خياراتنا (الصمت) أو الغاء المعاهدة!!
حسين الرواشدة
جو 24 : هل تسطيع الحكومة - اية حكومة- ان تلغي معاهدة (وادي عربة)؟ في حدود الامنيات و الرغبات يكاد يكون الاردنيون جميعا متفقين على ( التخلص) من هذا العبء الذي اثقل كاهلنا منذ عشرين عاما، اما في حدود الوقائع والاضطرارات التي نعرفها - و لايجوز لاحد ان يزاود على احد فيها -فيبدو اتخاذ مثل هذا القرار (مغامرة) مكلفة ويفترض ان نستعد لها ونتوافق عليها بمنطق الفاعل المبادر وليس المتلقي المنفعل.
قبل ان يتهمني احد (بالاستسلام) او - ربما- بالترويج لخيارات القبول بالواقع، اودّ ان أوضح مسألتين: احداهما أننا منذ توقيع المعاهدة التي مرت من تحت قبة أفضل مجلس نيابي في تجربتنا البرلمانية، لم نفعل ما يلزم تجاه وضع علاقتنا مع اسرائيل في حدودها الدنيا، لا اتحدث هنا عن جهود المجتمع في مواجهة التطبيع مع اسرائيل ولا عن قصور الحكومات المتعاقبة في لجم (التحرشات) و التهديدات الاسرائيلة والرد على الاساءة بمثلها، وانما اتحدث - ايضا- عما فعلناه كأردنيين لبناء (دولة) قادرة على مواجهة هكذا استحقاق، ومن المفارقات هنا ان الذين يدعون اليوم ( لتأديب) اسرائيل على فعلتها النكراء في حادثة قتل القاضي زعيتر هم انفسهم الذين ( عطلوا) مشروع الاصلاح ، واصروا على بقائنا في مربع ( الاستعصاء) السياسي وحرمونا من فرصة (التوافق) لتأمين جبهة داخلية متماسكة لها ظهير سياسي فاعل بمشاركة القوى السياسية المختلفة، اما المسألةالثانية فهي ان عروض التلويح بالغاء المعاهدة التي صدرت من البرلمان الحالي مرتين، ظلت مجرد ( عروض) سياسية هدفها كسب الشارع واحراج الحكومة، وكان يمكن لمجلس النواب لو صح عزمه في الغاء المعاهدة ان ( يركب) القواعد الدستورية التي يستطيع بموجبها ان يلغي المعاهدة او يعدل عليها، او ان يطرح الثقة بالحكومة بالاستناد الى رفضها لمطالبه .
اذا اتفقنا على هاتين المسألتين ، فان ثمة مسألة ثالثة وهي ان الذين يدعون لالغاء ( وادي عربة) داخل البرلمان ( دعك من المطالب الشعبية المفهومة سلفا) يتوزعون في اهدافعم على طبقات فبعضهم له موقف مبدئي يرفض المعاهدة، و بعضهم سبق وروج لهذه المعاهدة في زيارات علنية لاسرائيل، و بعضهم يدرك صعوبة اتخاذ هكذا قرار ، لكنه يوظفه لاحراج الحكومة و سحب الثقة منها، واذا اعتبرنا بعض هذ الاهداف مشروعة، في سياق ( التنابز ) السياسي، فان السؤال عن اليوم التالي يبدو ضروريا، فمن واجبنا ان نعرف ماهي الاستحقاقات التي ستترتب علينا، وماهي البدائل التي نملكها للانتقال من مرحلة السلم او الهدنة الى مرحلة الحرب او المواجهة ... وهل نحن مستعدون لذلك ؟ لكي نفهم هذ الاستحقاقات التي يفرضها واقع اليوم التالي لاتخاذ مثل هذا القرار، يفترض ان نأخذ باعتبارنا اولا: علاقتنا مع اميركا، هذه التي تشكل المعاهدة واحدا من ( اوراقها ) الهامة، ولا اقصد هنا العلاقات السياسية فقط وانما ما يترتب عليها اقتصاديا و استراتيجيا، ورغم كل ما بداخلنا من امنيات لقطع هذه ( الذرائع) التي تبدو مرفوضة شعبيا، الا ان الواقع -للأسف- يدفعنا الى الاعتراف بأن ما يلحقنا من اضرار نتيجة ما فعلناه بأنفسنا سيكون ( اثقل) من ان نتحمله، ثم ثانيا ما يتعلق بالاستحقاقات القانوينة الدولية التي يعرفها فقهاء القانون، وهذه للأسف لم تطرح حتى الان للنقاش العام، لا في داخل البرلمان ولا خارجه، اما الاعتبار الثالث فهو يتعلق بالمناخات السياسية الاقليمية، فالاردن اليوم يكاد يكون الدولة الوحيدة التي ماتزال تتمتع بالهدوء النسبي في منطقة مشتعلة، والاخطر اننا بلا ظهر سياسي، لا عربي و لا اقليمي، زد على ذلك ان بعض الدول الشقيقة فتحت قنوات مع اسرائيل، كما ان ( اعتداءات) تل ابيب على دول شقيقة اخرى مرت دون رد؛ ما يجعل اتخاذ اي قرار من طرفنا ضد اسرائيل في مثل هذه الظروف ( مغامرة) مكلفة كما اسلفت .
هل نصمت اذن، او ان لدينا خيارات اخرى ؟ اعتقد ان هذا هو السؤال الذي يجب ان يكون محورا لنقاشاتنا القادمة ، بشرط ان نكون مخلصين في الاجابة وبعيدين عن المزايدة، من هذه الخيارات مثلا مسألة الطلب من السفير الاسرائيلي مغادرة عمان، او الافراج عن الجندي احمد الدقامسة، او توظيف ورقة الاغتيال لانتزاع ( اهداف ) سياسية، سواء فيما يتعلق بالقدس والمقدسات التي تتعرض لاعتداءات اسرائيلية متكررة، او فيما يتعلق (بإطار) كيري، او حتى على صعيد (تبريد) العلاقة مع تل اببيب وتجميد الاتفاقات و الاتصالات معها، للضغط عليها والتمهيد للتعامل معها بشكل حازم لاحقا.
مثل هذه الخيارات وغيرها تبدو ضرورية للرد على منطق (الاستهتار) الذي تتعامل به معنا، ومعاقبتها سياسيا في سياق عدم الاضرار بمصالحنا مع الدول التي نعتقد ان طريقنا اليها يمر بالضرورة في تل ابيب.
كنت اتمنى، بالطبع، لو ان ( عافيتنا) الوطنية تسمح لنا باتخاذ قرار تاريخي بالغاء المعاهدة، ولكنني اعرف -كما تعرفون- ما لدينا من اوراق سياسية وما يلتف حول اعناقنا من حبال اقتصادية، وما يكبل ايدينا من سياسات متراكمة اورثتنا الاعتماد على غيرنا وافقدتنا القدرة على انتزاع قرارنا المستقل، ومع انني اتفق مع من يعتقد ان ذلك ليس قدرا ولا يجوز ( الاستسلام) له، الا ان حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، واذا كنا لا نستطيع الان اتخاذ مثل هذا القرار فلنبدأ بالاستعداد جديا لفرضه مستقبلا .. والاستعداد هذا يحتاج الى ارادات وامكانيات لا مجرد فزعات ومزايدات فقط.
(الدستور)
قبل ان يتهمني احد (بالاستسلام) او - ربما- بالترويج لخيارات القبول بالواقع، اودّ ان أوضح مسألتين: احداهما أننا منذ توقيع المعاهدة التي مرت من تحت قبة أفضل مجلس نيابي في تجربتنا البرلمانية، لم نفعل ما يلزم تجاه وضع علاقتنا مع اسرائيل في حدودها الدنيا، لا اتحدث هنا عن جهود المجتمع في مواجهة التطبيع مع اسرائيل ولا عن قصور الحكومات المتعاقبة في لجم (التحرشات) و التهديدات الاسرائيلة والرد على الاساءة بمثلها، وانما اتحدث - ايضا- عما فعلناه كأردنيين لبناء (دولة) قادرة على مواجهة هكذا استحقاق، ومن المفارقات هنا ان الذين يدعون اليوم ( لتأديب) اسرائيل على فعلتها النكراء في حادثة قتل القاضي زعيتر هم انفسهم الذين ( عطلوا) مشروع الاصلاح ، واصروا على بقائنا في مربع ( الاستعصاء) السياسي وحرمونا من فرصة (التوافق) لتأمين جبهة داخلية متماسكة لها ظهير سياسي فاعل بمشاركة القوى السياسية المختلفة، اما المسألةالثانية فهي ان عروض التلويح بالغاء المعاهدة التي صدرت من البرلمان الحالي مرتين، ظلت مجرد ( عروض) سياسية هدفها كسب الشارع واحراج الحكومة، وكان يمكن لمجلس النواب لو صح عزمه في الغاء المعاهدة ان ( يركب) القواعد الدستورية التي يستطيع بموجبها ان يلغي المعاهدة او يعدل عليها، او ان يطرح الثقة بالحكومة بالاستناد الى رفضها لمطالبه .
اذا اتفقنا على هاتين المسألتين ، فان ثمة مسألة ثالثة وهي ان الذين يدعون لالغاء ( وادي عربة) داخل البرلمان ( دعك من المطالب الشعبية المفهومة سلفا) يتوزعون في اهدافعم على طبقات فبعضهم له موقف مبدئي يرفض المعاهدة، و بعضهم سبق وروج لهذه المعاهدة في زيارات علنية لاسرائيل، و بعضهم يدرك صعوبة اتخاذ هكذا قرار ، لكنه يوظفه لاحراج الحكومة و سحب الثقة منها، واذا اعتبرنا بعض هذ الاهداف مشروعة، في سياق ( التنابز ) السياسي، فان السؤال عن اليوم التالي يبدو ضروريا، فمن واجبنا ان نعرف ماهي الاستحقاقات التي ستترتب علينا، وماهي البدائل التي نملكها للانتقال من مرحلة السلم او الهدنة الى مرحلة الحرب او المواجهة ... وهل نحن مستعدون لذلك ؟ لكي نفهم هذ الاستحقاقات التي يفرضها واقع اليوم التالي لاتخاذ مثل هذا القرار، يفترض ان نأخذ باعتبارنا اولا: علاقتنا مع اميركا، هذه التي تشكل المعاهدة واحدا من ( اوراقها ) الهامة، ولا اقصد هنا العلاقات السياسية فقط وانما ما يترتب عليها اقتصاديا و استراتيجيا، ورغم كل ما بداخلنا من امنيات لقطع هذه ( الذرائع) التي تبدو مرفوضة شعبيا، الا ان الواقع -للأسف- يدفعنا الى الاعتراف بأن ما يلحقنا من اضرار نتيجة ما فعلناه بأنفسنا سيكون ( اثقل) من ان نتحمله، ثم ثانيا ما يتعلق بالاستحقاقات القانوينة الدولية التي يعرفها فقهاء القانون، وهذه للأسف لم تطرح حتى الان للنقاش العام، لا في داخل البرلمان ولا خارجه، اما الاعتبار الثالث فهو يتعلق بالمناخات السياسية الاقليمية، فالاردن اليوم يكاد يكون الدولة الوحيدة التي ماتزال تتمتع بالهدوء النسبي في منطقة مشتعلة، والاخطر اننا بلا ظهر سياسي، لا عربي و لا اقليمي، زد على ذلك ان بعض الدول الشقيقة فتحت قنوات مع اسرائيل، كما ان ( اعتداءات) تل ابيب على دول شقيقة اخرى مرت دون رد؛ ما يجعل اتخاذ اي قرار من طرفنا ضد اسرائيل في مثل هذه الظروف ( مغامرة) مكلفة كما اسلفت .
هل نصمت اذن، او ان لدينا خيارات اخرى ؟ اعتقد ان هذا هو السؤال الذي يجب ان يكون محورا لنقاشاتنا القادمة ، بشرط ان نكون مخلصين في الاجابة وبعيدين عن المزايدة، من هذه الخيارات مثلا مسألة الطلب من السفير الاسرائيلي مغادرة عمان، او الافراج عن الجندي احمد الدقامسة، او توظيف ورقة الاغتيال لانتزاع ( اهداف ) سياسية، سواء فيما يتعلق بالقدس والمقدسات التي تتعرض لاعتداءات اسرائيلية متكررة، او فيما يتعلق (بإطار) كيري، او حتى على صعيد (تبريد) العلاقة مع تل اببيب وتجميد الاتفاقات و الاتصالات معها، للضغط عليها والتمهيد للتعامل معها بشكل حازم لاحقا.
مثل هذه الخيارات وغيرها تبدو ضرورية للرد على منطق (الاستهتار) الذي تتعامل به معنا، ومعاقبتها سياسيا في سياق عدم الاضرار بمصالحنا مع الدول التي نعتقد ان طريقنا اليها يمر بالضرورة في تل ابيب.
كنت اتمنى، بالطبع، لو ان ( عافيتنا) الوطنية تسمح لنا باتخاذ قرار تاريخي بالغاء المعاهدة، ولكنني اعرف -كما تعرفون- ما لدينا من اوراق سياسية وما يلتف حول اعناقنا من حبال اقتصادية، وما يكبل ايدينا من سياسات متراكمة اورثتنا الاعتماد على غيرنا وافقدتنا القدرة على انتزاع قرارنا المستقل، ومع انني اتفق مع من يعتقد ان ذلك ليس قدرا ولا يجوز ( الاستسلام) له، الا ان حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، واذا كنا لا نستطيع الان اتخاذ مثل هذا القرار فلنبدأ بالاستعداد جديا لفرضه مستقبلا .. والاستعداد هذا يحتاج الى ارادات وامكانيات لا مجرد فزعات ومزايدات فقط.
(الدستور)