الثورة «البرتقالية» في جولتها الثانية..!
حسين الرواشدة
جو 24 : في مطلع العام 2005 سقط الرئيس الاوكراني(كوتشما) على ايقاع احتجاج نصف مليون اوكراني رفعوا الأعلام (البرتقالية).. وكانت القشة التي قسمت ظهر الرئيس آنذاك هي جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية إذْ تردد انها تعرضت لعمليات مكشوفة من الفساد والتدخل في الصناديق، لكن الثورة انطلقت اصلا لمواجهة طبقة فاسدة من رجال الأعمال احتكرت السلطة ونهبت اموال الشعب وهيمنت على اهم موارد الدولة ابتداء من من نقل وبيع الغاز المستورد من روسيا، الى الاستيلاء على قطاع المناجم ومصانع الصلب، لدرجة ان البرلمان – كما يقول مؤلفا كتاب “ثورة بلون البرتقال” - تحول الى “ناد للمليونيرات “ بعد ان قامت الأحزاب المقربة من السلطة بعرض المقعد البرلماني بنحو ثلاثة ملايين دولار لمن يدفع من رجال الأعمال.
برز انذاك نجم فيكتور يوشينكو، إذْ انتصب خطيبا في ساحة ميدان الاستقلال وقدم للثوار الاوكرانيين وعودا بتحقيق عشرة أهداف، أهمها توفير خمسة ملايين فرصة عمل، وزياة الرواتب والمعاشات، وخفض الضرائب، وشن حرب على الفساد، ومضاعفة الناتج الزراعي، وإيقاف الانكماش الديمغرافي في الأمة الأوكرانية، لكن لم يمض وقت طويل حتى دُسَّت له كمية من سم “الديوكسين” في حادثة ما تزال مجهولة، لم يمت بالطبع لكنه مشروع وعوده المستحيلة مات،فقد فشل في تحقبق اي انجاز (تقرير الشفافية الدولية للعام 2009 وضع أوكرانيا في المرتبة 146من بين 180 دولة، و37% من السكان واكثر من 15% عاطلون عن العمل )، وانتهت السنوات الخمس باجراء اتخابات جديدة، وكان الصراع على الرئاسة محسوما سلفا بين رئيسة الوزراء تيموشينكو(لا حظ انه سيكون لها دور في الثورة الجديدة) ورئيس الوزراء السابق فيكتور يانكوفيتش،وقد فاز الاخير وفهم فوزه باعتباره عقوبة للثورة البرتقالية أكثر من رغبة بانتصار الشعب له لا سيما وقد كان الاوكرانيون ينظرون اليه على انه (نسخة)اخرى للقيصر بوتين .
فشلت الجولة الاولى من الثورة اذن، واستطاع يانوفيكيتش بمساعدة الدولة العميقة، هذه التي يمثلها رجال الاعمال الذين تردد انهم مولوا ايضا الثورة الاولى ( بلغت تكاليف حملة يانكوفيتش التي مولها رجال الأعمال المناصرون له العام 2004 ما يزيد عن 700 مليون دولار، بينما دفع رجال أعمال منافسون أكثر من 150 مليون دولار تمويلا للثوار البرتقاليين و خصصت فقط لتغطية نفقات التجمهر في ميدان الاستقلال في مطلع عام 2005 )، و فجأة ظهرت زعيمة “الثورة البرتقالية”، (اسمهايوليا تيموشنكو،)، بعد أن قضت نحو ثلاث سنوات بالحبس اثر الحكم عليها لمدة سبع سنوات في 2011 ( واجهت بانوكوفيتش في الانتخابات وكانت وعدت بتبني النهج الصيني لقطع رقاب الفاسدين واتهمها خصومها بانها من أكبر أثرياء أوكرانيا المتربحين من بيع القطاع العام واحتكار تجارة الغاز في تسعينيات القرن العشرين) واعلنت من سجنها عن ترشحها للانتخابات القادمة مطالبة الاوكرانيين”الوقوف في وجه الديكتاتورية “، وهذا ما حث فعلا .
بدأت الجولة الثانية من الثورة، لكن يانوكوفيتش - قبل ان يهرب من قصره - ظل مصرا على التمسك بالسلطة حتى الرمق الاخير،قال في اخر عبارة نطقها(هذه ليست معارضة، انهم قطاع طرق) ربما، لكن الدنيا تغيرت، اما كيف ؟ فهو يعرف ان تقمص صورة رمزه المفضل بوتين والاصرار على اسكات الجماهير بالقمع والقتل لن يحل المشكلة،كما يدرك ان الصناديق لا تكفي وحدها لانتزاع الشرعية واقناع الناس بها الى الابد، وان منطق طلاء الجدران بالوعود انتهى تماما امام وعي الناس على عالم جديد يبحثون عن البناء والتغيير الحقيقي، هرب الرجل اذن وهو غير مصدق بان (قطاع الطرق) نجحوا فعلا في اضافته الى قائمة الزعماء الهاربين والمخلوعين الذين خرجوا واصبحوا جزءا من روايات التاريخ واحداثه.
السؤال :هل ما حدث منذ عشرة اعوام كان ثورة(برتقالية ) حقا؟ ربما، لكن علينا ان نعترف بانه تم اجهاضها مبكرا،وان عوامل داخلية وخارجية لعبت (عبثت :ادق)في مساراتها وما تزال، وبانه من المبكر ان نحكم عليها بالنجاح او الفشل، حتى وان استعادت السجينة الحسناء كرسي الرئاسة، او نجح مافيا البزنس والسلطة في اعادة استيعاب اصوات الثوار، لكن ذلك لا يمنع من التنبيه الى مسألتين : احداهما ان الشعب الاوكراني الذي خرج الى ميدان الاستقلال للمرة الثانية بهذا الزخم ما زال مصمما على استعادة حقوقه المنهوبة والوصول الى استقلال حقيقي وديمقراطية تسمح له بتقرير مصيره، لايهم ان يكون هذا المصير باتجاه القبلة الاوروبية التي يرغب فيها لمعاقبة الصلف الروسي، ولكن المهم ان يتحرر من عقدة التبعية التي حاول القيصر الروسي ان يفرضها عليه، اما المسألة الثانية فهي ان للثورة –اي ثورة –جولاتٍ عديدة، تتصاعد وتتراجع، تتألق ثم تخبو، تتعرض للاجهاض والاعاقة، وهي تشبه الزلزال تماما، تفاجئنا وتتوسل الهدم بانتظار من يصلح من البشر لاقامة البناء الجديد، لكنها في النهاية تقرر مسارتها بالتعلم من اخطائها، هذا ما حصل في اوكرانيا وهذا ما يحدث الان فيها وفي دولنا العربية التي تمر بالمسارات ذاتها .
لا تيأسوا اذن، فوجه اوكرانيا الجديد يذكرنا بصورتنا التي نراها الان في عواصم عديدة، شهدت مخاضات الثورة،ومحاولات اجهاضها وتشويهها، والتبرؤ منها والركوب عليها وامتصاصها، لكان الهدفه اعادة عقارب الساعة للوراء ...لكن ساعة الشعوب لا تعود للوراء، هذا ما تعلمناه من التاريخ ..حين تصنعه ارادة الشعوب التي ملت من الفساد والقمع والاستبداد.
(الدستور)
برز انذاك نجم فيكتور يوشينكو، إذْ انتصب خطيبا في ساحة ميدان الاستقلال وقدم للثوار الاوكرانيين وعودا بتحقيق عشرة أهداف، أهمها توفير خمسة ملايين فرصة عمل، وزياة الرواتب والمعاشات، وخفض الضرائب، وشن حرب على الفساد، ومضاعفة الناتج الزراعي، وإيقاف الانكماش الديمغرافي في الأمة الأوكرانية، لكن لم يمض وقت طويل حتى دُسَّت له كمية من سم “الديوكسين” في حادثة ما تزال مجهولة، لم يمت بالطبع لكنه مشروع وعوده المستحيلة مات،فقد فشل في تحقبق اي انجاز (تقرير الشفافية الدولية للعام 2009 وضع أوكرانيا في المرتبة 146من بين 180 دولة، و37% من السكان واكثر من 15% عاطلون عن العمل )، وانتهت السنوات الخمس باجراء اتخابات جديدة، وكان الصراع على الرئاسة محسوما سلفا بين رئيسة الوزراء تيموشينكو(لا حظ انه سيكون لها دور في الثورة الجديدة) ورئيس الوزراء السابق فيكتور يانكوفيتش،وقد فاز الاخير وفهم فوزه باعتباره عقوبة للثورة البرتقالية أكثر من رغبة بانتصار الشعب له لا سيما وقد كان الاوكرانيون ينظرون اليه على انه (نسخة)اخرى للقيصر بوتين .
فشلت الجولة الاولى من الثورة اذن، واستطاع يانوفيكيتش بمساعدة الدولة العميقة، هذه التي يمثلها رجال الاعمال الذين تردد انهم مولوا ايضا الثورة الاولى ( بلغت تكاليف حملة يانكوفيتش التي مولها رجال الأعمال المناصرون له العام 2004 ما يزيد عن 700 مليون دولار، بينما دفع رجال أعمال منافسون أكثر من 150 مليون دولار تمويلا للثوار البرتقاليين و خصصت فقط لتغطية نفقات التجمهر في ميدان الاستقلال في مطلع عام 2005 )، و فجأة ظهرت زعيمة “الثورة البرتقالية”، (اسمهايوليا تيموشنكو،)، بعد أن قضت نحو ثلاث سنوات بالحبس اثر الحكم عليها لمدة سبع سنوات في 2011 ( واجهت بانوكوفيتش في الانتخابات وكانت وعدت بتبني النهج الصيني لقطع رقاب الفاسدين واتهمها خصومها بانها من أكبر أثرياء أوكرانيا المتربحين من بيع القطاع العام واحتكار تجارة الغاز في تسعينيات القرن العشرين) واعلنت من سجنها عن ترشحها للانتخابات القادمة مطالبة الاوكرانيين”الوقوف في وجه الديكتاتورية “، وهذا ما حث فعلا .
بدأت الجولة الثانية من الثورة، لكن يانوكوفيتش - قبل ان يهرب من قصره - ظل مصرا على التمسك بالسلطة حتى الرمق الاخير،قال في اخر عبارة نطقها(هذه ليست معارضة، انهم قطاع طرق) ربما، لكن الدنيا تغيرت، اما كيف ؟ فهو يعرف ان تقمص صورة رمزه المفضل بوتين والاصرار على اسكات الجماهير بالقمع والقتل لن يحل المشكلة،كما يدرك ان الصناديق لا تكفي وحدها لانتزاع الشرعية واقناع الناس بها الى الابد، وان منطق طلاء الجدران بالوعود انتهى تماما امام وعي الناس على عالم جديد يبحثون عن البناء والتغيير الحقيقي، هرب الرجل اذن وهو غير مصدق بان (قطاع الطرق) نجحوا فعلا في اضافته الى قائمة الزعماء الهاربين والمخلوعين الذين خرجوا واصبحوا جزءا من روايات التاريخ واحداثه.
السؤال :هل ما حدث منذ عشرة اعوام كان ثورة(برتقالية ) حقا؟ ربما، لكن علينا ان نعترف بانه تم اجهاضها مبكرا،وان عوامل داخلية وخارجية لعبت (عبثت :ادق)في مساراتها وما تزال، وبانه من المبكر ان نحكم عليها بالنجاح او الفشل، حتى وان استعادت السجينة الحسناء كرسي الرئاسة، او نجح مافيا البزنس والسلطة في اعادة استيعاب اصوات الثوار، لكن ذلك لا يمنع من التنبيه الى مسألتين : احداهما ان الشعب الاوكراني الذي خرج الى ميدان الاستقلال للمرة الثانية بهذا الزخم ما زال مصمما على استعادة حقوقه المنهوبة والوصول الى استقلال حقيقي وديمقراطية تسمح له بتقرير مصيره، لايهم ان يكون هذا المصير باتجاه القبلة الاوروبية التي يرغب فيها لمعاقبة الصلف الروسي، ولكن المهم ان يتحرر من عقدة التبعية التي حاول القيصر الروسي ان يفرضها عليه، اما المسألة الثانية فهي ان للثورة –اي ثورة –جولاتٍ عديدة، تتصاعد وتتراجع، تتألق ثم تخبو، تتعرض للاجهاض والاعاقة، وهي تشبه الزلزال تماما، تفاجئنا وتتوسل الهدم بانتظار من يصلح من البشر لاقامة البناء الجديد، لكنها في النهاية تقرر مسارتها بالتعلم من اخطائها، هذا ما حصل في اوكرانيا وهذا ما يحدث الان فيها وفي دولنا العربية التي تمر بالمسارات ذاتها .
لا تيأسوا اذن، فوجه اوكرانيا الجديد يذكرنا بصورتنا التي نراها الان في عواصم عديدة، شهدت مخاضات الثورة،ومحاولات اجهاضها وتشويهها، والتبرؤ منها والركوب عليها وامتصاصها، لكان الهدفه اعادة عقارب الساعة للوراء ...لكن ساعة الشعوب لا تعود للوراء، هذا ما تعلمناه من التاريخ ..حين تصنعه ارادة الشعوب التي ملت من الفساد والقمع والاستبداد.
(الدستور)