع في البلدان التي تتمتع بعافية الديمقراطية،اما في بلدننا التي تعاني من استبداد الحكومات والاحزاب والتنظيمات ايضا،فالخروج له معنى واحد وهو الانشقاق، وهو لا يخضع بالطبع للقواعد الديمقراطية المألوفة وانما اشبه ما يكون باشهار للطلاق بلا احسان،ولك ان تتصور ما يحدث بعد ذلك من تحولات ،حيث يتنكر كل طرف للاخر ويبدأ بشيطنته وكشف عيوبه ويتنكر لكل ما كان يؤمن به من مبادئ مشتركة ،حتى كأنها مجرد قميص لبسه وفجأة قرر ان يخلعه.
تعرفون مثلي اشخاصا امضوا عقودا طويلة من اعمارهم في حزب او حركة(الاسلاميون مثلا)، وفي لحظة ما دب فيها الخلاف بينهم وبين قياداتهم خرجوا او اقيلوا ،وهذا مفهوم في سياق (احكام التنظيم) او عقود البيعة التي ما تزال تطبق على رقاب العاملين في الشأن العام ، وتحرمهم احيانا من العمل والابداع والحركة الطبيعية القائمة اصلا على التنوع والاجتهاد والحرية،ما علينا ،لكن ما يصدمنا هنا هو ان يتحول المنشقون هؤلاء الى اعداء للحركات التي تربوا وتعلموا فيها ،بعضهم يتوجه فورا الى اصدار كتب تكشف اسوأ ما يمكن ان تتخيله داخل هذه التنظيمات (خذ مثلا ما فعله الخرباوي في كتابيه قلب الاخوان وسرالمعبد) وبعضهم ينحاز بشكل سافر الى الخصوم السياسيين وينقلب على كل ما كان يؤمن به من مبادئ،(خذ مثلا ما فعله الشيخ الهلباوي )،ليس فقط فيما يتعلق بالموقف السياسي ،وانما بالموقف من الحرية والكرامة والعدالة التي لا يكاد يختلف عليها احد .
ليس المقصود الحكم على هؤلاء او محاسبتهم ،فهذ المهمة لا علاقة لنا بها ،وانما المقصود فهم هذه التحولات التي تصيب الشخصية الانسانية وخاصة اذا كانت تمارس عملا عاما او محسوبة على الشأن العام ،ينطبق هذا على السياسي والديني وغيرهما ايضا ،ولعل ما يفعله الديني تحديدا يبدو لافتا وصادما معا ،لان الانطباع الذي يتركه لدى الاخرين ينسحب على الدين على اعتبار ان الشخص كان يمثل قيما تتسامى على المصالح ومواقف متصلة بثوابت الدين وقيمه العالية،وهنا يبدو الانشقاق وما يترتب علية من تحولات عدائية محملا باعتبارات وشكوك وفهومات اخرى، وهي احيانا لا تليق بمن يتبوأ مثل هذه المواقع التي وصل من خلالها الى الناس ثم تبرأ منها حين خرج او استقال منها.
ربما يخطر في البال ان وراء حركة الانشقاق اسبابا تتعلق بالخلافات البشرية او التقديرات الشخصية او الصراعات السياسية او البحث عن مصالح ما او الهروب من ضغوطات معينة او الخروج من الاطر المقيدة داخل التنظيمات لحركة الفكر والابداع والعمل ،كل هذا صحيح،لكن ما هو سر الانقلاب العدائي الذي يدفع الشخصية الى التحول من دائرة (الابناء البررة) الى دائرة (الابناء العاقين) او الاشقاء الاعداء؟ اعتقد ان المسألة تتعلق بطبيعة الشخصية نفسها من حيث وجود هذه القابلية داخلها اصلا ،ولو دققنا في سمات مثل هذه الشخصيات لوجدنا ان سمة التطرف والقلق(سمها الشوفينية ان شئت )اصيلة فيها، ربما تكون كامنة ويجري تصريفها في اطر ضيقة،لكنها جاهزة للانفجار في اية لحظة ،ومطبوعة ايضا على التحول المفاجئ و الانتقال من طرف الى اقصى طرف .
روى لي صديق قصة بسيطة قد تكون دالة على مثل هذه التحولات ، قال: كان احد مشايخنا لا يحب تناول الشاي ،وحين تزوج منع زوجته من ادخال الشاي الى بيته او تقديمه لضيوفهم،وفي احدى المرات خرج مع استاذه في رحلة برية،وكان هذا الاستاذ من هواة شرب الشاي ، فأوقدوا نارا للشوي وبعد ذلك طلب الاستاذ من احد المرافقين ان يصنع لهم ابريق شاي على الحطب ،وقدم للشيخ كأسا، وبعد تردد، خجل ان يكسف استاذه ،فاخذها وشربها ،ثم طلب اخرى ،ومنذ ذلك الوقت ادمن الشيخ على شرب الشاي ،ووضع في حديقة منزله موقدا خاصا لاعداد الشاي ، واصبح الشاي المذموم والممنوع احب المشروبات لديه، قال صديقي: هذا الشيخ كان من اشد التلاميذ التصاقا بحركة ما ثم طلقها وانتقل الى تنظيم اخر،ولم يمكث فيه لسنوات حتى ترك الاسلام وتحول الى طائفة اخرى.
اعرف ان الشخصية الانسانية مطبوعة على الضعف والتحول وعلى النقص ايضا،فالكمال الانساني متعلق بالانبياء فقط،ولكن يبقى ان كل هذا لايبرر ان يتخلى الانسان عن مبادئه وقيمة ولا ان يبيع ضميره ولا ان يتحول في مواقفه من الابيض الى الاسود او العكس، واذا كان التحول الفكري والسياسي مقبولا في دائرة التنوع والاجتهاد وضمن (الاحسان) وعدم نسيان الفضل فيما بين الاطراف التي ارتبطت ببعضها في مرحلة ما فانه يبدو غير مفهوم وغير مقبول حين يشكل انقلابا على المواقف والقيم وحين يتحول الى عداء وشر مستطير.
(الدستور)