مولانا الشيخ «يطير » في السماء..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : في خطبة الجمعة أمس بشرنا مولانا –ايده الله- ان العالم سيسقط قريبا تحت “اقدام” المسلمين ، وان موعد “تحرير” روما قد اقترب، ولم ينس – حفظه الله- ان يذكرنا بأن “الديمقراطيّة” بدعة شيطانيّة ، وبانها مجرد افراز للاكثرية الغوغائيّة، وأن الدين قادم وأمره وحكمه هو الواجب.
هذا بالطبع جزء من خطاب يتكرر على ألسنة دعاتنا ومن فوق “منابرنا”، وهو يعكس فهما مغشوشاً للدين، واحساساً عميقا بعقدة “النقص” واستعداداً للإجهاز على الاخر باعتباره نقيضاً لنا، كما انه يعبّر عن نمط التفكير الاختزالي الذي يعتقد ان كل ما انجزه العالم مجرد “اهواء” وضلال، وان هدفه هو “اغواؤنا” لكي نتنكب الصراط المستقيم، هذا الصراط الذي لا يعرفه الا المسلمون فقط.
لدى بعض المسلمين اعتقاد بأنهم اوصياء على هذا العالم، وبأنهم “الاخيار” الوحيدون فيه، وبالتالي فإن مهتهم هي انقاذه من الكفر الذي دمّره،حتى قبل ان ينقذوا انفسهم من “التخلف” الذي هم فيه،ووفق هذا التصور “الاستاذي”، فإن هؤلاء الذين يمثلون “صوت الحق والايمان” (وحدهم بالطبع) لا يتعاملون مع “المنجز” الانساني باعتباره “هبة” الهية وكسباً بشرياً يتوافق مع سنن وقوانين الله في الكون، وانما يتعاملون معه باعتباره “فتنة” او “بدعة” لا يليق “بالامة” الاسلامية ان تستفيد منه،ولا ان تأخذ به، بل يجب عليها ان تتعالى عليه وتسعى لانهائه، لانه برأيهم نقيض للدين،لا لسبب الاّ ان من “ابتكره” هم “الكفار” وهؤلاء ليسوا “عيال” الله وليسوا جزءاً من الخلق الذي انتدب لعمارة الارض.
الاعتزاز بالدين مسألة مطلوبة ومشروعة، والقيام بمهمة “الهداية” من منطلق التعريف بالدين وواجب الدعوة اليه بالتي هي احسن أمر مفهوم، لكن هذا الاعتزاز وتلك المهمة البشريّة لا يجوز ان تستندا الى منطق “انكار” ما في الكون من خير وما لدى الاخرين من “انجاز” كما لا يجوز ان يصدرا من دائرة “الشفقة” على الاخرين، وحشرهم في زاوية “الضلال” المبين وتوعدهم بتحريرهم من انفسهم، او الاستبشار بفتح “بلدانهم” لاخراجهم من ضنك الدنيا الى سعة الدنيا والاخرة رغماً عنهم.
مشكلة بعض الذين يتصدرون “منابر” الخطاب الاسلامي، انهم يتعاملون مع نصوص فقهية وبشرية مكتوبة، وليس مع وقائع منثورة ومنظوره في هذا الكون،فهم يعتقدون ان العالم مازال مقسوماً بين دار كفر ودار إيمان، وبأن الايمان محصور في فئة دون اخرى، وبأن “الكفر” ليس واقعا بمشيئة الله، وانما بسبب تقصيرهم في هداية “البشر”، وياليت ان هذه الهداية مرتبطة بتقديم نموذج “الاسلام” الصحيح او الايمان الحقيقي وانما مرتبطة بأذهانهم في “الفتح” بالجهاد والقتال.وبإنزال احكام الله كما يفهمونها على البشر دون النظر الى واقعهم ودون الاعتراف باختلافاتهم، ودون الاعتقاد بأن الحرية تسبق الشريعة، وبأنه لا اكره في الدين ولا في الدنيا ايضاً.
يتنافس اتباع الاديان الاخرى في تقديم افضل مافي معتقداتهم من قيم انسانية، فيما يصر اخواننا الدعاة على تقديم الاسلام في صورة “الفارس”الذي يريد ان يحرر الانسانيّة من جهلها وضلالها، وتقديم المسلمين في صورة المتربص بكل ما انجزه العالم للانقضاض عليه، وهي افكار تذكي حدّه الصدام مع الآخر، وتدفعه الى “الخوف” من الاسلام ومعاداته والتوجس من دعاته،مع ان الاسلام في حقيقته خطاب للبشر وبني آدم وللمؤمنين لا للمسلمين فقط، ومع ان الحوار فيه ليس محدداً في ايّ موضوع، وانما مفتوح على كل شيء، حتى على وجود الخالق عزّ وجلّ، ولا يوجد من هو ممنوع من الحوار، حتى الشيطان نفسه، وهذا يعني ان العلاقة بين الدين والانسان – في خطاب القرأن- علاقة حوار واقناع بالحسنى والاحسن دائماً،وليست علاقة صراع وصدام وانقضاض وانكار ورفض...ومع ان المسلمين –في الواقع- هم جزء من هذا البشرية (20% من سكان الارض) وشركاء في حضارتها الانسانيّة، وبالتالي فإن مهمتهم تتعلق”بالتدافع” في الارض كشهداء عليها، والشهاده تقتضي التمايز لا التناقض، وتقديم النموذج الفاضل لا تهديم النماذج الاخرى الصالحة، والقيام بواجب العمارة لا التبشير بتدميرها لاقامة حكم الله عليها.
باختصار نحن –كمسلمين- تنعلم من العالم وقد نعلمه، ونشارك معه ولسنا اوصياء عليه، نحن جزء منه ولسنا مهيمنين عليه، وفهمنا للدين لا يخولنا ابداً بأن نرفض وننكر ما لدى غيرنا من خير وجمال وانجاز، ونحن لا نواجه العالم بسيوفينا او جراحاتنا ومظلومياتنا، وانما بما لدينا من طاقات ايمانيّة وقيم انسانيّة، تحضنا على ان نكون اقوياء واعزاء وسمحاء، وعلى ان نقدم انفسنا للعالم كتلاميذ يبحثون عن الحقيقة لا كأساتذة...وكشركاء على هذه الارض لا “كمنتدبين” عن الله تعالى فيها..فنحن جميعاً بشر ولا فضل لأحد على أحد الاّ “بالتقوى” والعمل والانجاز.
(الدستور)
هذا بالطبع جزء من خطاب يتكرر على ألسنة دعاتنا ومن فوق “منابرنا”، وهو يعكس فهما مغشوشاً للدين، واحساساً عميقا بعقدة “النقص” واستعداداً للإجهاز على الاخر باعتباره نقيضاً لنا، كما انه يعبّر عن نمط التفكير الاختزالي الذي يعتقد ان كل ما انجزه العالم مجرد “اهواء” وضلال، وان هدفه هو “اغواؤنا” لكي نتنكب الصراط المستقيم، هذا الصراط الذي لا يعرفه الا المسلمون فقط.
لدى بعض المسلمين اعتقاد بأنهم اوصياء على هذا العالم، وبأنهم “الاخيار” الوحيدون فيه، وبالتالي فإن مهتهم هي انقاذه من الكفر الذي دمّره،حتى قبل ان ينقذوا انفسهم من “التخلف” الذي هم فيه،ووفق هذا التصور “الاستاذي”، فإن هؤلاء الذين يمثلون “صوت الحق والايمان” (وحدهم بالطبع) لا يتعاملون مع “المنجز” الانساني باعتباره “هبة” الهية وكسباً بشرياً يتوافق مع سنن وقوانين الله في الكون، وانما يتعاملون معه باعتباره “فتنة” او “بدعة” لا يليق “بالامة” الاسلامية ان تستفيد منه،ولا ان تأخذ به، بل يجب عليها ان تتعالى عليه وتسعى لانهائه، لانه برأيهم نقيض للدين،لا لسبب الاّ ان من “ابتكره” هم “الكفار” وهؤلاء ليسوا “عيال” الله وليسوا جزءاً من الخلق الذي انتدب لعمارة الارض.
الاعتزاز بالدين مسألة مطلوبة ومشروعة، والقيام بمهمة “الهداية” من منطلق التعريف بالدين وواجب الدعوة اليه بالتي هي احسن أمر مفهوم، لكن هذا الاعتزاز وتلك المهمة البشريّة لا يجوز ان تستندا الى منطق “انكار” ما في الكون من خير وما لدى الاخرين من “انجاز” كما لا يجوز ان يصدرا من دائرة “الشفقة” على الاخرين، وحشرهم في زاوية “الضلال” المبين وتوعدهم بتحريرهم من انفسهم، او الاستبشار بفتح “بلدانهم” لاخراجهم من ضنك الدنيا الى سعة الدنيا والاخرة رغماً عنهم.
مشكلة بعض الذين يتصدرون “منابر” الخطاب الاسلامي، انهم يتعاملون مع نصوص فقهية وبشرية مكتوبة، وليس مع وقائع منثورة ومنظوره في هذا الكون،فهم يعتقدون ان العالم مازال مقسوماً بين دار كفر ودار إيمان، وبأن الايمان محصور في فئة دون اخرى، وبأن “الكفر” ليس واقعا بمشيئة الله، وانما بسبب تقصيرهم في هداية “البشر”، وياليت ان هذه الهداية مرتبطة بتقديم نموذج “الاسلام” الصحيح او الايمان الحقيقي وانما مرتبطة بأذهانهم في “الفتح” بالجهاد والقتال.وبإنزال احكام الله كما يفهمونها على البشر دون النظر الى واقعهم ودون الاعتراف باختلافاتهم، ودون الاعتقاد بأن الحرية تسبق الشريعة، وبأنه لا اكره في الدين ولا في الدنيا ايضاً.
يتنافس اتباع الاديان الاخرى في تقديم افضل مافي معتقداتهم من قيم انسانية، فيما يصر اخواننا الدعاة على تقديم الاسلام في صورة “الفارس”الذي يريد ان يحرر الانسانيّة من جهلها وضلالها، وتقديم المسلمين في صورة المتربص بكل ما انجزه العالم للانقضاض عليه، وهي افكار تذكي حدّه الصدام مع الآخر، وتدفعه الى “الخوف” من الاسلام ومعاداته والتوجس من دعاته،مع ان الاسلام في حقيقته خطاب للبشر وبني آدم وللمؤمنين لا للمسلمين فقط، ومع ان الحوار فيه ليس محدداً في ايّ موضوع، وانما مفتوح على كل شيء، حتى على وجود الخالق عزّ وجلّ، ولا يوجد من هو ممنوع من الحوار، حتى الشيطان نفسه، وهذا يعني ان العلاقة بين الدين والانسان – في خطاب القرأن- علاقة حوار واقناع بالحسنى والاحسن دائماً،وليست علاقة صراع وصدام وانقضاض وانكار ورفض...ومع ان المسلمين –في الواقع- هم جزء من هذا البشرية (20% من سكان الارض) وشركاء في حضارتها الانسانيّة، وبالتالي فإن مهمتهم تتعلق”بالتدافع” في الارض كشهداء عليها، والشهاده تقتضي التمايز لا التناقض، وتقديم النموذج الفاضل لا تهديم النماذج الاخرى الصالحة، والقيام بواجب العمارة لا التبشير بتدميرها لاقامة حكم الله عليها.
باختصار نحن –كمسلمين- تنعلم من العالم وقد نعلمه، ونشارك معه ولسنا اوصياء عليه، نحن جزء منه ولسنا مهيمنين عليه، وفهمنا للدين لا يخولنا ابداً بأن نرفض وننكر ما لدى غيرنا من خير وجمال وانجاز، ونحن لا نواجه العالم بسيوفينا او جراحاتنا ومظلومياتنا، وانما بما لدينا من طاقات ايمانيّة وقيم انسانيّة، تحضنا على ان نكون اقوياء واعزاء وسمحاء، وعلى ان نقدم انفسنا للعالم كتلاميذ يبحثون عن الحقيقة لا كأساتذة...وكشركاء على هذه الارض لا “كمنتدبين” عن الله تعالى فيها..فنحن جميعاً بشر ولا فضل لأحد على أحد الاّ “بالتقوى” والعمل والانجاز.
(الدستور)