مناسبات منقطعة عن جذورها
خيري منصور
جو 24 : كنت في حوار مع صديق حول ما أسميه انقطاع المناسبات الاجتماعية عن جذورها فروى لي حكاية طريفة عما حدث له عندما نجح في الثانوية العامة، فقد أحس كما قال بانه كان طارئا على المناسبة وغير مرغوب في بقائه لان الاحتفال العائلي بنجاحه وليس به، الى الحدّ الذي كانت احدى شقيقاته ترتطم به وهي تحمل صينية اكواب الشراب لكنها لا تراه.. تلك اذن اول عينة من الطلاق بين الناجح ونجاحه، وما حدث بعد ذلك لم يكن بعيدا عن ذلك المشهد النصف كوميدي لان نصفه الاخر مأساوي .
ففي بيوت العزاء، يتم اولا حذف الميت من المشهد، وربما لو حدثت معجزة ودخل الى السرادق قد يجد من يدفعه الى الخارج كي لا يفسد المناسبة خصوصا اذا كانت باهظة التكلفة، او له ميراث يسيل عليه لعاب الورثة!
وقد يصبح العريس ايضا طارئا على عرسه، لانه ليس المقصود بالمناسبة فالحياة اليومية الرتيبة والمتكررة على نحو مضجر تدفع الناس الى ترقب مناسبات معينة واحيانا الى اختراعها كمن يحتلفون باعياد ميلادهم عدة مرات في السنة.
ولكي لا نبقى في نطاق التوصيف لهذه المشاهد، تعالوا نذهب الى ما هو ابعد، والى عمق التكوين النفسي والاجتماعي للافراد. فظاهرة القطيعة بين المقدمات ثقافة تحتفي بالقيمة المجردة، وليس بالكائن الذي يُجسدّها فنحن مثلا نمتدح العروبة ونمجدها في الاغاني والاناشيد لكننا نزدري العربي، ونعلي من شأن القضية الفلسطينية على نحو مجرد ومناسباتي لكن الفلسطيني قد يكون عالقا بين السماء والارض، وبالمقياس نفسه يكون الحب اهم من الحبيب والصداقة اهم من الصديق، حتى الوطن الذي ما ان يتعرض الفرد الى اختبار منسوب وعيه به وانتمائه اليه قد ينتهي الامر بان يكون بمساحة شقة ولا شيء اخر، ولم يكن المثل المعروف مكان ما ترزق الصَق الا تعبيرا عن عدمية وطنية وعدم تبلور ثقافة الانتساب الى مكان ذي تاريخ وذاكرة.
فاذا كان الميت مطروداً من العزاء المقام من اجله وكذلك العريس والتلميذ الناجح كما روى لي صديقي، فأية تقاليد هذه؟
ولماذا نستغرب تفشي الشيزوفرينيا وبائيا في كل مجالات حياتنا فثمة لغة للنهار واخرى لليل وهناك همس باذن القريب مقابل صوت جهوري منافق يقول عكس ما يهمس به.
لقد كتب علماء اجتماع عرب عن ظواهر كالفهلوة والازدواجية والانتهازية لكنها بقيت كتابات في اطارها الاكاديمي اما من يتعجبون من الاحوال السياسية في عالمنا العربي عليهم ان يعودوا قليلا الى التربويات والاعداد النفسي فمعرفة السبب قد تبطل العجب!!.
الدستور
ففي بيوت العزاء، يتم اولا حذف الميت من المشهد، وربما لو حدثت معجزة ودخل الى السرادق قد يجد من يدفعه الى الخارج كي لا يفسد المناسبة خصوصا اذا كانت باهظة التكلفة، او له ميراث يسيل عليه لعاب الورثة!
وقد يصبح العريس ايضا طارئا على عرسه، لانه ليس المقصود بالمناسبة فالحياة اليومية الرتيبة والمتكررة على نحو مضجر تدفع الناس الى ترقب مناسبات معينة واحيانا الى اختراعها كمن يحتلفون باعياد ميلادهم عدة مرات في السنة.
ولكي لا نبقى في نطاق التوصيف لهذه المشاهد، تعالوا نذهب الى ما هو ابعد، والى عمق التكوين النفسي والاجتماعي للافراد. فظاهرة القطيعة بين المقدمات ثقافة تحتفي بالقيمة المجردة، وليس بالكائن الذي يُجسدّها فنحن مثلا نمتدح العروبة ونمجدها في الاغاني والاناشيد لكننا نزدري العربي، ونعلي من شأن القضية الفلسطينية على نحو مجرد ومناسباتي لكن الفلسطيني قد يكون عالقا بين السماء والارض، وبالمقياس نفسه يكون الحب اهم من الحبيب والصداقة اهم من الصديق، حتى الوطن الذي ما ان يتعرض الفرد الى اختبار منسوب وعيه به وانتمائه اليه قد ينتهي الامر بان يكون بمساحة شقة ولا شيء اخر، ولم يكن المثل المعروف مكان ما ترزق الصَق الا تعبيرا عن عدمية وطنية وعدم تبلور ثقافة الانتساب الى مكان ذي تاريخ وذاكرة.
فاذا كان الميت مطروداً من العزاء المقام من اجله وكذلك العريس والتلميذ الناجح كما روى لي صديقي، فأية تقاليد هذه؟
ولماذا نستغرب تفشي الشيزوفرينيا وبائيا في كل مجالات حياتنا فثمة لغة للنهار واخرى لليل وهناك همس باذن القريب مقابل صوت جهوري منافق يقول عكس ما يهمس به.
لقد كتب علماء اجتماع عرب عن ظواهر كالفهلوة والازدواجية والانتهازية لكنها بقيت كتابات في اطارها الاكاديمي اما من يتعجبون من الاحوال السياسية في عالمنا العربي عليهم ان يعودوا قليلا الى التربويات والاعداد النفسي فمعرفة السبب قد تبطل العجب!!.
الدستور