سركيسيان يحول المكان إلى حكاية وثائقية فوتوغرافية
استضافت دارة الفنون - مؤسسة خالد شومان- الفنان السوري هارير سركيسيان في ندوة عقدت، الثلاثاء للحديث عن تجربته في التصوير التوثيقي الحديث وتوظيف الصورة في طرح قضايا وحكاية سيِر.
جاءت الاستضافة ضمن برنامج نشاطات الدارة، الذي أطلقته بعنوان "هل يجب على الفن أن يكون أداة تعليم، إعلام، تنظيم، تأثير، تحريض على العمل، أم أن يكون للمتعة وحسب؟" وهو سؤال مقتبس من كتاب "مسرح المضطهدين" لأوغوستو بول.
سركيسيان تحدث خلال الندوة، التي لاقت حضوراً نخبوياً ضئيلا، من خلال عرض عددٍ من الصور، عن مجموعة من الأحداث والقضايا، التي وثقها بصرياً، فبدأ منذ نشوئه في بيت والد مصور سقاه حب الكاميرا، واكتسب منه كثيراً من الخبرات، وانتهى بالحديث عن قضية الأرمن في تركيا الذي يعود أصله إليهم، وفق قوله.
وأكد أن لمهنة والده –التصوير- أثر كبير في نشوئه وتربيته على استخدام الكاميرا، لافتاً إلى أن والده ترك عمله كمصور تجاري، بعد دخول الكاميرا الرقمية وبلوغه الستين من عمره، ولذلك عمل على توثيق الاستوديو كمكان بما يشمله من معدات وغرف وغيرها بعدد من الصور، وأجرى مقارنة بين صور بورتريه –شخصية- التقطها له والده و صور التُقطَت لوالده في سبعينيات القرن الماضي، ليقدم بذلك تشاكل بين تكوين الصورة الحديثة والقديمة.
واستعرض سركيسيان مشروعاً بدأه عام 2006 يتناول صور ابنية لم ينتهِ بناؤها بعد، ليلفت إلى أن فكرة المشروع هي أن الناس اعتادوا دخول الأبنية والأماكن بعد الانتهاء من انجازها، ولا يلتفتون إلى مراحل البناء، رغم أن فيها جماليات وتوثيقها أشبه بسيرة العمران.
وتوقف بصوره عند "الزبيبة" - وهي العلامة الداكنة التي تظهر في جبهة المصلي من أثر السجود- معتبراً أنها تمثل رمزا لاحظه في زيارة له إلى القاهرة للتفريق بين الشخص المصلي وغيره، واعتبر أنها تشكل حاجزاً يعيق التواصل، كأن في ظهورها يقول المصلي للشخص الذي لا تظهر له: "إنك لا تصلي".
وبعد استعراضه لصور تتناول ظاهرة تغطية البنايات في امستردام، بأغطية تمثل صورة البناية الأصل وذلك بعد أن هٍُجرت، تحدث سركيسيان طويلا عن الأرمن بوصفه ينتمي اليهم في أصله، متوقفا عند الأرمن في تركيا، ليقول" أجبروا الأرمن في شرق تركيا على اعتناق الإسلام، فباتوا بعد فترة محرماً عليهم ترك دينهم"، وعرَض صوراً تخفي وجوههم باستخدام إضاءات تكشف عن أيديهم ومقاعدهم ليحرص على عدم إظهار هويتهم.
وعاد يقدم صوراً جديدة للسجلات التركية القديمة، التي تمثل ملفات أحوال شخصية ورقية قديمة، تتضمن تاريخ كثير من الجنسيات، وصوراً لأقدم المكتبات العامة التي تمثل بالنسبة له خزانة تحوي أهم المصادر عن التاريخ الأرميني ووجوده.
امتازت صور سركيسيان بحداثه وتقديم أعمال تبدو في بعضها أشبه بأعمال تجريدية مختزلة، فيجنح إلى في تصوره إلى اللامألوف والتوثيقية الخالصة، مع طرح قضايا كبيرة بسلسة من الصور تحكيها بصدق عال، ومن اللافت أن أعمال سركيسيان ليست من الصور التي تقدم حالة جمالية لتُقتنى في المنازل والمتاحف، بل توثق وتقدم نظرة مغايرة للتكوينات المحيطة في الإنسان.
وفي أعماله تصبح المشاهد الطبيعية والبيئات مسارح للتعبير عن الواقع التاريخي - التي تعني ضمناً وجود الإنسان، وإن لم يصور بشكل علني - تعبر صوره الفوتوغرافية، بتوظيفها التقنيات التقليدية للتوثيق، عن التناقض الكامن بين جمال وثبات المحيط من ناحية، والوقائع الاجتماعية التي تخفيها من ناحية ثانية.
يشار إلى أن سركيسيان ولد في دمشق عام 1973، ودرس التصوير الفوتوغرافي في أكاديمية غيريت رايتفيد، أمستردام. وتضم المعارض الأخيرة التي شارك فيها، بينالي الشارقة العاشر، خارج المكان تيت مودرن، لندن (2010)، وبينالي تيسالونيكي الفوتوغرافي (2010) بالتعاون مع غاليريهات كالفايان، وغيرها من المشاركات.العرب اليوم