الإخوان.. حسابات الحقل والبيدر !!
حسين الرواشدة
جو 24 : لم تنقطع قنوات الاتصال -حسب معلوماتي- بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، لكن يبدو ان محاولات تجري الان للوصول الى تفاهمات اعمق قد تنتهي الى ردم الفجوة بين الطرفين وتمكين الجماعة من العودة للاندماج في العملية السياسية.
في جردة حسابات المرحلة الماضية اكتشف الطرفان -الدولة والإخوان - انه لامصلحة لاحدهما في اشهار الطلاق بينهما، وان الاشتباكات التي حصلت في اطار الربيع العربي كانت مجرد تكتيك سياسي لا يحمل اي نوايا للصدام، صحيح ان الاخوان احسوا في لحظة ما ان الظروف اصبحت مواتية لانتزاع ما يطمحون اليه من مكاسب سياسية،وهي مسألة مفهومة ومشروعة، لكنهم عزفوا تماما عن الاستقواء على الدولة والتزموا السلمية والهدوء وحين تجاوزت حسابات الشارع وهتافاته السقوف المالوفة انحازوا الى ثوابتهم ،وصحيح ايضا ان الدولة توجست من تنامي صعود الاسلام السياسي في المنطقة ومن تداعياته على الجبهة الداخلية التي يستأثر الاخوان بالنصيب الاكبر فيها شعبيا وبالتالي حاولت ان تحاصرهم وتحد من “طموحاتهم “ ( في سياق ذلك خرجت فكرة زمزم )، ثم تقمص الطرفان فيما بعد (الحالة المصرية) بعد الانقلاب وتناوبا تراشق الاتهامات، لكن سريعا ما انتهت حالة التقمص، لكن الصحيح -ايضا- ان كل ذلك ما كان ليتم لولا وجود “علاقة استراتيجية” غير معلن عنها بين الاخوان والدولة تعتمد اساسا على مبدأ “التوافق” على الثوابت او على المصلحة العليا للدولة، وبموجبها يصبح موضوع الاشتباك السياسي مقبولا حتى لو وصل الى المقاطعة والشيطنة ما دام الامر تحت السيطرة وما دام ان الطرفين يدركان تماما ان الوصول الى الصدام غير وارد ومرفوض تماما. وعليه يمكن فهم استبعاد مسألة اطلاق وصفة “الارهاب “على الاخوان رغم الضغوط التي جرت لادراج الاردن في صف الدول التي تبنت هذا الخيار.
اكبر دليل على طبيعة العلاقة بين الدولة والاخوان هو ان ادارة ملف (الاصلاح) الذي شكل في لحظة ما احد معالم الاختلاف بين الطرفين، كان مختلفا عليه داخل البيت الاخواني، وليس سرا ان القوى الكبرى داخل الجماعة لم تكن تتعامل مع المسألة بالحدية والجدية التي كنا نتابعها في الشارع، بل ان تشكيل مجلس الاصلاح الاعلى - وقبله الانضمام الى جبهة الاصلاح الوطنية - كانا محاولتين من قيادات الجماعة لتعويم المطالبات بالاصلاح، فيما شكلت القوى المحسوبة على الحمائم مصدر ضغط واحراج للجماعة بسبب الحاحها على الانخراط في مطالبات الشارع ،وكان موقف الجماعة التي اعتبرت ان لديها اولويات اخرى تتقدم على الاصلاح لافتا حين حاولت تقليص واضعاف اصوات الملحين على تصعيد الحراك في الشارع والانصهار مع القوى الحراكية، وهذا يعني وفق ما افهمه على الاقل) ان خيار الجماعة كان يقوم على اساسين ،الاول: الحفاظ على العلاقة مع الدولة وفق الاستراتيجية التي اشرنا اليها وعدم الوصول الى مرحلة “كسر العظم “ مهما كانت الاسباب وهذا ما كشفته اللقاءات التي كانت تتم بين صقور الجماعة وبعض المسؤولين في الدولة، والاخر محاولة ارضاء الشارع وعدم احراج الجماعة امام قواعدها وخاصة الشباب، وقد اسندت هذه المهمة لبعض المحسوبين على الحمائم وتم اسنادها من خلال تصريحات نارية لبعض القيادات الصقورية، في عملية تقاسم ادوار لم ترض بعض الاطراف داخل الجماعة وخاصة المتحمسين لمشروع الاصلاح او لدعاة اولويات الداخل الوطني الذين يعتقدون ان الجماعة يجب ان تكون جماعة وطنية قبل ان تكون جماعة اسلامية.
في ضوء ذلك، يمكن فهم الرسائل التي بعثها الاخوان في الاسبوع الماضي واتسمت بنوع من التلطف والنعومة السياسية(اشادوا بالخطة الاقتصادية ومخرجات لجنة الخصخصة) كما يمكن فهم القنابل الدخانية التي تلت ذلك( انتقادهم للمضايقات التي يتعرض لها بعض اعضاء الجماعة ومخاوفهم من انتقال الانقسام في المجتمع المصري الينا بسبب التعاقد مع ائمة مصريين)، إذْ تعكس مضامين هذه الرسائل طبيعة العلاقة مع الدولة في هذه المرحلة، من طرف التلطف والانتقاد الناعم، ومن جهة الاشتباك السياسي، خاصة بعد نقطة الفوز التي حققها الاخوان في انتخابات نقابة المعلمين كما يلاحظ ان انتقادات الجماعة لما جرى في انتخابات الجامعة الاردنية كانت ناعمة ايضا، زد على ذلك عدم تسرعهم في محاكمة قيادات زمزم حتى الان، ومسألة”زمزم” هنا كما قلنا جاءت في سياق الاشتباك مع الاخوان في مرحلة ما، ودورها محدود في ادامة هذا الاشتاك فقط، وبالتالي فان زمزم ستبقى ورقة سياسية جاهزة بيد الدولة للاستخدام اذا ما خرج الاخوان عن الخط(وهم لن يخرجوا..!) ولن تكون اكثر من ذلك.
يمكن ان اضيف نقطتين هنا، احداهما ان تقدير حالة الاسلاميين الفاعلين في المجال العام(والاخوان ابرزهم) انتهي كما يبدوا الى اعتبار الجماعة “التيار” الافضل والانسب بالنسبة للدولة والمجتمع، لا اتحدث هنا عن المخاوف من امتداد تيار التطرف بغياب او اقصاء الجماعة عن العمل السياسي والعام وانما ايضا عن “الفراغ” الذي عجز الاسلاميون الاخرون عن ملئه؛ ما اعطى للاخوان في علاقتهم مع الدولة ميزة خاصة، دعك هنا من الاسباب الذاتية والموضوعية (وهي مفهومة) لكن يبدو ان النتيجة صبت في حساب الاخوان لسببين اولهما ما يحظون به من رصيد شعبي ومواقف معتدلة، وثانيهما المخاوف التي ستنشأ من وضعهم في اطار المظلومية التي ستزيد حتما من شعبيتهم ،ناهيك عن عدم وجود البديل لسد الفراغ الذي تركوه وخاصة في العملية السياسية، اما النقطة الثانية فهي ان الاخوان الذين يستعدون لاجراء انتخابات مجلس الشورى والمكتب التنفيذي للحزب حريصون على امرين احدهما الحفاظ على علاقتهم مع الدولة وعلى تماسك بيتهم الداخلي في هذه المرحلة التي يتعرضون فيها لاشد انواع التضييق عربيا واقليميا، وثانيهما محاولة تغيير صورة الجماعة والحزب(خطابهما العام وموقفهما من الاصلاح وانهاء حالة الجذب والاستئثارعلى المواقع..الخ) وهذا ما تتيحه التعديلات التي جرت على انظمة الانتخاب للمجلس والمكتب، وبالتالي فانني اعتقد ان الانتخابات ستفرز حالة وتشكيلة جديدة، لكنها ستكون في الاطار العام غير مفاجئة وانما منسجمة مع خط الجماعة ومواقفها التي عبرت عنها في الشهور الثلاثة المنصرفة، واقصد تحديدا الانحياز لمعادلة “الهدوء والانتظار والكمون والتلطف في الخطاب وعدم الاستعداء” وهي المرتكزات التي ستكون عنوان حركة الاخوان وطبيعة علاقتهم الداخلية ومع الاطراف الاخرى ايضا.
(الدستور)
في جردة حسابات المرحلة الماضية اكتشف الطرفان -الدولة والإخوان - انه لامصلحة لاحدهما في اشهار الطلاق بينهما، وان الاشتباكات التي حصلت في اطار الربيع العربي كانت مجرد تكتيك سياسي لا يحمل اي نوايا للصدام، صحيح ان الاخوان احسوا في لحظة ما ان الظروف اصبحت مواتية لانتزاع ما يطمحون اليه من مكاسب سياسية،وهي مسألة مفهومة ومشروعة، لكنهم عزفوا تماما عن الاستقواء على الدولة والتزموا السلمية والهدوء وحين تجاوزت حسابات الشارع وهتافاته السقوف المالوفة انحازوا الى ثوابتهم ،وصحيح ايضا ان الدولة توجست من تنامي صعود الاسلام السياسي في المنطقة ومن تداعياته على الجبهة الداخلية التي يستأثر الاخوان بالنصيب الاكبر فيها شعبيا وبالتالي حاولت ان تحاصرهم وتحد من “طموحاتهم “ ( في سياق ذلك خرجت فكرة زمزم )، ثم تقمص الطرفان فيما بعد (الحالة المصرية) بعد الانقلاب وتناوبا تراشق الاتهامات، لكن سريعا ما انتهت حالة التقمص، لكن الصحيح -ايضا- ان كل ذلك ما كان ليتم لولا وجود “علاقة استراتيجية” غير معلن عنها بين الاخوان والدولة تعتمد اساسا على مبدأ “التوافق” على الثوابت او على المصلحة العليا للدولة، وبموجبها يصبح موضوع الاشتباك السياسي مقبولا حتى لو وصل الى المقاطعة والشيطنة ما دام الامر تحت السيطرة وما دام ان الطرفين يدركان تماما ان الوصول الى الصدام غير وارد ومرفوض تماما. وعليه يمكن فهم استبعاد مسألة اطلاق وصفة “الارهاب “على الاخوان رغم الضغوط التي جرت لادراج الاردن في صف الدول التي تبنت هذا الخيار.
اكبر دليل على طبيعة العلاقة بين الدولة والاخوان هو ان ادارة ملف (الاصلاح) الذي شكل في لحظة ما احد معالم الاختلاف بين الطرفين، كان مختلفا عليه داخل البيت الاخواني، وليس سرا ان القوى الكبرى داخل الجماعة لم تكن تتعامل مع المسألة بالحدية والجدية التي كنا نتابعها في الشارع، بل ان تشكيل مجلس الاصلاح الاعلى - وقبله الانضمام الى جبهة الاصلاح الوطنية - كانا محاولتين من قيادات الجماعة لتعويم المطالبات بالاصلاح، فيما شكلت القوى المحسوبة على الحمائم مصدر ضغط واحراج للجماعة بسبب الحاحها على الانخراط في مطالبات الشارع ،وكان موقف الجماعة التي اعتبرت ان لديها اولويات اخرى تتقدم على الاصلاح لافتا حين حاولت تقليص واضعاف اصوات الملحين على تصعيد الحراك في الشارع والانصهار مع القوى الحراكية، وهذا يعني وفق ما افهمه على الاقل) ان خيار الجماعة كان يقوم على اساسين ،الاول: الحفاظ على العلاقة مع الدولة وفق الاستراتيجية التي اشرنا اليها وعدم الوصول الى مرحلة “كسر العظم “ مهما كانت الاسباب وهذا ما كشفته اللقاءات التي كانت تتم بين صقور الجماعة وبعض المسؤولين في الدولة، والاخر محاولة ارضاء الشارع وعدم احراج الجماعة امام قواعدها وخاصة الشباب، وقد اسندت هذه المهمة لبعض المحسوبين على الحمائم وتم اسنادها من خلال تصريحات نارية لبعض القيادات الصقورية، في عملية تقاسم ادوار لم ترض بعض الاطراف داخل الجماعة وخاصة المتحمسين لمشروع الاصلاح او لدعاة اولويات الداخل الوطني الذين يعتقدون ان الجماعة يجب ان تكون جماعة وطنية قبل ان تكون جماعة اسلامية.
في ضوء ذلك، يمكن فهم الرسائل التي بعثها الاخوان في الاسبوع الماضي واتسمت بنوع من التلطف والنعومة السياسية(اشادوا بالخطة الاقتصادية ومخرجات لجنة الخصخصة) كما يمكن فهم القنابل الدخانية التي تلت ذلك( انتقادهم للمضايقات التي يتعرض لها بعض اعضاء الجماعة ومخاوفهم من انتقال الانقسام في المجتمع المصري الينا بسبب التعاقد مع ائمة مصريين)، إذْ تعكس مضامين هذه الرسائل طبيعة العلاقة مع الدولة في هذه المرحلة، من طرف التلطف والانتقاد الناعم، ومن جهة الاشتباك السياسي، خاصة بعد نقطة الفوز التي حققها الاخوان في انتخابات نقابة المعلمين كما يلاحظ ان انتقادات الجماعة لما جرى في انتخابات الجامعة الاردنية كانت ناعمة ايضا، زد على ذلك عدم تسرعهم في محاكمة قيادات زمزم حتى الان، ومسألة”زمزم” هنا كما قلنا جاءت في سياق الاشتباك مع الاخوان في مرحلة ما، ودورها محدود في ادامة هذا الاشتاك فقط، وبالتالي فان زمزم ستبقى ورقة سياسية جاهزة بيد الدولة للاستخدام اذا ما خرج الاخوان عن الخط(وهم لن يخرجوا..!) ولن تكون اكثر من ذلك.
يمكن ان اضيف نقطتين هنا، احداهما ان تقدير حالة الاسلاميين الفاعلين في المجال العام(والاخوان ابرزهم) انتهي كما يبدوا الى اعتبار الجماعة “التيار” الافضل والانسب بالنسبة للدولة والمجتمع، لا اتحدث هنا عن المخاوف من امتداد تيار التطرف بغياب او اقصاء الجماعة عن العمل السياسي والعام وانما ايضا عن “الفراغ” الذي عجز الاسلاميون الاخرون عن ملئه؛ ما اعطى للاخوان في علاقتهم مع الدولة ميزة خاصة، دعك هنا من الاسباب الذاتية والموضوعية (وهي مفهومة) لكن يبدو ان النتيجة صبت في حساب الاخوان لسببين اولهما ما يحظون به من رصيد شعبي ومواقف معتدلة، وثانيهما المخاوف التي ستنشأ من وضعهم في اطار المظلومية التي ستزيد حتما من شعبيتهم ،ناهيك عن عدم وجود البديل لسد الفراغ الذي تركوه وخاصة في العملية السياسية، اما النقطة الثانية فهي ان الاخوان الذين يستعدون لاجراء انتخابات مجلس الشورى والمكتب التنفيذي للحزب حريصون على امرين احدهما الحفاظ على علاقتهم مع الدولة وعلى تماسك بيتهم الداخلي في هذه المرحلة التي يتعرضون فيها لاشد انواع التضييق عربيا واقليميا، وثانيهما محاولة تغيير صورة الجماعة والحزب(خطابهما العام وموقفهما من الاصلاح وانهاء حالة الجذب والاستئثارعلى المواقع..الخ) وهذا ما تتيحه التعديلات التي جرت على انظمة الانتخاب للمجلس والمكتب، وبالتالي فانني اعتقد ان الانتخابات ستفرز حالة وتشكيلة جديدة، لكنها ستكون في الاطار العام غير مفاجئة وانما منسجمة مع خط الجماعة ومواقفها التي عبرت عنها في الشهور الثلاثة المنصرفة، واقصد تحديدا الانحياز لمعادلة “الهدوء والانتظار والكمون والتلطف في الخطاب وعدم الاستعداء” وهي المرتكزات التي ستكون عنوان حركة الاخوان وطبيعة علاقتهم الداخلية ومع الاطراف الاخرى ايضا.
(الدستور)