انها صـرخة المهمشين في مجتمعنا..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : ارجو من كل الذين يتصورون ان مشروع “الإصلاح” اصبح وراء ظهورنا،ان يدققوا في صورة مجتمعنا،لكي لا تأخذهم العزّة بالاثم ،فنصحوا جميعاً على “نوازل” لا طاقة لنا بردّها او التعامل معها.
اذا سألتني عن الهواجس التي دفعتني الى مثل هذا التنبيه فهي –كما تعرف- كثيرة، لكن ما يهمني هو الاشارة الى انعكاساتها على واقع مجتمعنا، وانعاكاساتها تكشف –بالطبع- عن خطورة المسكوت عنه،وعن الاصابات التي لحقت بمزاجنا العام، ويكفي ان اقف عند مسألتين: احداهما تتعلق بما حدث في مجتمعنا قبل نحو شهر من “انقسامات” على هامش النقاش حول خطة كيري، وبعدها حول استشهاد “القاضي الاردني”، ثم ما تلا ذلك من سجالات حول “الوطنية” والعنصرية والعلاقة بين المواطنين الاردنين في اطار “الوطن الاصيل والاخر البديل”، وقد عكست هذه المسألة جزءاً من “الحالة المرضية” الي يعاني منها مجتمعنا على صعيد مفهوم الوطنية والانتماء، وعلى صعيد الاحساس “بالفقر السياسي” الذي ولّد مثل هذه الصراعات النخبويّة المسمومة، أما المسألة الثانية فتتعلق بما تابعناه قبل يومين في قصة احد ابناء المسؤولين الذي أثار تعليق له على “الفيسبوك” موجة من الردود والانتقادات،ومع ان ما كتبه الشاب لا يختلف عما يكتبه غيره من الشباب الذين حوّلوا صفحات التواصل الاجتماعي الى “حبل غسيل” ينشرون عليه تفاصيل ما يمرّ بهم من حوادث شخصية، الاّ ان (الواقعة) تجاوزت ذلك، والمشكلة ليست فقط في ما كتبه الشاب ولا حتى فيما حدث معه، ولكنها ترتبط ايضا “بالمزاج” العام للناس، كما انها تعكس حالة “مجتمعنا” الذي تعرض لصراع جديد، ليس على مستوى المنابت والاصول فقط، وانما على مستوى “الطبقات” الاجتماعيّة والاقتصادية، هذه التي افرزها تراجع مستوى منظومة العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، الأمر الذي شجع الطبقات التي تعاني من الفقر والتهميش وغياب الاهتمام بالنظر الى الطبقات التي استحوذت على السلطة والمال (حتى لو كان ذلك مشروعاً وبالحلال) نظرة ثأريّة باعتبار ان هؤلاء مصدر استفزاز، وحتى لو لم يصدر منهم ما يشير الى ذلك، فهم مرفوضون ومدانون لمجرد انهم من طبقة “الاثرياء” في مجتمع يعاني فيه السواد الاعظم من الفقر والعوز والاختلال في توزيع الموارد والفرص والمناصب ايضاً.
حين ندقق في حالة مجتمعنا في سياق المسألتين اللتين ذكرتهما سلفاً سنكتشف بأن لدينا مشكلتين: احداهما تتعلق بالانقسام على أساس الهوية السياسيّة والاخرى على أساس الهوية “الاقتصاديّة”، أما الاولى فمفهومة ويكمن اعتبارها “الاقل خطراً” لأنها تعكس انشغالاً نخبوياً يجري توظيفه موسمياً، ولا تشكل بالنسبة للأردنين الذين انصهروا في الدم والنسب مصدر خوف، وبالتالي فان هذا الانقسام يخضع لعوامل “طارئة” وغير اصيلة، وينفخ فيه اشخاص لهم اجندات معروفة، ولا يحظون بأيّ اهتمام في الشارع، اما الثانيّة فهي اخطر، لأنها تعكس احساساً عميقاً ومشتركاً لدى اغلبية المواطنين،باختلاف اصولهم واطيافهم، بالظلم والتهميش، وبدونية “الطبقة” الاقتصاديّة التي ينتسبون اليها، لا لإنهم الاقل حظاً والافقر وانما لانهم “ضحايا” لعملية فرز طبقي، ثم انتاجها بقصد من خلال سياسيات استهدفت الطبقة الوسطى والفقيرة وحولت المجتمع الى قلة يملكون كل شيء واغلبية غير قادرة على تحقيق ابسط مستلزمات الحياة الكريمة.
في هذا السياق –فقط- يجب ان نفهم “موجة” الغضب التي عبّر عنها بعض الشباب في الفضاء الالكتروني حين قارنوا بين “المرسيدس” و “الكيا”، ( نتذكر كتاب “اللكزس وشجرة الزيتون”، للامريكي توماس فريدمان مع الفارق الكبير) فالمسألة لا تتعلق “بانتقاء” بوست شخصي مهما كان مضمونه،ولا بمهاجمة ابن مسؤول –اي مسؤول- مهما كان خطأه، وانما تعكس –كما ذكرنا- مزاجاً عاماً ملبدا بالغضب والاحتجاج من غياب “الاصلاح وتمدد الفساد، وانغلاق ابواب العدالة والكرامة وشيوع حالة من الاحباط واليأس والخوف من المستقبل.
في مرات عديدة،احاول ان اتفرس في وجوه شباب يقفون امام الحاويات او يتجولون في الشارع ،فالاحظ انهم مسكونون (بالغضب) والصدمة مما يرونه من ترف هنا وهنا ،وهم لا ريب يقارنون بين الفقر الذي هم فيه وبين هذا الثراء الفاحش الذي اصاب الاخرين، المسألة هنا لاتنطوي على حقد طبقي ،فمجتمعنا عاش حالة الفقر وتصالح معها ،لكن حين كان الناس جميعا يتصرفون في حياتهم بمنتهى الزهد ويشعرون بانهم متساوون تماما ،اما حين انشطر المجتمع الى قسمين واصبح الاثرياء الذين نزلت عليهم النعمة بالبرشوت يتباهون بما وصلوا له دون الاحساس بغيرهم فقد انقلبت الصورة ،واصبح الاقل حظا ينظر الى هؤلاء كغرباء.
مع الاسف اننا ما نزال نغمض عيوننا عما يجري في مجتمعنا من انقسامات ،والاسوأ اننا نعمل على توطينها ،خذ مثلا ما حدث في انتخابات الجامعة الاردنية حين تواطأ البعض على فرز المرشحين الى قوائم محاصصة ،وخذ ايضا ما يحدث على مستوى التوظيف حين نتعمد فرز الاشخاص وفقا لاعتبارات طبقية، وخذ ثالثا سلوكياتنا العامة التي تحاول اقناع الاقل حظا بان يتركوا ثقافة العيب ويقبلوا الدخول في المهن الصغيرة(عامل وطن مثلا) فيما يجري تفصيل وظائف مرموقة لابناء الاثرياء والوجهاء..وغير ذلك من الامثلة التي ترسخ لدى المهمشين القناعة بانهم الاقل حظا والاقل مكانة واعتبارا ايضا ..ثم ننتظر منهم ان يردوا لنا التحية بأحسن منها.
كنت بدأت بالدعوة الى استئناف مشروع الاصلاح وحذرت من تعطيله ، وها أنذا اكرر الدعوة لانني اعتقد جازما بان ما يعانيه مجتمنا من حالة صعبة لا يمكن ان يتجاوزه الا اذا خرجنا من هذا الاستعصاء ودخلنا على الفور الى توافقات وطنيه تنهي هذه الشيزوفرينا التي ابتلينا بها ،وتعيدنا الى سكة السلامة التي يستحقها الناس في بلادنا.
(الدستور)
اذا سألتني عن الهواجس التي دفعتني الى مثل هذا التنبيه فهي –كما تعرف- كثيرة، لكن ما يهمني هو الاشارة الى انعكاساتها على واقع مجتمعنا، وانعاكاساتها تكشف –بالطبع- عن خطورة المسكوت عنه،وعن الاصابات التي لحقت بمزاجنا العام، ويكفي ان اقف عند مسألتين: احداهما تتعلق بما حدث في مجتمعنا قبل نحو شهر من “انقسامات” على هامش النقاش حول خطة كيري، وبعدها حول استشهاد “القاضي الاردني”، ثم ما تلا ذلك من سجالات حول “الوطنية” والعنصرية والعلاقة بين المواطنين الاردنين في اطار “الوطن الاصيل والاخر البديل”، وقد عكست هذه المسألة جزءاً من “الحالة المرضية” الي يعاني منها مجتمعنا على صعيد مفهوم الوطنية والانتماء، وعلى صعيد الاحساس “بالفقر السياسي” الذي ولّد مثل هذه الصراعات النخبويّة المسمومة، أما المسألة الثانية فتتعلق بما تابعناه قبل يومين في قصة احد ابناء المسؤولين الذي أثار تعليق له على “الفيسبوك” موجة من الردود والانتقادات،ومع ان ما كتبه الشاب لا يختلف عما يكتبه غيره من الشباب الذين حوّلوا صفحات التواصل الاجتماعي الى “حبل غسيل” ينشرون عليه تفاصيل ما يمرّ بهم من حوادث شخصية، الاّ ان (الواقعة) تجاوزت ذلك، والمشكلة ليست فقط في ما كتبه الشاب ولا حتى فيما حدث معه، ولكنها ترتبط ايضا “بالمزاج” العام للناس، كما انها تعكس حالة “مجتمعنا” الذي تعرض لصراع جديد، ليس على مستوى المنابت والاصول فقط، وانما على مستوى “الطبقات” الاجتماعيّة والاقتصادية، هذه التي افرزها تراجع مستوى منظومة العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، الأمر الذي شجع الطبقات التي تعاني من الفقر والتهميش وغياب الاهتمام بالنظر الى الطبقات التي استحوذت على السلطة والمال (حتى لو كان ذلك مشروعاً وبالحلال) نظرة ثأريّة باعتبار ان هؤلاء مصدر استفزاز، وحتى لو لم يصدر منهم ما يشير الى ذلك، فهم مرفوضون ومدانون لمجرد انهم من طبقة “الاثرياء” في مجتمع يعاني فيه السواد الاعظم من الفقر والعوز والاختلال في توزيع الموارد والفرص والمناصب ايضاً.
حين ندقق في حالة مجتمعنا في سياق المسألتين اللتين ذكرتهما سلفاً سنكتشف بأن لدينا مشكلتين: احداهما تتعلق بالانقسام على أساس الهوية السياسيّة والاخرى على أساس الهوية “الاقتصاديّة”، أما الاولى فمفهومة ويكمن اعتبارها “الاقل خطراً” لأنها تعكس انشغالاً نخبوياً يجري توظيفه موسمياً، ولا تشكل بالنسبة للأردنين الذين انصهروا في الدم والنسب مصدر خوف، وبالتالي فان هذا الانقسام يخضع لعوامل “طارئة” وغير اصيلة، وينفخ فيه اشخاص لهم اجندات معروفة، ولا يحظون بأيّ اهتمام في الشارع، اما الثانيّة فهي اخطر، لأنها تعكس احساساً عميقاً ومشتركاً لدى اغلبية المواطنين،باختلاف اصولهم واطيافهم، بالظلم والتهميش، وبدونية “الطبقة” الاقتصاديّة التي ينتسبون اليها، لا لإنهم الاقل حظاً والافقر وانما لانهم “ضحايا” لعملية فرز طبقي، ثم انتاجها بقصد من خلال سياسيات استهدفت الطبقة الوسطى والفقيرة وحولت المجتمع الى قلة يملكون كل شيء واغلبية غير قادرة على تحقيق ابسط مستلزمات الحياة الكريمة.
في هذا السياق –فقط- يجب ان نفهم “موجة” الغضب التي عبّر عنها بعض الشباب في الفضاء الالكتروني حين قارنوا بين “المرسيدس” و “الكيا”، ( نتذكر كتاب “اللكزس وشجرة الزيتون”، للامريكي توماس فريدمان مع الفارق الكبير) فالمسألة لا تتعلق “بانتقاء” بوست شخصي مهما كان مضمونه،ولا بمهاجمة ابن مسؤول –اي مسؤول- مهما كان خطأه، وانما تعكس –كما ذكرنا- مزاجاً عاماً ملبدا بالغضب والاحتجاج من غياب “الاصلاح وتمدد الفساد، وانغلاق ابواب العدالة والكرامة وشيوع حالة من الاحباط واليأس والخوف من المستقبل.
في مرات عديدة،احاول ان اتفرس في وجوه شباب يقفون امام الحاويات او يتجولون في الشارع ،فالاحظ انهم مسكونون (بالغضب) والصدمة مما يرونه من ترف هنا وهنا ،وهم لا ريب يقارنون بين الفقر الذي هم فيه وبين هذا الثراء الفاحش الذي اصاب الاخرين، المسألة هنا لاتنطوي على حقد طبقي ،فمجتمعنا عاش حالة الفقر وتصالح معها ،لكن حين كان الناس جميعا يتصرفون في حياتهم بمنتهى الزهد ويشعرون بانهم متساوون تماما ،اما حين انشطر المجتمع الى قسمين واصبح الاثرياء الذين نزلت عليهم النعمة بالبرشوت يتباهون بما وصلوا له دون الاحساس بغيرهم فقد انقلبت الصورة ،واصبح الاقل حظا ينظر الى هؤلاء كغرباء.
مع الاسف اننا ما نزال نغمض عيوننا عما يجري في مجتمعنا من انقسامات ،والاسوأ اننا نعمل على توطينها ،خذ مثلا ما حدث في انتخابات الجامعة الاردنية حين تواطأ البعض على فرز المرشحين الى قوائم محاصصة ،وخذ ايضا ما يحدث على مستوى التوظيف حين نتعمد فرز الاشخاص وفقا لاعتبارات طبقية، وخذ ثالثا سلوكياتنا العامة التي تحاول اقناع الاقل حظا بان يتركوا ثقافة العيب ويقبلوا الدخول في المهن الصغيرة(عامل وطن مثلا) فيما يجري تفصيل وظائف مرموقة لابناء الاثرياء والوجهاء..وغير ذلك من الامثلة التي ترسخ لدى المهمشين القناعة بانهم الاقل حظا والاقل مكانة واعتبارا ايضا ..ثم ننتظر منهم ان يردوا لنا التحية بأحسن منها.
كنت بدأت بالدعوة الى استئناف مشروع الاصلاح وحذرت من تعطيله ، وها أنذا اكرر الدعوة لانني اعتقد جازما بان ما يعانيه مجتمنا من حالة صعبة لا يمكن ان يتجاوزه الا اذا خرجنا من هذا الاستعصاء ودخلنا على الفور الى توافقات وطنيه تنهي هذه الشيزوفرينا التي ابتلينا بها ،وتعيدنا الى سكة السلامة التي يستحقها الناس في بلادنا.
(الدستور)