ما بعد التاريخ !!
خيري منصور
جو 24 : لو صدقنا ما كتبه فوكوياما على اطلال الحرب الباردة فوق سور برلين المنهار بأن التاريخ قد انتهى، فنحن نعيش منذ عقدين على الأقل مرحلة ما بعد التاريخ، وهي مرحلة تحتاج إلى قواميس جديدة ومصطلحات مختلفة لما ساد في أدبيات التاريخ الكلاسيكي، ومنها مثلا مصطلح السيادة، الذي لم تعد له دلالات واقعية، بل هو موسيقى محلية وخطاب استهلاكي لا يتخطى الحدود الاقليمية للبلدان، فبعد كل تلك المرات التي تحول فيها التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لعدد من البلدان خصوصا في آسيا وافريقيا من حراك دبلوماسي خشن الى حروب تسقط أنظمة أصبح العالم بالفعل قرية، لكن ليس بالمعنى التكنولوجي، أو ما يقصده البعض بنتائج العولمة، انه قرية بمقياس آخر تحدده القوة فقط، فما من مكان بعيد عن البنتاغون مثلا لهذا عبرت الطائرات البحار والقارات لتحقق اهدافا عسكرية وسيق عشرات الالوف من البشر من مختلف القوميات الى قلعة كافكاوية تعج بالكوابيس كغوانتينامو والارجح ان مفهوم ما بعد التاريخ ينسجم ويتناغم مع موجة ما يسمى «المابعديات» بدءا من ما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار وما بعد الثورة الصناعية حتى ما بعد المنطق، وهناك مواقف دولية شكلت انقلابا علنيا على المنطق منذ أرسطو الذي وصف الانسان بأنه حيوان سياسي وما يسمى من باب التخفيف والنفاق في الحقيقة ثورة مضادة لمنجزات العقل الانساني وحين قسم جورج بوش الابن العالم الى سواد وبياض وشر محض وخير مطلق اجهز على اهم منجز حضاري وعقلاني في الغرب وهو الجدلية، والبعد الثالث، لهذا وجد من الاوربيين من وصف انقلابه هذا بالعودة الى ما قبل المنطق، وهذه صفة طالما اطلقها الاستشراق الامريكي بالتحديد على العقل الشرقي خصوصا العقل العربي الاسلامي.
لقد اضطر منظر نهاية التاريخ الى مراجعة مواقفه لكنه لم يعتذر عن جوهر اطروحته، تماما كما فعل منظر صراع الحضارات صاموئيل هانتنجتون عندما كتب في مجلة الفورين افيرز الامريكية مقالاً أقرب الى النقد الذاتي خصوصا حول ما قاله عن امريكا التي اصبحت متخصصة في اختراع الاعداء!
ما نخشاه هو ما سوف ينتج عن انعطاب البوصلات كلها وفي مقدمتها البوصلة الاخلاقية فلا نعود نعرف ما اذا كان ما نعيشه هو ما بعد التاريخ أو ما قبله، وما بعد الحداثة أو ما قبلها، وما بعد الانسان أو ما قبله، فالعالم الذي يعاني من اختلال كما وصفه أمين معلوف لم يعد فيه ما يمكن الاجماع عليه، بدءاً من جدول الضرب حتى ثنائية الحرب والسلام.الدستور
لقد اضطر منظر نهاية التاريخ الى مراجعة مواقفه لكنه لم يعتذر عن جوهر اطروحته، تماما كما فعل منظر صراع الحضارات صاموئيل هانتنجتون عندما كتب في مجلة الفورين افيرز الامريكية مقالاً أقرب الى النقد الذاتي خصوصا حول ما قاله عن امريكا التي اصبحت متخصصة في اختراع الاعداء!
ما نخشاه هو ما سوف ينتج عن انعطاب البوصلات كلها وفي مقدمتها البوصلة الاخلاقية فلا نعود نعرف ما اذا كان ما نعيشه هو ما بعد التاريخ أو ما قبله، وما بعد الحداثة أو ما قبلها، وما بعد الانسان أو ما قبله، فالعالم الذي يعاني من اختلال كما وصفه أمين معلوف لم يعد فيه ما يمكن الاجماع عليه، بدءاً من جدول الضرب حتى ثنائية الحرب والسلام.الدستور