صناديق العجب!
خيري منصور
جو 24 : الفارق بين صندوق العجب الذي كان يحمله رجل أشبه ببائع متجول على ظهره وبين هذا الصندوق الأنيق الملون والذي يعج بآلاف المحطات هو ان الصندوق الأول كان بريئاً وحامله يتركنا نتفرج من ثقب فيه على مشاهد صامتة ومتكررة، بينما الصندوق الجديد استبدل البراءة بالبراعة ورغم انه يتيح لنا ان نتنقل في اقل من ثانية بين شاشة واخرى، الا ان ما وراء الشاشات كلها هو هدف واحد تتبدل صيغه وأنماطه وألوانه لكنه يبقى هادفاً الى اصطياد المشاهد واحيانا يكون الطعم شهياً، لكنه في اغلب الأحيان يكون منفراً لكن الرهان هو على الادمان وليس على جودة المنتج، فلو انقطع التيار الكهربائي اثناء البث التلفزيوني يحدث ما يشبه الفضيحة، فالجميع يصمتون ولا يجدون لديهم ما يقولونه، لانهم أقلعوا منذ عقود طويلة عن الحوار أو الجلوس أمام بعضهم وليس أمام صندوق العجب.
على الشاشة ذاتها تتعايش كل متناقضات الحياة والطبيعة والافكار، واحياناً استغرب كيف لا تنفجر وهي توظف لاغراض لا يجمع بينها شيء لكن قاسمها المشترك الوحيد هو ستر وتغطية الصمت كما لو انه عورة.
ثانية واحدة تفصل بين برنامج ديني وفلم بورنو، وكذلك بين منافق أفّاق يعظ الناس بعكس ما يمارسه، لأنه لا يؤمن بالمثل القائل ان طباخ السم يتذوقه أولاً، فهو ربيب ثقافة الشيزوفرينيا في كل المجالات، سياسياً وثقافياً واجتماعياً، ولم يسلم حتى الاقتصاد من هذا الوباء ما دام هناك سماسرة صغار ينتحلون صورة رجال المال والاعلام ويكفي ان تتوفر لديهم أدوات قليلة للاستعراض أو ما يسمى عدة النصب من اجل كسب مؤقت، قد لا يتكرر على الاطلاق لأنهم أشبه بالباعة المتجولين بلا مكان ولا عنوان!
بالطبع لم يكن صندوق العجب الصغير والبريء في طفولتنا يتسع لكل ما نراه الآن، فالشاشة تتحول في لحظة الى نافذة مطبخ نوشك أن نشم روائح الاعلانات التي يعتمد صانعوها نظرية بافلوف في التعلم الشرطي..
وأخطر ما في صندوق العجب الحديث انه اصبح يتولى التفكير نيابة عنا، بل خلق ثقافة فضائية لها قاموسها ومناخاتها، بحيث اصبح الكثير من الناس يرددون صدى ما سمعوا في الليل ويستخدمون مفردات معزولة عن سياقاتها.
فهم ضحية عمليات تجريب يقوم بها خبراء استراتيجيون بلا خبرات، وأساتذة بلا تلاميذ، ومواطنون افتراضيون بلا أوطان، ومقاومون بلا مقاومة.
فالقطيعة الآن بلغت ذروتها بين الصفة والموصوف وما من أحد يعرف قدر نفسه ما دامت الفوضى الخناقة لا الخلاقة قد أزهقت العقول.
ان ما يستحق اسم صندوق العجب هو هذا المستطيل الاشبه بكمين وليس ذلك الصندوق المسكين الذي يحمله على ظهره رجل يبحث عن ثمن عشاء!
على الشاشة ذاتها تتعايش كل متناقضات الحياة والطبيعة والافكار، واحياناً استغرب كيف لا تنفجر وهي توظف لاغراض لا يجمع بينها شيء لكن قاسمها المشترك الوحيد هو ستر وتغطية الصمت كما لو انه عورة.
ثانية واحدة تفصل بين برنامج ديني وفلم بورنو، وكذلك بين منافق أفّاق يعظ الناس بعكس ما يمارسه، لأنه لا يؤمن بالمثل القائل ان طباخ السم يتذوقه أولاً، فهو ربيب ثقافة الشيزوفرينيا في كل المجالات، سياسياً وثقافياً واجتماعياً، ولم يسلم حتى الاقتصاد من هذا الوباء ما دام هناك سماسرة صغار ينتحلون صورة رجال المال والاعلام ويكفي ان تتوفر لديهم أدوات قليلة للاستعراض أو ما يسمى عدة النصب من اجل كسب مؤقت، قد لا يتكرر على الاطلاق لأنهم أشبه بالباعة المتجولين بلا مكان ولا عنوان!
بالطبع لم يكن صندوق العجب الصغير والبريء في طفولتنا يتسع لكل ما نراه الآن، فالشاشة تتحول في لحظة الى نافذة مطبخ نوشك أن نشم روائح الاعلانات التي يعتمد صانعوها نظرية بافلوف في التعلم الشرطي..
وأخطر ما في صندوق العجب الحديث انه اصبح يتولى التفكير نيابة عنا، بل خلق ثقافة فضائية لها قاموسها ومناخاتها، بحيث اصبح الكثير من الناس يرددون صدى ما سمعوا في الليل ويستخدمون مفردات معزولة عن سياقاتها.
فهم ضحية عمليات تجريب يقوم بها خبراء استراتيجيون بلا خبرات، وأساتذة بلا تلاميذ، ومواطنون افتراضيون بلا أوطان، ومقاومون بلا مقاومة.
فالقطيعة الآن بلغت ذروتها بين الصفة والموصوف وما من أحد يعرف قدر نفسه ما دامت الفوضى الخناقة لا الخلاقة قد أزهقت العقول.
ان ما يستحق اسم صندوق العجب هو هذا المستطيل الاشبه بكمين وليس ذلك الصندوق المسكين الذي يحمله على ظهره رجل يبحث عن ثمن عشاء!