jo24_banner
jo24_banner

الربيع العربي.. الفهم السليم وسبل النجاح

د. حسن البراري
جو 24 : حسن البراري- نظم مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية مؤتمره الثالث عشر, بشراكة مع برنامج الحوكمة و الديمقراطية بجامعة جورج تاون, يوم الخميس 3 مايو 2012 في فندق كريستال قايت ماريوت بأرلنغتن ,فيرجينا.

عرفت منطقة الشرق الأوسط خلال مدّة السنة و النصف الماضية تغيرات سياسية و تحولات ديمقراطية أبهرت العالم بأسره و ألهمته, كما أفرزت صعوبات و تحديات جديدة للمنطقة. و إن كان إسقاط نظام إستبدادي يبدو و كأنّه مهمة شاقة إلاّ أنّه أسهل بكثير من بناء نظام ديمقراطي دائم, كما تجلى بوضوح في التحولات التي تشهدها تونس و مصر و أصدائها في باقي أنحاء المنطقة. و لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه المسار الديمقراطي في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا, و إبراز المجالات التي أحرزت تقدما في تعزيز الديمقراطية.


انعقد المؤتمر بعد عام من إندلاع الإنتفاضات الشعبية التي عرفت بـ "الربيع العربي" و كان بمثابة قمة للناشطين و الباحثين والأكادميين و سياسيين و قادة المجتمع المدني, من الولايات المتحدة و الشرق الأوسط و شمال إفريقيا, لتبادل الأفكار و مناقشة ما يمكن عمله لدعم و مساعدة و إنجاح الإنتقال الديمقراطي في العالم العربي. حرص منظمو المؤتمر على منح الفرصة لأكبر عدد ممكن من المحاضرين و المتدخلين الذين يمثلون جل أطياف الرأي, بغرض الإسهام في إيجاد خطاب سياسي بنّاء و تحفيز عملية من شأنها أن تساهم في صياغة السياسات الرسمية لهذه الدول

افتتح المؤتمر الدكتور رضوان المصمودي و الدكتورة تمارا صون رئيس المركز و رئيسة لجنة تنظيم المؤتمر مرحبين بالمشاركين و الحضور و دعوتهم للمشاركة النشطة و الفعالة في إثراء النقاشات حول الموضوعات التي سيتم تناولها

الجلسة الأولى: عناصر التحولات الديمقراطية الناجحة

أدار الدكتور دانيال برومبرغ أحد مستشاري معهد السلام الأميركي وأستاذ في جامعة جورج تاون حوار الجلسة و بدأ بالحديث عن السبل الناجعة لخوض مسار ديمقراطي ناجح قائلا أنه من أجل تأسيس أول مسار للتقدم علينا أن ندرك أن "أي عملية الإصلاح هي عملية منهجية" و يجب معالجتها على هذا النحو. كما حذر أنه "إسقاط نظام قد يكون النصر الذي لا يحقق الانتصارات" إذا لم يتم إيلاء اهتمام خاص ودقيق لإجراء إصلاحات الشاملة تمس مجالات واسعة من الحياة السياسية والاجتماعية في بلدان "الربيع العربي". بالإضافة إلى بناء توافق سياسي و الذي من شأنه أن يكون, على حد تعبيره, ضرورة لاتقدر بثمن لتعزيز الديمقراطية

قدم جايسون غلوك مدير برنامج وضع الدستور بنفس المعهد بحثه على عملية إصلاح أو إعادة كتابة الدستور كما قام بتركيز ملاحظاته على تونس، ومصر، وليبيا، وقال غلوك "ان هذه الدول تواجه تحديات كبيرة في التفاوض وصياغة دساتير جديدة لأنه غاب, كخطوة أولى حاسمة من يتساءل, لماذا؟"هذا سؤال أساسي, على حد تعبيره,و مهم لأنه بمثابة إطار لإقامة توافق في الآراء بشأن المبادئ الأساسية التي توحد بين مختلف الفصائل السياسية في هدفهم لإنشاء نظام سياسي جديد. ففي مصر, على سبيل المثال, فإن السؤال حول ما اذا كان ينبغي أن تكون الانتخابات أو الإصلاح الدستوري الذي يأتي في المقام الأول، والتي وفقا لغلوك هو زلة جسيمة، وهذه مسألة تسلسل واحد و هو أنه لا يمكن معالجتها بدون إجماع على المبادئ الأساسية التي ستوجه العملية الديمقراطية.كما نوه أنالوضع في تونس أكثر إشراقا، وعلى الرغم من أن المجلس التأسيسية ظل يعمل بالأغلبية البسيطة عوضا عن توافق الآراء, و يمكن ملاحظة ذلك في القرار الأخير الذي اتخذته حركة النهضة إلى عدم تضمين الشريعةالإسلامية في الدستور الجديد. وحذر غلوك من التسرع قبل دراسة متأنية لكيفية إشراك المواطنين في عملية صياغة دساتير جديدة.لفت الإنتباه الى هذه النقطة الحاسمة هو ما سوف يذكر صناع السياسة في تونس ومصر وليبيا وغيرها بالمبادئ الشاملة التي تجمع بينهم. وفي النهاية, أكد أنه يمكن أن تكون الطريقة التي تفاوض وتضع بها الشعوب دساتيرها أكثر أهمية من الحقوق المنصوص عليها في تلك الدساتير.


البروفيسور ألفريد ستيبان المنظر الشهير على الديمقراطية والدراسات المقارنة وهو أستاذ للدراسات الحكومية في جامعة كولومبيا درس حوالي 20 حالة من حالات التحول الديمقراطي في جميع أنحاء العالم، وركز في الآونة الأخيرة على تونس ومصر بعد الثورة في عام 2011. في كلمته، أشار إلى تعريفه للتحولات الديمقراطية الناجحة، و هي حسبه مكونة من أربعة شروط: أولا، يجب أن يكون هناك اتفاق كاف على إجراءات انتخاب حكومة تمثيلية وكتابة دستور جديد. ثانيا, يجب أن يكون ثمة حكومة منتخبة من خلال اجراء انتخابات حرة وشعبية، وينظر اليها على هذا النحو من قبل اللاعبين السياسيين الرئيسيين. ثالثا, يتعين على الحكومة الا تتقاسم السلطة مع أي مجموعة غير منتخبة أو الأفراد غير منتخبين (مثل القادة العسكريين أو الدينيين). ورابعا، يتعين على الحكومة أن تتمتع بالسلطة المطلقة في إيجاد سياسات جديدة.في تقدير الدكتور ستيبان, تونس هي أول وحتى الآن الدولة العربية الوحيدة التي حققت كل هذه المراحل، وبالتالي أنجزت بنجاح مرحلة انتقالها إلى الديمقراطية في إطار عام واحد فقط. ومع ذلك خذا لا يعني أن الديمقراطية التونسية تعززت بشكل كاف, كما لا يزال الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في السنوات المقبل.


أكد الأستاذ ستيبان وجوب إيلاء إهتمام خاص لتونس لأن فشل تجربتها من شأنه أن يكون له "أثر سلبي مضاعف". كما أوضح أن مؤشرات النجاح في الوقت الحاضر كانت معالمها موجودة قبل سقوط نظام بن علي, وذلك من خلال الإجتماعات التي كانت تعقد و الإتفاقات التي كانت تبرم بين قوى المعارضة الرئيسية في اليلاد منذ سنة 2003 و التي جعلت للتاريخ السياسي التونسي المعاصر صبغة فريدة من نوعها و أهلها لتكون أول دولة عربية تحقق هذا النجاح. من خلال هذه الحوارات قامت القيادات المعارضة بفعل ما نوه إليه الزميل جايسون غلوك في عرضه, ألا و هو التوصل إلى توافق في الآراء حول الأهداف و المبادئ التي توحد هذه القوى من أجل تحقيق هدفها

هذا التاريخ الثري بمحاولات بناء توافق في وجهات نظر أحزاب المعارضة هو جوهر نظرية الأستاذ ستيبان (توين توليرايشن) و هي وجوب إحترام المؤسسات الدينية للعملية الديمقراطية و في المقابل وجوب إحترام القادة والمؤسسات الديمقراطية للزعماء الدينيين و توفير مساحة أو هامش كافيين لهم و لكافة المواطنين للإنخراط في الحياة السياسية و المدنية. في تاريخ العشرين تحول ديمقراطي التي درسها الأستاذ ستيبان, وجد أن هذه الإجتماعات المتواصلة بين أحزاب المعارضة هي "أحد الإنجازات العظيمة" التي سوف تعطي التونسيين "الرصيد الثقافي و السياسي اللذان يمكناهم من تخطي أسوأ العقبات و التحديات.


سعى السيد ليث كبة مدير البرنامج لمنطقة الشرق الأوسط في الصندوق الوطني للديمقراطية تثبيت كلمته التي تعددت أبعادها بتذكير الحضور بصعوبة السنوات القليلة الماضية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. سلط السيد ليث كبة الضوء على أربعة بلدان: تونس, مصر, ليبيا, و اليمن و هي, في رأيه, الدول التي شهدت تغيير سياسي منذ أحداث "الربيع العربي" أو "الصحوة العربية" التي إندلعت في أوائل عام 2011, على الرغم من إختلاف السياق التاريخي في كل من هذه الدول. أقر السيد ليث ان تونس و ليبيا شهدتا "تغيير حقيقي في هياكل السلطة, المجتمع حر, وهذا يساهم في بناء الدولة و صياغة السياسة في تلك الدولتين". لا يمكن قول نفس الشيء, للأسف, عن مصر و اليمن أين لا تزال مصادر السلطة على حالها مما بجعل التحول الديمقراطي أكثر صعوبة. كما أشار السيد كبة إلى لزوم الأخذ بعين الإعتبار للجهات الفاعلة, سواء كانت داخلية أم خارجية, المؤثرة في كل بلد.


أفضل تقييم للتقدم نحو الديمقراطية في أي بلد، اقترح كبة يكون بالنظر في عدة مؤشرات, مثل وضع الجيش وأجهزة الأمن, في الاقتصاد والذي, في منظور كبة, له أهمية خاصة نظرا للآلام التي أحس بها و هو يرى ثروات وطنه العراق تضيّع من طرف عصابات المافيا نفسها التي دعمت الطغاة القديمة. فيما يتعلق بمؤشرات التقدم في دمقرطة هياكل الحكم، أشار كبة إلى السياسة المحلية باعتبارها عامل مهم في خلق وعي وطني جديد وحيوية سياسية من شأنها أن تتعايش مع التقدم على المستوى المركزي، أو وطني" كل هذه الدول، في نهاية المطاف، يجب أن تكون بقيادة نخبة جديدة، سواء كان ذلك من قبل جيل الشباب أكثر تمكين في الأحزاب السياسية أو في المؤسسات الاجتماعية". وهذا واقع يمكن أن يتم التوصل اليه من خلال إنشاء معاهد أبحاث مستقلة والمنظمات ودعمه.



الجلسة الثانية: تأثير الربيع العربي الإقليمي و العالمي



ترأس هذه الجلسة الأستاذ ريتشارد مارتين (جامعة إموري) و رضوان زيادة باحث في كلية كنيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفرد و الذي تحدث عن مركزية سوريا في المنطقة و أكد أن هذا العامل كان السبب الرئيسي لإستفحال العنف و الإضطراب الذي تشهده سوريا اليوم. في تقييم السيد زيادة, كان الثوار السوريون يقارنون أنفسهم في بادئ الأمر بالتونسيين و إنتفاضتهم السلمية و الشعبية, ثم قارنو أنفسهم باليمنيين عندما بدأت قوات أمن بشار الأسد في إستعمال العنف ضد المدنيين, لكن عندما إستمر العنف و اشتد قارن الثوار السوريون أنفسهم بالليبيين. الآن, في غياب قوات دولية و دعم دولي لحماية المدنيين من العنف الذي تمارسه الدولة, أدرك السوريون أن وضعهم مختلف عن الوضع في تونس و مصر و اليمن و ليبيا, و رأوا أن تجربة البوسنة هي المقارنة الأنسب مع وضعهم. في رأي السيد زيادة, هناك أربع نقاط حرجة تبرز أوجه التشابه بين الأزمة البوسنية في آخر عشرية من القرن العشرين و الوضع السوري الحالي, و هي مواقف المجتمع الدولي, و إنخفاض نسبة الدعم لمجلس المعارضة السورية و الارتفاع في دعم المنشقين عن الجيش, طبيعة القتل و منهجية العنف الممارس, و أخيرا مواقف الإدارة الأمريكية إزاء الأزمة.


و قتل أكثر من 15000من المدنيين حتى الآن,مع أكثر من 30000 من السجناء السياسيين الذين لا يزالون قيد الاحتجاز، والأرقام تشبه أرقام التجربة البوسنية في وقت مبكرللأزمة,و هذه أرقام يجب أن تكون غير مقبولة بالنسبة للمجتمع الدولي، على الرغم من أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ثبت,لسوء الحظ, كونه دون جدوى في الحيلولة دون تصعيد العنف بسبب المصالح المتنافسة للدول الأعضاء الدائمة وهما روسيا والصين. لا يجب التعويل على هذه الهيئة الدولية، وبالتالي فإن الهدف الرئيسي و أولوية مجلس المعارضةالسورية في الوقت الراهن هو "إنشاء منطقة آمنة بينا لحدود السورية - التركية" لتوفير الحد الأدنى من الراحة للمدنيين النازحين الذين يفتقرون إلى الخدمات.


قدم برايان غريم من مركز بيو للأبحاث نتائج تقرير "إرتفاع القيود المفروضة على الدين" الذي يفحص التغيرات في كلا من المجتمع السياسي و المدني و الإرتفاع الملحوظ في فرض قيود متزايدة على حرية الدين و الإعتقاد في جميع أنحاء العالم. خصص قسم من هذه الدراسة للنظر في السياسات الوطنية و المحلية التي تقيد التعبير الديني, إذ أن " العديد من القيود لها مصادر محلية و لا تصدر عن الحكومات المركزية و التي تفتقد في بعض الأحيان إلى التحكم الكامل في الأوضاع داخل حدودها". و من المثير للإهتمام أن تقريبا ثلث البشرية تعيش في بلدان عرفت إرتفاع كبير في القيود المفروضة على حرية الدين بين عامي 2006 و 2009. و عند تسليط الضوء على منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا, نجد أن القيود و المضايقات لا تقتصر على الأقليات الدينية مثل المسيحيين و اليهود, بل تطول الأغلبية المسلمة كذلك.


في السنوات التي سبقت "الربيع العربي" أظهر غريم أن المستويات العالية للعداء الإجتماعي إنخفضت و ذلك تزامن مع تزايد القيود التي فرضتها الحكومات على الدين, و إعتبر ذلك من العوامل التي ساهمت في تعزيز التضامن في الإنتفاضات التي هبّت على المنطقة و أدت إلى نجاحها. و أفاد كذلك أن 75% من حكومات المنطقة إستعملت العنف للسيطرة على الجماعات الدينية. و سعيا منه لإستكشاف أسباب هذه الإحصاءات المروعة ذطر غريم 3 أسباب محتملة: إنعدام نصوص دستورية تحمي حرية الإعتقاد أو تواجد تناقصات في تلك التي تغطي هذا الجانب, قوانين الردّة و الكفر و القذف, و أخيرا العلاقة بين القيود الحطومية المفروضة على حرية الإعتقاد و العداء الإجتماعي الذي تفرزه الأوساط المتعددة الديانات

حثّ غريم وفد المجلس الوطني التأسيسي التونسي الحاضر في المؤتمر, و كل سياسيي المنطقة الذين هم بصدد إعادة كتابة دساتير بلدانهم على جعل التنصيص على حماية حرية الإعتقاد و المجموعات الدينية من أهم أولوياتهم.


قدّمت كارول ميرفي خبيرة السياسة العامة في مركز وودرو ويلسون عرضا على وجهة نظر دول الخليج، بالأخص المملكة العربية السعودية, اتجاه الصحوة العربية أو الربيع العربيوالنظام السياسي الناشئ عنها. وصفت ميرفي موقف السعوديين بكونه متردد جدا, بما أن السعودية محاطة بالدول -البحرين وسوريا -التي هي إلى حد كبير لا تزال تشهد اضطرابات وعنف تمارسه الدولة, وظهور العديد من أشكال الإسلام السياسي التي ترمي إلي ما لا يخدم مصالحها وحساسياتها, بما في ذلك حزب السلفية "النور" في مصر. "الآن يقال أحيانا أن الرياض تقود ثورة مضادة على الصحوة العربية ...وأنا لا أرى ذلك", وقالت ميرف"و أود أن أقول أن وصف المملكة العربية السعودية على أنها تساعد أو تحاول إدارة الصحوة العربية هو وصف أكثر دقة.


وأوضحت ميرفي أن السعودية ترى و تبذل كل ما في وسعها لعزل الخليج عن رياح التغيير التي جاءت بها أحداث الربيع العربي أو الصحوة العربية. و الدليل على ذلك هو تدخلها العسكري لقمع المحتجين في البحرين, و محاولتها إقناع الجامعة العربية بدعم تدخل الناتو في ليبيا. يبدو أن المملكة العربية السعودية تسعى للتوفيق بين عقليات وسياسات دول الخليج، وخلق جبهة موحدة, وربما حتى النظر في " إيجاد اتحاد بين المملكة العربية السعودية والبحرين, كخطوة أولى" لخلق فيديرالية أو تحاد لدول الخليج. أوضحت ميرفي أن الثورات العربية ليست هي السبب الوحيد لهذه السياسات السعودية الجديدة بل أن المملكة العربية السعودية تدرك تماما "القدرة المتضائلة للولايات المتحدة على التأثير في الأحداث في المنطقة", الشيء الذي حاولت تعويضه بزيادة في مشتريات السلاح والحديث عن اتحاد بين دول الخليج. وبالإضافة إلى هذه التغيرات في السياسات الخارجية,نوهت ميرفي أن هناك مناقشات صارمة جدا داخليا سبقت الصحوة العربية, والتي لا تزال تجري في مختلف مواقع و وسائل الاعلام الاجتماعية". و أكدت أن المجتمع السعودي لا يزال محافظ جدا, وأنه ليس هناك في الواقع سوى شريحة صغيرة من النخب -سواء العلمانيين أو الإسلاميين-الذين تم ألهمتهم الثورات العربية والقوة الدافعة الناجمة عن الصحوة العربية.


و ركزت أيلين اونفر نوي أستاذة مساعدة في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة قديك التركية خطابها على موقف تركيا من المشهد المتغير في الربيع العربي, لا سيما في محادثة مع التغيير في العلاقات مع دول مختلفة في المنطقة. وأوضحت نوي أنه, خلال العقود القليلة الماضية، ركزت تركيا على تحسين وتطبيع علاقاتها مع جيرانها, وجرى هذا مع سوريا وإيران والعراق, وتعهدت بتحسين العلاقات عن طريق إزالة شروط الحصول على تأشيرة وإقامة مناطق للتجارة الحرة مع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط. إتخذت تركيا مواقف متباينة منذ إندلاع ثورات الربيع العربي, فبينما دعمت و تضامنت مع حركات التغيير في كل من تونس و مصر و سوريا, أظهرت ترددا و تحفظا اتجاه نظيراتها في ليبيا و اليمن. و هذه التطورات الإقليمية تدل على أنه, إلى جانب المحورين السعودي و الإيراني, حان الوقت لإفساح المجال لمحور ثالث في المنطقة تقوده تركيا التي تحاول بوضوح فرض نفسها كقوة إقليمية. و الأهم من ذلك, وصفت نوي القوى الناشئة التي تتنافس على إعادة تنظيم منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا عبر تحالفات جديدة و مختلفة,و أطلقت نوي الأسماء الآتية على تلك التحالفات: "معسكرات المقاومة السنية" و "المعسكرات المساندة لفلسطين" و "المعسكرات التي تتبنى النماذج الإقتصادية الغربية" و غيرها.




جلسة الغداء: الآفاق المستقبلية للإسلام و الديمقراطية بعد الربيع العربي




أدار الدكتور رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية جلسة الغداء حيث رحّب بالوفد المتكون من أربعة أعضاء منتخبين للمجلس الوطني التأسيسي التونسي المكلف بصياغة دستور جديد للبلاد. تناول أعضاء المجلس التأسيسي الممثلين لمختلف أطراف و لجان التحالف الحكومي موضوع التقدم المحرز في عمل المجلس و خطط عملهم المستقبلية


إفتتحت السيّدة محرزية لعبيدي نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي النقاش بملاحظات حول التاريخ الفريد لتونس بقولها أن تونس "بلد إستثنائي". في حديثها عن دور الدين في المجتمع التونسي, أوضحت أن الإسلام حل بتونس "لا عن طريق الجيوش العسكرية بل عن طريق جيوش العلماء", و هذه خصوصية تونسية أطّرت تاريخ البلاد الثقافي و السياسي ترتكز على أسس الإبداع و العلم. أمّا فيما يخصّ وضع المرأة و توفير الحماية المتساوية للأديان في ظل القانون, لفتت السيدة لعبيدي الإنتباه إلى قضيتي عقد الزواج القيرواني من عشر قرون مضت, و مقالة أحمد بن ضياف حول الحماية المتساوية للجميع في أوائل القرن التاسع عشر. هاتين الحالتين تمثلان نبذة صغيرة عن مجرى التاريخ التونسي المليء بنماذج المساواة و التقدم. بناءا على هاذين المثالين و غيرهما صرّحت السيدة لعبيدي أن "التونسيّون ورثة هذه الجهود و التقاليد" و عليهم أن يرتقوا إلى مستوى هذا التراث الملحوظ لتعبيد الطريق أمام الجهود العربية الديمقراطية التي تعرفها المنطقة. إختتمت السيدة لعبيدي بقولها أن هؤلاء العلماء التونسيون و التشريعات المعلمية يحددون إطار الإتفاقات الحالية التي تجمع الناس تحت لواء إحترام حقوق الإنسان, و الهوية العربية الإسلامية, و الحريات الدينية, و حقوق المرأة.و هذا يجعل التونسيين يتناولون مشروع إعادة كتابة الدستور الجديد في حين إمتلاكهم هذا التراث الثري


تلى السيدة العبيدي السيد المولدي الرياحي رئيس كتلة حزب التكتّل في التحالف الوطني التونسي حيث ركز على الأهداف الرئيسية لحكومة الائتلاف الثلاثي. وأوضح الرياحي أن توحد الرغبة في خلق والحفاظ على هذا التحالف ناجم عن أولئك الذين طالما مثّلوا المعارضة الحقيقية للحكم الاستبدادي لنظام بن علي, والذين توحّدوا وفقا لمبادئ وتطلعات مشتركة من المثل الديمقراطية الأساسية. لاحظ الرياحي أن التحالف في الوقت الحاضر والمعارضة داخل المجلس الوطني التأسيسي التونسي, في حاجة لإيجاد توافق في الآراء والعمل بروح من الوحدة الوطنية, بدلا من التحزب. مضيفا أننا "وعدنا الشعب التونسي على السعي لإكمال هذه الفترة الانتقالية من ديمقراطيتنا الناشئة خلال عام او عام ونصف العام, على أبعد تقدير". وقال الرياحي المضي قدما في بناء توافق واسع وسياسي حقيقي والعمل على بناء دستور نابع من تظافر جهود جميع التونسيين سيكون فخرا للجميع. بدأت جميع أحزاب الائتلاف من منصة مشتركة تغطي مجالات مثل "كيف ننظر إلى الديمقراطية, والهيئات التأسيسية, وفصل بين السلط, والعلاقات بين مختلف الفروع, و الضوابط والموازين اللازمة بين الفروع المختلفة, والحقوق المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية. وقال الرياحي أن هذه المعتقدات الأساسية هي التي تربط بين أطراف التحالف, وسوف تكون بالتأكيد بمثابة الأساس لإنشاء نظام ديمقراطي جديد


زياد الدولاتلي عضو اللجنة التنفيذية لحزب حركة النهضة وعضو المجلس الوطني التأسيسي التونسي بدأ بالإعراب عن سعادته العميقة لتلقيه فرصة الحضور في هذا المؤتمر, ولا سيما في أنه فقط بسبب تغيير النظام في تونس.بعد ان قضى16 عاما في السجن, 12 منها في الحبس الانفرادي, تعهد الدولاتلي بأن لا حزبه ولا المجلس الذي يمثله يسمحا أبدا لمثل هذه الديكتاتورية في الظهور مرة أخرى.


و عبّر عن احترامه العميق وتقديره لدعم الاصدقاء في جميع أنحاء العالم, ولا سيما الولايات المتحدة, وذكر أن تونس بأمسّ الحاجة لعلاقات استراتيجية مثل هذه حتى يتسنى لها إعادة بناء نفسها. في عام 1981 عندما تمّ تأسيس حركة النهضة كقوة سياسية, ردّ رئيسها, راشد الغنّوشي, على تساؤلات عدة حول إستعداد النهضة لقبول الهزيمة في الإنتخابات قائلا أن الحركة متمسكة بقبول و إحترام إرادة الشعب و ستخضع دائما لأي مسار ديمقراطي, و هذا " ما يميز جوهر حزب النهضة". كما أشار أن النهضة كانت أول حزب إسلامي يقر بإيمانه بالتعددية الديمقراطية و حقوق الإنسان و إخضاع نفسه للعملية الديمقراطية. إختتم السيد الدولاتلي بقوله أن الأهداف الرئيسية لحزب حركة النهضة في هذه المرحلة من تاريخ تونس هي تنفيذ عفو عام و إيجاد عدالة إنتقالية, و ستستمر هذه الأهداف في تمييز توجه الحزب لبناء توافق في الآراء و رسم مسار جديد للسياسة التونسية



تحدث بدر الدين عبد الكافي عضو في المجلس الوطني التأسيسي و مساعد رئيسه مكلّف بالعلاقات مع المجتمع المدني عن تاريخه الشخصي كناشط شاب و أحد القيادات الشبانية و دعى إلى إحترام حقوق جميع التونسيين على أساس المساواة و بموجب القانون. و أشار إلى أن السؤال الرئيسي المطروح على الساحة التونسية اليوم يتعلق بالإطار الزمني لكتابة الدستور, و لكنه يعتقد أن السؤال الأهم يتعلق بطريقة و طبيعة كتابته, أي "كيف ستتم كتابة الدستور". و أعتبر أنه من المهم أن تعزز العلاقات مع المجتمع المدني و في أقرب الآجال, لا سيما في عملية كتابة الدستور الذي من شأنه أن يمثل كل المواطنين, بما فيه المجتمعين السياسي و المدني. و صرّح أنّه هناك "أقلّية في تونس تعتقد أن الإرادة الجماعية للمجتمع المدني تلغي قرارات الهيئة المنتخبة و الشرعية (المجلس الوطني التأسيسي)" و أوضح أن هذا الإعتقاد "غير مرغوب فيه" و لفت السيد بدر الدين الإنتباه إلى جهوده الرامية إلى خلق علاقات وطيدة مع المجتمع المدني من أجل الوصول إلى تمثيلِ أفضل لأصواتهم المتنوعة في عملية صنع القرار


الجلسة الثالثة: الإسلام و التحولات الديمقراطية




أدارت أسماء أفسرو الدين رئيسة مجلس إدارة مركز دراسة الإسلام والديمقراطية وأستاذة في جامعة إنديانا هذه الجلسة مع التركيز على وجهات نظر متعددة تتعلق بالأطراف الفاعلة التي بإسم الإسلام تعاملت مع تحديات متعددة من التحولات الديمقراطية



بدأ جون فول أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة جورج تاون كلمته بتذكير الحضور بأن واقع الشرق الأوسط آخذ في التغير, و أن "المصطلحات والتصورات المستخدمة لوصف المنطقة, يجب أن تتغير أيضا", لأنها لم تعد تناسب المشهد. نقلا عن تشارلز تيلي, أكّد فول أنه لقد وقعت "تغيير دراماتيكي في الذخيرة, و حاوية الأدوات من آليات المعارضةفي منطقة الشرق الأوسط و هي تستمر في التبلور". هذا يعني أن المجتمع المدني في حد ذاته هو في تغير مستمر, و هو يفرز قادة جدد وطرق جديدة للانخراط في السياسة. من خلال سلسلة من الصور الفوتوغرافية ولوحات من مظاهرات مختلفة على مر القرون (فرنسا القرن 18, السير إلى واشنطن في 1963) أثبت فول أن التظاهر والاحتجاج تمت إعادة بعثه في القرن 21, لا سيما من خلال نصب الخيام و إحتلال المتظاهرين لمساحات عامة لعدة أيام, وعقلية عامة من "المزج بين المجتمع السياسي والمدني...وهذا يختلف عن الطريقة القديمة. و "علاوة على ذلك, أشار فول إلى أن " الوجه جديد" للحركات المعاصرة ليس مشحوناَ عقائديا مثل وجوه قديمة كآية الله الخميني أو جمال عبد الناصر, وانما هي وجوه أكثر شعبية, بما في ذلك فناني موسيقى الهيب هوب الذين قدموا "موسيقى تصويرية للثورات, و كذلك النساء كعناصر فاعلة جديدة وقوية وناشطة.أكد فول أن "المناقشات الجديدة في حاجة إلى التعرف على طبيعة جديدة لكيفية التعبير عن و طرح الأهداف, ونخبة سياسية جديدة تشمل النساء, والشباب, وكذلك الرجال و الشيوخ





سعت جوسلين سيزاري أستاذة في جامعة الدفاع الوطني إلى تقديم وصف أكثر دقة للعلاقة بين الإسلام ومؤسسات الدولة, في الماضي والحاضر. وأوضحت أنه على الرغم مما تتسم به العلاقة عادة على أنها حركات معارضة تستخدم الإسلام في صراعها ضد الدولة العلمانية, إلا أنه تبين البحوث "أن عملية بناء الدولة أثرت بالفعل وسيطرت و أعادت تعريف الإسلام كجزء من مؤسسات الدولة. علاوة على ذلك, "الإسلام السياسي", كما يتم فهمه غالبا, لم يبدأ مع الإخوان المسلمين, بل بدأ مع ظهور الدولة القومية, حيث آثرت المؤسسات والأعراف الاجتماعية مفاهيم معينة للدين والتدين على مفاهيم أخرى, كما ثبت من خلال حالات تاريخية متعددة, كما هو الحال في تونس, وتركيا. وأوضحت سيزاري أن "بناء هوية وطنية يسير جنبا إلى جنب مع موقف الإسلام كعنصر أساس", والذي لم يكن عليه الحال في وقت ما قبل العصر الحديث حيث كانت الامبراطوريات متعددة الجنسيات. هذا يعني أن الحركات المعاصرة في منطقة الشرق الأوسط هي منتجات لظواهر سبقتها. المجلس الوطني التأسيسي التونسي الحالي, على سبيل المثال, في اتخاذ قراره للحفاظ على المادة الأولى من الدستور والحكم على أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسلما, يتصرف ضمن حدود المؤسسات والقواعد التي كان معمولا بها من وقت بورقيبة, الذي لم يكن نفسه اسلاميا ولكن مع ذلك استعمل الدين في بناء مؤسسات الدولة. شددت سيزاري على ضرورة تجسيد وإضفاء الطابع الرسمي على الإختلاف في الدساتير القادمة, وبالتالي خلق مشاريع اجتماعية جديدة, وفضاءات للأنشطة الدينية والسياسية

قدم جون كيرتز أحد المستشارين الفنيين للأبحاث و التقييم في منظمة ميرسي كوربس بحثا أجرته منظمته عن تأثير زيادة المشاركة المدنية للشباب في منطقة الشرق الأوسط, و التي سوف تستخدم في البرامج و المبادرات المستقبلية التي ستجريها المنظمة. نتائج هذا البحث تبين أن المشاركة المدنية الأكبر تمكن الشباب من تحقيق نتائج كالحصول على صوت سياسي مسموع على المستويين المحلي و الوطني, و جمع رصيد إجتماعي أكبر, و قابلية أكبر للتشغيل. الإستنتاج النهائي من هذا البحث هو أنه عبر المساهمة في المبادرات و المشاريع المحلية, يجهز الشاب نفسه و يكون على استعداد لإيصال صوته السياسي. هذه الفئة الشبانية هي أربع مرات أكثر عرضة لملاحقة خيارات عمل مبتكرة, و ممكنة من البدء في إنشاء الأدوات و الرأسمال الإجتماعي اللذين يتيحان لهم الفرصة كمواطنين في الدولة الجديدة

قدم ديفيد وارن مرشح الدكتوراه في جامعة مانشستر نظرة مقنعة في تأثيرات وانعكاسات بارزة للداعية الإسلامي يوسف القرضاوي في نقاتشات الساعة التي تهتم بموضوع خلق الأنظمة السياسية التي تحترم المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.واوضح وارن الطرق التي تصور بها القرضاوي المصطلح الإسلامي الكلاسيكي "الأمة", والذي, تقليديا, يشير إلى مجتمع مسلم. واضح, في كتاباته، أن القرضاوي استشهد بالنموذج الاسلامي للمدينة المنورة, حيث استند تعريف "الأمة"على الجغرافيا, أي المكان الذي تعيش فيه, والروابط الخاصة التي تربطك بهذا المكان, وليس على الدين. ثم استكشف وارن تعريف القرضاوي واستخدامه لمصطلح "إسلامي", الذي كان من الواضح جدا أنه لا يشير إلى شيء ما "مسلم في حد ذاته أو فقط للمسلمين, بل قد يعني أيضا شيء من الممكن أن يكون مسيحيا أو علمانيا, على سبيل المثال, يحدث ذلك للتماشى مع المبادئ العامة المحددة في فهم القرضاوي للإسلام



بناء على كتابات القرضاوي على وضع المسلمين في الغرب, وعلى المنشورات التي قدمها مؤخرا و التي كانت مواتية للعلمانية والتي حملت في مضمونها أن العلمانية ليست فقط مفهوما مقبولا, بل هو مفهوم "إسلامي". وارن يفترض القرضاوي واحدا من العلماء الأكثر احتراما على نطاق واسع,تعاليمه يمكن أن يكون لها تأثيرات عميقة على إعادة تشكيل النظم السياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط اليوم. وعلاوة على ذلك, استخدام يوسف القرضاوي المتكرر للأمثلة الإسلامية المبكرة كحالات يجعله "يبدو أكثر واقعية, وأيضا أكثر إقناعا على السلفيين, الذين يتخذون نهجا أكثر حرفية للمصادر والتراث الفقهي"و بذلك يكون لكتاباته تأثير أوسع بكثير. وفر وارن نظرة ثاقبة حول النقاشات الغنية لعالم للدراسات الاسلامية التي قد تأطر طبيعة الدساتير والهياكل السياسية الجديد.


سلطت شادي مختاري أستاذة مساعدة في كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية الضوء على الظواهر الجديدة الأكثر إلحاحا وغير العادية التي وصلت إلى النور منذ بداية عام 2011 والربيع العربي/الصحوة. قبل الربيع العربي, كما ذكرت مختاري, كان هناك اتجاهين متضاربين حتى الآن يتعلقان بخطابات و نماذج حقوق الإنسان, وهما "الإستعمال كأدوات, والاعتماد", وكذلك الخطاب أن حقوق الإنسان هي مجموعة من القيم التي يفرضها الغرب ولذلك يجب رفضه.و أشارت مختاري إلى تحديات كبيرة وذات صوت مسموع تواجه الخيار المشترك لحقوق الإنسان من خلال قنوات مختلفة, من بينها "ارتفاع الخلاف العام حول اضطهادالحركات الاحتجاجية و استعمال هذه الأخيرة إطار حقوق الإنسان للدفاع عن نفسها وتحديد مفهوم له من حيث الوضعية التي تبني قواعد جديدة من خلال زعزعة استقرار الأعراف القديمة. لاحظت مختاري الكيفية التي تحدت بها حركات الربيع العربي هياكل القوة الدولية بشكل غير مسبوق. على مستوى أكثر ارتفاع, دُفعت الدول العربية, عن طريق جامعة الدول العربية, مؤخرا لتكون أكثر نشاطا وان تنتقل الى العمل. وهي الظواهر, في رأي مختاري, قد تكون وسيلة ممتازة وخلاقة لخلق"فرص جديدة للنشاط". هذه التطورات في مجال حقوق الإنسان ليست اعتمادات جملة من النماذج القائمة, بل خطاب آخذ في التوسع في مجال حقوق الإنسان مع توسعات جديدة ومعاني جديدة.




الجلسة الرابعة: التحديات التي تواجه دول المنطقة


أدار هذه الجلسة السيد عبد الوهاب الكبسي المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في برامج مركز المشروعات الدولية الخاصة و قدّم خلالها لمحة عامة حول المتدخلين و خلفياتهم و ملخصات للمواضيع التي كانوا ينوون تناولها


وناقش الدكتور أنور هدام رئيس و أحد مؤسسي الحركة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية في الجزائر "الإصلاحات السياسية التجميلية"التي أقيمت في الجزائر كوسيلة لقمع انتفاضات شعبية قبل أن تصبح تهديدا كبيرا للنظام. وقال هدام "بالرغم من ذهاب الديكتاتورية إلا أن النظام, في الواقع, لا يزال قائما" وهذه مشكلة مستمرة في الجزائر والتي جعلت من الصعب للغاية أي موجة من الاحتجاجات والمظاهرات أن تنجح. و في حديثه عن الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 مايو, وصف هدام جوا من التشكيك والإحباط العام و الساحق الذي قد يؤدي إلى مقاطعة هذه الانتخابات. بالنسبة لهدام, فإن المشكلة الرئيسية في الجزائر هي العلاقة المدني والعسكري, التي كانت سببا لصراعات الماضي على مدى السنوات ال 50 الماضية, فضلا عن التحديات الراهنة التي تسدّ طريق إصلاحات حقيقية. بسبب المقاطعة الجماعية المتوقعة للانتخابات المقبلة, هدام يقول ان الجزائر يمكن ان تصل الى طريق مسدود, و لذلك ستنعقد قمة لزعماء المعارضة الجزائرية في الأيام القليلة المقبلة تأمل في إعادة تنظيم قواها واقتراح خطة شاملة لإصلاحات ديمقراطية من شأنها أن تكون جذابة على حد سواء إلى الشعب الجزائري ومقبولة للنظام العسكري الحالي

و ركّزت مداخلة ماريا ماروفيتش مؤسسة مركز البلقان لمنطقة الشرق الأوسط على موضوع ساخن في الشرق الأوسط المعاصر ألا و هو التساؤل عن أفضل طريقة لإصلاح القطاعات الأمنية في بلدان الربيع العربي. قامت السيدة ماروفيتش بالرد على هذا السؤال من خلال إتخاذها لمصر كمثال لتبين التحدبات التي يمكن مواجهتها و الحلول المقترحة. نظرا لامتيازات خاصة ومكانة تلك الجيوش وغيرها من الجهات الفاعلة في القطاع الأمني في البلدان الإستبدادية في الماضي, وموقفها ودورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ينبغي في مرحلة ما بعد الثورة أن يُنظَر إليها كإحدى أكبر الحواجز التي تعرقل مسار الإنتقال الديمقراطي و أكثرها تدميرا. و أوضحت ماروفيتس أنه في السياق المصري, الجيش فاعل سياسي رئيسي, و هو على هذا الحال منذ تأسيس الدولة الحديثة. على مدى فترة طويلة من الزمن و الجيش "يشارك في السلطة التنفيذية و حاليا هم القائمين على العملية الانتقالية" و ذلك يكرس المزيد من تأثير الجيش المباشر والكبير على الحياة السياسية المصرية. عرقلة الجيش المصري لعملية إرساء الديمقراطية في البلاد هو نتيجة مباشرة "للدور السياسي الذي لعبه" في إدارة شؤون البلاد و "المصالح الكبيرة التي يملكونها في الإقتصاد المصري". لمعالجة العلاقة الصراعية الفترية بين سلطة الجيش و القوى الشعبية التي تطالب بحكم مدني ديمقراطي, طرحت ماروفيتش نظرية "الجيل الأول من الإصلاحات", والتي تجادل في الأساس ضرورة "التنصيص على توازن جديد للقوى بين النخب السياسية الجديدة و القطاع الأمني في الإطار التشريعي" و يجب أن يتزامن ذلك مع "عدم تسييس القطاع الأمني". و في الختام توجهت ماروفيتش بكلامها إلى المجتمع المدني الشرق أوسطي حاثة إيّاه أن يعمل على تحقيق هذه الإصلاحات و إن كان ذلك خارج المرحلة الإنتقالية

قدم سيث راو الباحث في معهد القيادة العالمية في جامعة تافتس بحثه الذي أجراه في تونس في العام الماضي لمناقشة الاقتصاد المتداعي والتحديات التي قد تلحقها بالعملية السياسية الديمقراطية. قال راو انه بالرغم من ان هناك الكثير من الحديث عن مبادرات مختلفة لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد, إلا أنه لم نرى متابعة جيدة. رغم أن تونس قد حققت أداء جيدا نسبيا بالمقارنة مع غيرها من الدول العربية التي شهدت الاحتجاجات والانتفاضات التي سادت خلال العام والنصف الماضية, خاصة عندما يتعلق الأمر با لشركات والاستثمارات الأجنبية. بطء الحركة السياسية يسبب بعض القلق كذلك. قلق آخر يأتي من العلاقة بين النخب السياسية و النقابية في البلاد (الإتحاد العام التونسي للشغل). نتيجة لضغوط في هذه العلاقة, كانت هناك العديد من الإضرابات والمظاهرات التي عثرت الحركة داخل وحول تونس. فهم أن هذا قد يستغرق وقتا, وسياسة الحكومة التي يمكن سنها و بسرعة, وفقا لراو, هي تسهيل شراء الأراضي و قوانين الملكية للوصول في المناطق الواقعة خارج العاصمة. هذا "من شأنه أن يشجع المزيد من المستثمرين الاجانب للاستثمار في أجزاء أخرى من البلاد, حيث هناك الكثير من العمال والموارد الطبيعية". المشكلة الحقيقية في تونس في الوقت الراهن, في نظر راو, هي في مناطق البلاد الداخلية والتي تم تجاهلها في ظل نظام بن علي و التي هي متخلفة بعنف بالمقارنة مع العاصمة تونس, بالمقرنة مع غيرها من المدن الساحلية. راو يرى إمكانية أكبر لتحفيز الاقتصاد في المناطق الداخلية في مجالات تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات, و يرجع ذلك إلى ال شبكة الواسعة للغاية من الاتصال بالإنترنت في جميع أنحاء البلاد مما يجعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ممكنة في أي مكان



فضّل الدكتور
دانيال سيروير
أستاذ و باحث في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكينز الخروج عن موضوع ورقته و الردّ على تصريحات رضوان زيادة التي شبه فيها الوضع السوري بالبوسنة في العقد الأخير من القرن الماضي, و حث فيها الولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل عسكريا في سوريا و طالب بإيجاد مناطق آمنة على الحدود مع تركيا. و أشار سيرور أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتدخل في البوسنة إلا بعد 3 سنوات و أن فشل المناطق الآمنة في البوسنة كان سبب تدخل الولايات المتحدة لأن, في رأيه, المناطق الآمنة توفر ميدان قتل سهل للنطام العنيف. مضيفا أن أسباب التردد الأمريكي عديدة و كلها نابعة من خوف أمريكا من إمتداد اللا إستقرار إلى الدول المجاورة. كما صرّح أن "أمريكا لا تريد الخوض في مشروع إعادة بناء دولة", لا سيما عندما يبدو أن المغتربين السوريين ليس بحوزتهم خطة توافقية لأي مرحلة إنتقالية و ما يليها. للتفاوض حول إتفاق كهذا, إقترح سيرور, التفكير " من على المدى الطويل الى الوراء, وليس من الآن إلى الأمام" لضمان الإستقرار و الضمير الأريح خلال هذه العملية





الجلسة الختامية: كيف يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي دعم الديمقراطية العربية؟



قاد توني سوليفان عضو مجلس إدارة مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية هذه الجلسة الختامية للمؤتمر بروح من الدعابة وملاحظات مدببة. حيث رحب بـ وقدم كل من المتدخلين الثلاثة, ومهدت الطريق لنقاش حار و عميق


بدأ السفير محمد صلاح تقية سفير تونس لدى الولايات المتحدة الأمريكية خطابه بذكر المؤتمر السنوي السابق لمركز دراسة الإسلام و الديمقراطية, الذي حاول التقاط وفهم ما حدث في تونس ومصر وتقييم آفاق المستقبل. هذا العام, قال السفير تقية "في تونس, يمكن القول إن آفاق الديمقراطية مشرقة", مشيرا إلى الإنجازات الانتخابية والتشريعية التي تحققت على مدى السنة والنصف الماضية,وأعرب تقية عن فخره العميق على قدرة المجلس الوطني التأسيسي على انتخاب رئيس, رئيس للوزراء, ورئيس التحالف الوطني كل من حزب سياسي مختلف, ويمثل تنوع الآراء السياسية في البلاد التي لا تزال مع ذلك ملتزمة بهدف إرساء الديمقراطية الحقيقية. وقال تقية "بعد تسعة أشهر من الثورة, تونس قد انتقلت من نظام يخضع لرقابة مشددة إلى نظام لتقاسم السلطة", وهذه بالفعل خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح.

مرددا تصريحات المتحدثين السابقين, لاحظ تقية أن الوضع الاقتصادي الذي تواجهه تونس في الوقت الراهن مقلق, خاصة عندما يتعلق الأمر بـ "التوقعات العالية في أعقاب الثورة, وخاصة النساء و الشباب التونسي". فيما يتعلق بفرص العمل والاقتصاد

وقال تقية "لتحقيق هذه الغاية, يجب أن تعمل تونس على بناء قدراتها الذاتية لمعالجة قضاياها المحلية بطريقة نشطة ومستقلة", ولكن تونس تعتمد أيضا "على أصدقائها وشركائها لمرافقة الجهود التي تبذلها والمساهمة في التحول الناجح فيها الى الديموقراطية".

أكد كذلك على أهمية نجاح تونس في التحول الديمقراطي لإعطاء مواطنيها الكرامة والحرية التي من أجلها ناضل بشجاعة, و مهدت الطريق لبقية منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا


شدد السفير وليام تايلور المنسق الخاص للانتقالات الديمقراطية الشرق أوسطية في وزارة الخارجية الأميركية على إعجاب الحكومة الأمريكية بـ و دعمها للتجربة التونسية, والتي أدت بوزيرة الخارجية كلينتون لإنشاء مكتب في وزارة الخارجية يعمل خصوصا على دعم التحولات الديمقراطية في تونس, ليبيا, ومصر. لتقديم نظرة عامة و على أفضل وجه ممكن, قدم السفير تايلور مشاريع ملموسة في الولايات المتحدة الذي يتم حاليا سنها أو من شأنها أن تبدأ في الأسابيع القليلة والأشهر المقبلة, خصوصا في مجالات المساعدات المالية من أجل تقديم الدعم الفوري والأكثر فائدة لمعالجة احتياجات قصيرة الأجل للحكومة التونسية. الوكالة الأميركية للتنمية الدولية, على سبيل المثال, نفذت عملية نقل 100مليون دولار للحكومة التونسية للمساعدة في دعم ميزانية اهتمامات ومصالح الحكومة التونسية. في فصل الصيف, قال تايلور "ان الولايات المتحدة سوف تكشف النقاب عن خطط لضمانات القروض لحوالي 300مليون دولار, لتمكين ميزانية الحكومة التونسية على أن تكون متوازنة".

فيما يتعلق بالوصول إلى رأسمال أكبر, اوضح تايلور ان الولايات المتحدة تخطط لإنشاء "صندوق للمشاريع", و هو صندوق لحكومة الولايات المتحدة الذي سيتألف من مستثمري القطاع الخاص الاميركيين والتونسيين, و الذي سيكون قادرا على الاستفادة من الأموال حكومة الولايات المتحدة لدعم المشاريع الخاصة في جميع أنحاء تونس. وأعرب تايلور عن الاعتقاد الراسخ للولايات المتحدة أنه في مصلحتها المساعدة على ضمان نجاح التحول الديمقراطي في تونس, ليبيا, ومصر.


أيد كارل غيرشمان رئيس المؤسسة الوطنية للديمقراطية التصريحات التي أدلى بها السفير تايلور حول خطط الولايات المتحدة المفصّلة لتقديم المساعدة إلى تونس, ولكن أيضا للحفاظ على العناصر الحقيقية للنجاح يجب أن تأتي من الداخ.لوقال غريشمان أن واحدا من أفضل الاستثمارات التي قامت بها مؤسسته كانت في مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية, وهي المنظمة التي ظلت تعمل بلا كلل في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط إلى تقديم تصور للديمقراطية, وهي "الرؤية التي هي الآن رؤية مقبولة". وعلى الرغم من وجود موجة من التشاؤم منذ الثورات التي هي نتيجة مباشرة للصعوبات التي تنتظرنا, أصر جريشمان على أن علينا أن ندرك أن "الكأس نصف ممتلئ, وليس نصف فارغ", ونحن على أعتاب مرحلة جديدة.وينبغي للمرء ألا يتسرع في إصدار الاحكام. ما هو مهم للغاية الآن, في نظر غيريشمان, هو الانتقال إلى الدعم عن طريق المساعدات المالية المباشرة مثل التحويلات النقدية التي ذكرها السفير تايلور.وقال ان تونس تفتح الطريق لمنطقة الشرق الأوسط, وأنها يجب أن تنجح لأننا "بحاجة إلى نموذج عربي ديمقراطية" وذلك بسبب الصحوة الواسعة النطاق التي لا يمكن إيقافها والتي حدثت على مستوى القاعدة الشعبية في جميع أنحاء المنطقة. وشدد غيرشمان على أهمية الخطاب الذي ألقاه راشد الغنوشي, رئيس حزب النهضة في تونس, حيثالتي وصف المساحة التي يجب أن يسمح فيها للدين والسياسة أن يزدهرا بشكل مستقل, وإن كانا يتأثران ببعضهما البعض.وعلاوة على ذلك, من المهم بالنسبة للولايات المتحدة تقديم المساعدة إلى المجتمع المدني في مصر وليبيا, و إلتزام كل الفاعلين السياسيين في كل مكان بقواعد اللعبة الديمقراطية. فيما يتعلق بالأوضاع المتردية في سوريا والبحرين, قال غيرشمان إنه من الأهمية القصوى وضع حد لعمليات القتل والتصدي للطائفية الآخذة في الارتفاع في كل تلك البلدان. في النهاية, قال غيرشمان, تحتاج الولايات المتحدة إلى خطة طويلة الأجل تصاحب عملية توزيع المساعدات, و عليها أن تدرك أن ما يحدث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو "تحول تاريخي يحتاج إلى أجيال لتحقيقه", ويجب أن تكون الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين على استعداد لدعم العملية بشكل مستمر



الخاتمة

في نهاية اليوم و بعد الإستماع إلى و مناقشة أكثر من 30 مداخلة قدمها جمع من الباحثين و الأكاديميين و الساسة و النشطاء, أصبح الحضور, الذين فاق عددهم 150, في أمس الحاجة إلى فترة للراحة و التعارف و تناول القهوة. على الرغم من أنه كان يوما طويلا و شاقا, إلا أنه كان مثمرا و غنيا و حقق التوازن بين النظري و العملي الذي حرصت لجنة التنظيم على إيجاده. كان الهدف من هذا المؤتمر هو الوصول إلى تقييم دقيق و سليم للتقدم الذي تم إحرازه في بلدان الربيع العربي في مرحلة ما بعد الثورة, و لتوثيق ردود فعل الدول المجاورة و القوى الأخرى في جميع أنحاء العالم, و الخروج بتوصيات واقعية يمكن تحقيقها


هناك في الواقع الكثير من العمل الذي يتعين القيام به, و يحتاج كل بلد للتعامل مع مجموعة تحديات الخاصة بها, ولكن هناك دائما طرقا للمجتمع الدولي لتقديم المساعدة على طول الطريق. وأخيرا نجح مركز دراسة الإسلام والديمقراطية عبر أكثر من 13 عاما من الخبرة في مجال تعزيز الديمقراطية في العالم العربي و الإسلامي في إقناع سكان منطقة الشرق الأوسط بأهمية و قيمة الديمقراطية, وتوافقها مع الإسلام والقيم الإسلامية , ولهذا نحن فخورون جدا بهذا الإنجاز. لا يزال هناك الكثير من العمل في المستقبل, ولكن هناك أيضا مجالا للاحتفال بالخطوات الرائعة التي تحققت بالفعل. بمجرد توفير كمية مناسبة من المساعدات الدولية المالية والسياسية, وإعطاء مساحة وافرة للساحة السياسية من أجل إدخال تحسينات عقلانية ومتأنية, يمكننا القول أخيرا أنه تم تأمين الديمقراطية في العالم العربي لأول مرة في التاريخ.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير