المستنقع الذي نقطعه!!
خيري منصور
جو 24 : سيمضي الكثير من الوقت، ويُنزف كثير من الدم قبل أن تتحول هذه الفوضى التي تعصف بالعالم العربي وتخلط حابل السياسة بنابل القرصنة الى سياق من الحريات يضبطه عقد اجتماعي، فنحن من بعض النواحي نعيش ما قبل الماغناكرتا وليس العقد الاجتماعي لروسو فقط.
وسبب ذلك باختصار هو فائض المكبوتات التي تراكمت وتحالفت لتصيب مجتمعنا بالعمى، فهو منهك بتسديد مديونيات أضاف اليها التخلف نسبة باهظة من الربا التاريخي، وهناك قصة يرويها اليوناني كازنتزاكي عن شخص كان محروماً من الكرز رغم أنه يشتهيه ثم أتيح له أن يحصل منه على ما يملأ حفرة كبيرة، عندئذ انقض كحيوان جائع وأخذ يلتهم كل ما في الحفرة.. ثم بدأ يفرغ ما في أحشائه، لكنه أحسَّ أنه صفىَّ حساباته القديمة مع هذه الثمرة..
الكرز يكون أحياناً حاجات جسدية أو أشواقاً اجتماعية للتسلل من طبقة الى أخرى، وقد يكون منصباً أو وظيفة وفي جميع هذه الحالات لا بد من تسديد المديونية للحلم المزمن.
ولا ندري كم من الزمن سيمضي علينا كي نصاب بالتخمة لا من الطعام فقط، بل من الحرية كي نعود الى رشدنا بالطبع لن يبقى الحال على ما هو عليه ليس فقط لأن دوام الحال من الحال -كما يقال- بل لأن العالم من حولنا يتغيَّر وبالتالي يملي علينا قسراً إيقاعاته المتسارعة، فالإنسان التابع والصدى الذي لا يملك سوى ردود الأفعال هو أشبه بالمضبوع الذي لا يصحو ويعود إلى وعيه إلا إذا ارتطم رأسه بسقف المغارة كما تقول الحكاية.
وكم هي حكاية حكيمة رغم أنها تبدو أقرب الى الخرافة، وعبقريتها هي اشتراط الدم للوعي، فلا صحو من الغيبوبة إلا بجرح بليغ في الجبين.
وذات يوم حين يعود المضبوعون إلى رشدهم قد يعيدون اكتشاف ما فاتهم في زحمة الأحداث. وما لم يسمعوه من الأصوات الهادئة وسط الضجيج. فالشارع العربي الآن يشبه سوق النحَّاسين، حيث يحجب الرنين الأصفر الأصوات كلها.
حدث ذلك مراراً في التاريخ وأعيد الاعتبار إلى موتى أدينو وجرِّموا في حياتهم، لأنهم رفضوا أن يشربوا من نهر الجنون.
إن ما يسوء الآن في حياتنا هو التفكير الانفعالي حيث يتولىَّ القلب الجريح مهمة العقل، لأن سيل الدم تجاوز الزُّبى كلها، لكن هذا لن يكون أبدياً وما أن ينجح الناس بقطع المستنقع الذي يعجُّ بكل ما يلدغ ويؤذي حتى يعودوا الى الوراء لإحصاء ما خسروه وما ظنوه مكاسب في لحظات العمى التي أنتجها فائض الكبت والحرمان!
الدستور
وسبب ذلك باختصار هو فائض المكبوتات التي تراكمت وتحالفت لتصيب مجتمعنا بالعمى، فهو منهك بتسديد مديونيات أضاف اليها التخلف نسبة باهظة من الربا التاريخي، وهناك قصة يرويها اليوناني كازنتزاكي عن شخص كان محروماً من الكرز رغم أنه يشتهيه ثم أتيح له أن يحصل منه على ما يملأ حفرة كبيرة، عندئذ انقض كحيوان جائع وأخذ يلتهم كل ما في الحفرة.. ثم بدأ يفرغ ما في أحشائه، لكنه أحسَّ أنه صفىَّ حساباته القديمة مع هذه الثمرة..
الكرز يكون أحياناً حاجات جسدية أو أشواقاً اجتماعية للتسلل من طبقة الى أخرى، وقد يكون منصباً أو وظيفة وفي جميع هذه الحالات لا بد من تسديد المديونية للحلم المزمن.
ولا ندري كم من الزمن سيمضي علينا كي نصاب بالتخمة لا من الطعام فقط، بل من الحرية كي نعود الى رشدنا بالطبع لن يبقى الحال على ما هو عليه ليس فقط لأن دوام الحال من الحال -كما يقال- بل لأن العالم من حولنا يتغيَّر وبالتالي يملي علينا قسراً إيقاعاته المتسارعة، فالإنسان التابع والصدى الذي لا يملك سوى ردود الأفعال هو أشبه بالمضبوع الذي لا يصحو ويعود إلى وعيه إلا إذا ارتطم رأسه بسقف المغارة كما تقول الحكاية.
وكم هي حكاية حكيمة رغم أنها تبدو أقرب الى الخرافة، وعبقريتها هي اشتراط الدم للوعي، فلا صحو من الغيبوبة إلا بجرح بليغ في الجبين.
وذات يوم حين يعود المضبوعون إلى رشدهم قد يعيدون اكتشاف ما فاتهم في زحمة الأحداث. وما لم يسمعوه من الأصوات الهادئة وسط الضجيج. فالشارع العربي الآن يشبه سوق النحَّاسين، حيث يحجب الرنين الأصفر الأصوات كلها.
حدث ذلك مراراً في التاريخ وأعيد الاعتبار إلى موتى أدينو وجرِّموا في حياتهم، لأنهم رفضوا أن يشربوا من نهر الجنون.
إن ما يسوء الآن في حياتنا هو التفكير الانفعالي حيث يتولىَّ القلب الجريح مهمة العقل، لأن سيل الدم تجاوز الزُّبى كلها، لكن هذا لن يكون أبدياً وما أن ينجح الناس بقطع المستنقع الذي يعجُّ بكل ما يلدغ ويؤذي حتى يعودوا الى الوراء لإحصاء ما خسروه وما ظنوه مكاسب في لحظات العمى التي أنتجها فائض الكبت والحرمان!
الدستور