حسابات «الاخوان » في انتخابات المعلمين..!
حسين الرواشدة
جو 24 : هل كان (الاخوان) بحاجة الى انتخابات نقابة المعلمين لكي يطمئنوا على رصيدهم الشعبي وعلى عافيتهم وحضورهم ايضا؟ ربماكان هذا الاحساس صحيحا ومفهوما ومتوقعا ،لكن ثمة مسألتان تعززان هذا الاحساس، احداهما: ما عبرت عنه بعض وسائل الاعلام المحسوبة على الجماعة من احتفاء بحصول الاسلاميين وحلفائهم على أغلبية المقاعد بعد وقت قصير من اعلان نتائجها الاولية، والمسألة الاخرى احتدام المواجهة بين المتنافسين من التيارات السياسية المختلفة وما رافقها من تغطية اعلامية اعتقد الاخوان انها كانت منحازة ضدهم ،سواء قبل اجراء الانتخابات او بعدها ، الامر الذي فتح باب التحدي امامهم ومنحهم فرصة للتذكير بانفسهم والرد على منطق خصومهم الذين انتظروا اللحظة لهزيمتهم والشماتة بهم بمنطق الاصرار على الفوز والاحتفاء به ايضا.
الاخوان -كما اعتقد -كانوا امام خيارين : خيار اثبات الوجود من خلال تسجيل اكبر عدد من “المقاعد” كرد على هواجس انعكاس المناخات الاقليمية التي “تظاهرت” على شيطنتهم واقصائهم وتنفير الناس منهم ، وخيار دحض فكرة “الغلبة “ والاستحواذ من خلال افساح مجال (الفوز) امام غيرهم على قاعدة “الشراكة” والتوافق ، الخيار الاول كان مغريا بالطبع لكن كلفته عالية ،اما الخيار الثاني فهو اكثر عقلانية لسببين ، احدهما تطميني يتعلق بالرد على التهم التي لاحقت تجارب الاسلاميين ونفرت البعض منهم باعتبارهم لا يقبلون الشراكة مع الاخرين، والاخر استراتيجي ويتعلق بتقديم بروفة مقنعة يمكن استثمارها لاحقا في اي انتخابات يشاركون فيها ،وخاصة الانتخابات البرلمانية، اذ ان قبولهم بالتنازل عن فكرة الغلبة سيبعث برسالة قوية الى الدولة والمجتمع بانهم استفادوا من اخطاء غيرهم وبانهم تجاوزا عقدة “الاستئثار” حتى لو اعطتهم الصناديق ما يناسب وزنهم في الشارع، لمصلحة “التوافق” والايثار المنسجمة مع استحقاقات المراحل الانتقالية.
يمكن بالطبع ان نفهم انحياز الاخوان للخيار الاول في سياقين ، احدهما يتعلق بمخاوفهم من تعمد بعض خصومهم توظيف “تواضع “ فوزهم في الدفع نحو تهميشهم واستضعافهم وربما الشماتة بهم ،وبالتالي فانهم اصروا على ابراز امكانياتهم واستخدامها كورقة سياسية تثبت ان رصيدهم في المجتمع لم يتراجع وان اجراءات محاصرتهم زادت من قبولهم وشعبيتهم ، مع الاشارة هنا الى ان هذه الورقة قد تستثمر ضدهم ايضا ، والسياق الثاني يتعلق بمخاوف ذاتية دفعتهم الى اقتناص الفرصة لمعرفة وزنهم الحقيقي ، خاصة وانهم قاطعوا معظم الانتخابات التي جرت في العامين المنصرفين ،وبالتالي فهم بحاجة الى معرفة حجمهم في المجتمع ،ولانهم غير قادرين عمليا على تحديده ،فان الصنايق كفيلة بذلك،واعتقد هنا ان الجماعة لم تكن واثقة تماما من قدرتها على تحديد النتيجة التي تريدها ،ولم ترغب في المغامرة باستخدام جزء من طاقتها فقط لخوض التجربة ، او التحالف بشكل واسع مع الاخرين ، لانها ببساطة كانت امام امتحان ولا تريد ان ترسب فيه باي شكل من الاشكال.
يمكن ان يقال هنا بان انتخابات المعلمين -كغيرها من النقابات - مسألة مهنية وليست سياسية ، وبأن من حق جماعة الاخوان -شأن غيرها من القوى والتيارات السياسية الاخرى - ان تخوضها بالشكل الذي تراه ،وان تفوز فيها ايضا بما تستطيع من مقاعد ، فقد حصل ان حاز القوميون واليساريون على اغلبية مقاعد بعض النقابات والاتحادات الطلابية ، بمعنى ان “الديمقراطية “ في المجال المهني مفتوحة ولا تستوجب الحذر من “الغلبة” والاستحواذ ، بينما هي في المجال السياسي (البرلمان تحديدا) بحاجة الى تفاهمات وتوافقات اخرى توزع العبء على الجميع ، لكن ثمة من يرى عكس ذلك تماما ، باعتبار ان المهني في بلادنا ليس معزولا عن السياسي ،او ان موقف الاخوان من المجالين لا يختلف وبالتالي فان ما فعلوه في انتخابات المعلمين سيتكرر ،وذلك دليل على ان الاخوان لم يتغيروا.
مهما تكن الحسابات والقراءات والاعتبارات ،فقد اتاحت لنا انتخابات المعلمين فرصة لمعرفة جزء من تفاصيل (خارطة ) مجتمعنا ،ربما يكون مشهد فوز الاسلامين قد استأثر بالاهتمام وتسبب ايضا بالتغطية على الجوانب الاخرى (لا تسأل عن الاسباب؟) لكن هناك تفاصيل اخرى لا تقل اهمية وابرزها ما تميزت به الانتخابات من تنافس حر واقبال على الصناديق - وهذا يسجل للمعلمين-، وما التزمت به الدولة واجهزتها من حيايدية وعدم تدخل -وهذا يسجل لها ايضا- وما عكسته الانتخابات من قدرة مجتمعنا متى توفرت له المناخات المناسبة على الذهاب الى الصناديق واختيار من يمثله -وهذه تسجل لمجتمعنا وتدل على ما يتمتع به من حيوية وعافية -،واخيرا ما بعثتة لنا الانتخابات من رسائل مهمة بعضها كان يفترض علينا ان نستقبلة بجدية اكثر وخاصة على صعيد الاعلام الذي كان عليه واجب استثمار التجربة وطنيا بلا حساسية او انحياز،وبعضها استقبله المجتمع بوضوح وهو يتعلق بالقيم الوطنية والمهنية الجامعة التي انتصرت على دعوات الاقصاء والتقسيم وحسابات العزل واشاعة الكراهية ،لدرجة يمكن ان نقول ،بصدق وثقة ،ان الذي فاز بانتخابات المعلمين ليس الاسلاميين ولا المعلمين فقط ..وانما بلدنا ايضا.
(الدستور)
الاخوان -كما اعتقد -كانوا امام خيارين : خيار اثبات الوجود من خلال تسجيل اكبر عدد من “المقاعد” كرد على هواجس انعكاس المناخات الاقليمية التي “تظاهرت” على شيطنتهم واقصائهم وتنفير الناس منهم ، وخيار دحض فكرة “الغلبة “ والاستحواذ من خلال افساح مجال (الفوز) امام غيرهم على قاعدة “الشراكة” والتوافق ، الخيار الاول كان مغريا بالطبع لكن كلفته عالية ،اما الخيار الثاني فهو اكثر عقلانية لسببين ، احدهما تطميني يتعلق بالرد على التهم التي لاحقت تجارب الاسلاميين ونفرت البعض منهم باعتبارهم لا يقبلون الشراكة مع الاخرين، والاخر استراتيجي ويتعلق بتقديم بروفة مقنعة يمكن استثمارها لاحقا في اي انتخابات يشاركون فيها ،وخاصة الانتخابات البرلمانية، اذ ان قبولهم بالتنازل عن فكرة الغلبة سيبعث برسالة قوية الى الدولة والمجتمع بانهم استفادوا من اخطاء غيرهم وبانهم تجاوزا عقدة “الاستئثار” حتى لو اعطتهم الصناديق ما يناسب وزنهم في الشارع، لمصلحة “التوافق” والايثار المنسجمة مع استحقاقات المراحل الانتقالية.
يمكن بالطبع ان نفهم انحياز الاخوان للخيار الاول في سياقين ، احدهما يتعلق بمخاوفهم من تعمد بعض خصومهم توظيف “تواضع “ فوزهم في الدفع نحو تهميشهم واستضعافهم وربما الشماتة بهم ،وبالتالي فانهم اصروا على ابراز امكانياتهم واستخدامها كورقة سياسية تثبت ان رصيدهم في المجتمع لم يتراجع وان اجراءات محاصرتهم زادت من قبولهم وشعبيتهم ، مع الاشارة هنا الى ان هذه الورقة قد تستثمر ضدهم ايضا ، والسياق الثاني يتعلق بمخاوف ذاتية دفعتهم الى اقتناص الفرصة لمعرفة وزنهم الحقيقي ، خاصة وانهم قاطعوا معظم الانتخابات التي جرت في العامين المنصرفين ،وبالتالي فهم بحاجة الى معرفة حجمهم في المجتمع ،ولانهم غير قادرين عمليا على تحديده ،فان الصنايق كفيلة بذلك،واعتقد هنا ان الجماعة لم تكن واثقة تماما من قدرتها على تحديد النتيجة التي تريدها ،ولم ترغب في المغامرة باستخدام جزء من طاقتها فقط لخوض التجربة ، او التحالف بشكل واسع مع الاخرين ، لانها ببساطة كانت امام امتحان ولا تريد ان ترسب فيه باي شكل من الاشكال.
يمكن ان يقال هنا بان انتخابات المعلمين -كغيرها من النقابات - مسألة مهنية وليست سياسية ، وبأن من حق جماعة الاخوان -شأن غيرها من القوى والتيارات السياسية الاخرى - ان تخوضها بالشكل الذي تراه ،وان تفوز فيها ايضا بما تستطيع من مقاعد ، فقد حصل ان حاز القوميون واليساريون على اغلبية مقاعد بعض النقابات والاتحادات الطلابية ، بمعنى ان “الديمقراطية “ في المجال المهني مفتوحة ولا تستوجب الحذر من “الغلبة” والاستحواذ ، بينما هي في المجال السياسي (البرلمان تحديدا) بحاجة الى تفاهمات وتوافقات اخرى توزع العبء على الجميع ، لكن ثمة من يرى عكس ذلك تماما ، باعتبار ان المهني في بلادنا ليس معزولا عن السياسي ،او ان موقف الاخوان من المجالين لا يختلف وبالتالي فان ما فعلوه في انتخابات المعلمين سيتكرر ،وذلك دليل على ان الاخوان لم يتغيروا.
مهما تكن الحسابات والقراءات والاعتبارات ،فقد اتاحت لنا انتخابات المعلمين فرصة لمعرفة جزء من تفاصيل (خارطة ) مجتمعنا ،ربما يكون مشهد فوز الاسلامين قد استأثر بالاهتمام وتسبب ايضا بالتغطية على الجوانب الاخرى (لا تسأل عن الاسباب؟) لكن هناك تفاصيل اخرى لا تقل اهمية وابرزها ما تميزت به الانتخابات من تنافس حر واقبال على الصناديق - وهذا يسجل للمعلمين-، وما التزمت به الدولة واجهزتها من حيايدية وعدم تدخل -وهذا يسجل لها ايضا- وما عكسته الانتخابات من قدرة مجتمعنا متى توفرت له المناخات المناسبة على الذهاب الى الصناديق واختيار من يمثله -وهذه تسجل لمجتمعنا وتدل على ما يتمتع به من حيوية وعافية -،واخيرا ما بعثتة لنا الانتخابات من رسائل مهمة بعضها كان يفترض علينا ان نستقبلة بجدية اكثر وخاصة على صعيد الاعلام الذي كان عليه واجب استثمار التجربة وطنيا بلا حساسية او انحياز،وبعضها استقبله المجتمع بوضوح وهو يتعلق بالقيم الوطنية والمهنية الجامعة التي انتصرت على دعوات الاقصاء والتقسيم وحسابات العزل واشاعة الكراهية ،لدرجة يمكن ان نقول ،بصدق وثقة ،ان الذي فاز بانتخابات المعلمين ليس الاسلاميين ولا المعلمين فقط ..وانما بلدنا ايضا.
(الدستور)