الاخوان وزمزم: سيناريوهات ما بعد «الطلاق»..!
حسين الرواشدة
جو 24 : على خلاف الذين هوَّنوا من قرار الإخوان فصل “3” من قيادي مبادرة زمزم والآخرين الذين هوَّلوا الموضوع واعتبروه “زلزالا” ستكون له ارتداداته الخطيرة على مستقبل الجماعة والمبادرة ايضا ،اعتقد اننا بحاجة لقراءة ثالثة اقل خفة واكثر اتزانا ،صحيح ان ما حدث كان خطأ يتحمل مسؤوليته الطرفان وانه سيكون بداية لمرحلة جديد لها حساباتها وتكاليفها وتداعياتها في موازين الربح والخسارة ،لكن الصحيح ايضا انها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الجماعة مثل هذا الحدث كما ان القول إن قرار الفصل يضع مستقبل الإخوان على المحك ويهدد وحدتها الداخلية ليس دقيقا تماما ، فنحن أمام مبادرة وليدة تشق طريقها بصعوبة وتحاول أن تجد لها موطئ قدم على أرض مجهولة حتى الآن ، مقارنة بحركة لها تاريخها وتجربتها وامكانياتها المعروفة ،وبالتالي فإن قدرتها على استيعاب ما حدث وتجاوزه ربما -مع بعض الإصابات- يبدو مرجحا بعكس المبادرة التي يمكن ان تستثمر في “المظلومية” التي تشعر بها إثر قرار الفصل سواء لتحديد انطلاقتها الجديدة أو لاستقطاب المزيد من التعاطف والترويج وربما الدعم ايضا .
ما جرى يمكن فهمه في سياقين ، أحدهما يتعلق بأصحاب المبادرة الذين قرروا في لحظة ما أن يخرجوا عن خطاب الجماعة ومواقفها ويتحرروا من “الثنائية” التي شكلت “فزَّاعة” لتخويف الناس من الاصلاح ،وهي ثنائية “الدولة والإخوان “، كان يمكن بالطبع ان يتجاوز الطرفان داخل البيت الاخواني لحظة الوصول الى الطلاق وان يتوافقوا على توظيف المبادرة لخدمة المشروع الذي يتوافقون عليه ،لكن يبدو انه كان لديهما رغبة مبيتة (لا تسأل عن أسبابها ؟) في الافتراق ، وقد اثير ذلك الموضوع في اول لقاء جرى بين اعضاء المبادرة لكن تم رفضه ،لكيلا تتحمل زمزم مسؤولية الانشقاق ، ومع ذلك فإن بمقدور اي مراقب نزيه لحركة المبادرة وتوجهاتها والجهات التي دعمتها ان يرى بوضوح مثل هذه الرغبة في “الاستقلال” وان يلمس ايضا نزعة”الانفصال “ خاصة بعد عام ونصف من الحوارات واللقاءات التي انتهت الى تصلّب الفريقين على مواقفهما وعدم قدرتهما على الوصول الى توافق.
في السياق الثاني كانت الجماعة تدرك ان المسألة لا تعلق بما تطرحه زمزم من افكار سياسية، ولا بالقائمين عليها و وزنهم التنظيمي او السياسي ، بل تتعلق بمن “دخل “على الخط، وما يريده أيضا ،ولهذا تأخرت في قرار “الكيِّ” وحاولت ان تتكيف مع الموضوع ، حتى جاءت اللحظة التي رأتها مناسبة ،وهي لحظة الانتخابات ،سواء للحزب أو مجلس شورى الجماعة، وهنا فكرت الجماعة على ما يبدو في اخراج الموضوع على شكل صفقة تحاول ان ترضي طرفي الاختلاف ،وبموجبها تم التوافق على مكافأة تيار الحمائم بمنصب الأمين العام العام للحزب مقابل تمرير قرار الفصل وتحييد المعارضين له ، وبالتالي تكون صيغة “لا غالب ولا مغلوب” هي المخرج لإزاحة القيادات الثلاث وترضية المحسوبين عليهم والمعارضين لقرار فصلهم .
ربما لم يخطر في بال أصحاب هذا المخرج - أو إن شئت الصفقة - أن زمزم ليست مبادرة شخصية ،وقوتها ليست في وزن اعضائها فقط ، بل هي “فكرة “ جرى توظيفها وتبنيها ودعمها ايضا ، وجاءت في لحظة داخلية واقليمية حرجة بالنسبة لعلاقة الاسلاميين مع محيطهم السياسي والاجتماعي ، زد على ذلك ان الاطياف التي انتسبت اليها او تعاطفت معها معظمهم -على الأقل - محسوبون على خط ديمغرافي محدد ،ويمثلون الوجه الآخر للحركة في اطار هدف” الوحدة “ والانسجام الذي تعتبره من اهم انجازاتها ، كل هذا لا يمكن لأي صفقه ان تتجاوزه ،سواء في الحسابات السياسية او الوجدانية، وبالتالي فإن فرصة إلحاق الأذى بالجماعة (ان كان ثمة من يريد ذلك) تبدو واردة وربما مرحب بها ، خاصة أن الدولة عزفت عن تقمص مواقف اقصاء الاسلاميين واعتبارهم “ارهابيين “ كما حدث في مصر والخليج واكتفت بسياسة “المحاصرة الناعمة “ وهي الآن ستتفرج عليهم وهم “يتعاركون “مع بعضم في الميدان، مع معرفتها أن ما جرى لن يشق الجماعة بل قد يضعفها، كما انه لن يصنع من زمزم “جماعة “جديدة منافسة ، وانما قد يؤسس لحالة اسلامية مختلفة ولكنها تحت السيطرة.
حالة الطلاق التي اعتقد انها تمت ولا رجعة عنها ستدفع زمزم الى التفكير في سياقين ،احدهما التحول تدريجيا الى اطار تنظيمي جديد ،ربما يكون على شكل حزب سياسي ، وربما يكون في اطار محاولة لاسترجاع شرعية “جمعية الإخوان “ ،ومع انني الآن -على الأقل- استبعد الخيار الثاني لكن لا أخفي أنني سمعت مثل هذا الطرح ،و دون الدخول في تفاصيل الاحتمالات فإن لدى زمزم ورقتين يمكن ان تستخدمهما ،احداهما :ورقة جمعية المركز الإسلامي بما تمثله من ثقل اقتصادي ومالي ودعم خيري واجتماعي لقاعدة عريضة من المواطنين ، والورقة الأخرى جمعية المحافظة على القرآن الكريم بما تمثله ايضا من دور فكري وتعليمي واثر دعوي وتربوي، وبالتالي تستطيع زمزم اذا ما استطاعت أن تحوز هذين المركزين اللذين يشكلان اهم مواقع الجماعة تأثيرا ان تحدث حالة ارتبك داخل الجماعة سواء على صعيد استقطاب المزيد من الأعضاء المنشقين او على صعيد الانطلاق بقوة لمنافسة الحركة في ميدان الإسلام السياسي والدعوي والاجتماعي ايضا .
سنلاحظ تبعا لكل السيناريوهات المطروحة، ان الجميع - الجماعة وزمزم- سيخرجون خاسرين من المُولد ، وأن أي انشقاق داخل الجماعة مهما كانت تحفظاتنا على أداء بعض القياديين فيه لن يصب في مصلحة الدولة ولا الإسلاميين ايضا وانما سيوظف من قبل خُصوم المشروع الإسلامي لإضعافهم ومحاصرتهم وتكسير عظامهم ، وإذا ما أدركنا أن الطرق اصبحت مسدودة أمام أي توافق لـ “لمِّ الشمل “ أو حتى تصحيح المسارات الخاطئة وتقليل حجم الخسائر ، فإن ما نتمناه فقط هو أن يتم الطلاق بـ”إحسان “ وان تتوقف خطابات الكراهية والتحريض بين الطرفين لكيلا يتركوا لخصومهم أن يشمتوا بهم ، وبعدها يمكن للطرفين أن يجتهدا وفق قناعاتهما لخدمة المشروع المشترك : مشروع الدولة والدعوة ايضا ، وان يظلا في دائرة الإخوة لا الأعداء ، حتى وإن كانت الجراحات عميقة ومُوجعة أيضا..
الدستور
ما جرى يمكن فهمه في سياقين ، أحدهما يتعلق بأصحاب المبادرة الذين قرروا في لحظة ما أن يخرجوا عن خطاب الجماعة ومواقفها ويتحرروا من “الثنائية” التي شكلت “فزَّاعة” لتخويف الناس من الاصلاح ،وهي ثنائية “الدولة والإخوان “، كان يمكن بالطبع ان يتجاوز الطرفان داخل البيت الاخواني لحظة الوصول الى الطلاق وان يتوافقوا على توظيف المبادرة لخدمة المشروع الذي يتوافقون عليه ،لكن يبدو انه كان لديهما رغبة مبيتة (لا تسأل عن أسبابها ؟) في الافتراق ، وقد اثير ذلك الموضوع في اول لقاء جرى بين اعضاء المبادرة لكن تم رفضه ،لكيلا تتحمل زمزم مسؤولية الانشقاق ، ومع ذلك فإن بمقدور اي مراقب نزيه لحركة المبادرة وتوجهاتها والجهات التي دعمتها ان يرى بوضوح مثل هذه الرغبة في “الاستقلال” وان يلمس ايضا نزعة”الانفصال “ خاصة بعد عام ونصف من الحوارات واللقاءات التي انتهت الى تصلّب الفريقين على مواقفهما وعدم قدرتهما على الوصول الى توافق.
في السياق الثاني كانت الجماعة تدرك ان المسألة لا تعلق بما تطرحه زمزم من افكار سياسية، ولا بالقائمين عليها و وزنهم التنظيمي او السياسي ، بل تتعلق بمن “دخل “على الخط، وما يريده أيضا ،ولهذا تأخرت في قرار “الكيِّ” وحاولت ان تتكيف مع الموضوع ، حتى جاءت اللحظة التي رأتها مناسبة ،وهي لحظة الانتخابات ،سواء للحزب أو مجلس شورى الجماعة، وهنا فكرت الجماعة على ما يبدو في اخراج الموضوع على شكل صفقة تحاول ان ترضي طرفي الاختلاف ،وبموجبها تم التوافق على مكافأة تيار الحمائم بمنصب الأمين العام العام للحزب مقابل تمرير قرار الفصل وتحييد المعارضين له ، وبالتالي تكون صيغة “لا غالب ولا مغلوب” هي المخرج لإزاحة القيادات الثلاث وترضية المحسوبين عليهم والمعارضين لقرار فصلهم .
ربما لم يخطر في بال أصحاب هذا المخرج - أو إن شئت الصفقة - أن زمزم ليست مبادرة شخصية ،وقوتها ليست في وزن اعضائها فقط ، بل هي “فكرة “ جرى توظيفها وتبنيها ودعمها ايضا ، وجاءت في لحظة داخلية واقليمية حرجة بالنسبة لعلاقة الاسلاميين مع محيطهم السياسي والاجتماعي ، زد على ذلك ان الاطياف التي انتسبت اليها او تعاطفت معها معظمهم -على الأقل - محسوبون على خط ديمغرافي محدد ،ويمثلون الوجه الآخر للحركة في اطار هدف” الوحدة “ والانسجام الذي تعتبره من اهم انجازاتها ، كل هذا لا يمكن لأي صفقه ان تتجاوزه ،سواء في الحسابات السياسية او الوجدانية، وبالتالي فإن فرصة إلحاق الأذى بالجماعة (ان كان ثمة من يريد ذلك) تبدو واردة وربما مرحب بها ، خاصة أن الدولة عزفت عن تقمص مواقف اقصاء الاسلاميين واعتبارهم “ارهابيين “ كما حدث في مصر والخليج واكتفت بسياسة “المحاصرة الناعمة “ وهي الآن ستتفرج عليهم وهم “يتعاركون “مع بعضم في الميدان، مع معرفتها أن ما جرى لن يشق الجماعة بل قد يضعفها، كما انه لن يصنع من زمزم “جماعة “جديدة منافسة ، وانما قد يؤسس لحالة اسلامية مختلفة ولكنها تحت السيطرة.
حالة الطلاق التي اعتقد انها تمت ولا رجعة عنها ستدفع زمزم الى التفكير في سياقين ،احدهما التحول تدريجيا الى اطار تنظيمي جديد ،ربما يكون على شكل حزب سياسي ، وربما يكون في اطار محاولة لاسترجاع شرعية “جمعية الإخوان “ ،ومع انني الآن -على الأقل- استبعد الخيار الثاني لكن لا أخفي أنني سمعت مثل هذا الطرح ،و دون الدخول في تفاصيل الاحتمالات فإن لدى زمزم ورقتين يمكن ان تستخدمهما ،احداهما :ورقة جمعية المركز الإسلامي بما تمثله من ثقل اقتصادي ومالي ودعم خيري واجتماعي لقاعدة عريضة من المواطنين ، والورقة الأخرى جمعية المحافظة على القرآن الكريم بما تمثله ايضا من دور فكري وتعليمي واثر دعوي وتربوي، وبالتالي تستطيع زمزم اذا ما استطاعت أن تحوز هذين المركزين اللذين يشكلان اهم مواقع الجماعة تأثيرا ان تحدث حالة ارتبك داخل الجماعة سواء على صعيد استقطاب المزيد من الأعضاء المنشقين او على صعيد الانطلاق بقوة لمنافسة الحركة في ميدان الإسلام السياسي والدعوي والاجتماعي ايضا .
سنلاحظ تبعا لكل السيناريوهات المطروحة، ان الجميع - الجماعة وزمزم- سيخرجون خاسرين من المُولد ، وأن أي انشقاق داخل الجماعة مهما كانت تحفظاتنا على أداء بعض القياديين فيه لن يصب في مصلحة الدولة ولا الإسلاميين ايضا وانما سيوظف من قبل خُصوم المشروع الإسلامي لإضعافهم ومحاصرتهم وتكسير عظامهم ، وإذا ما أدركنا أن الطرق اصبحت مسدودة أمام أي توافق لـ “لمِّ الشمل “ أو حتى تصحيح المسارات الخاطئة وتقليل حجم الخسائر ، فإن ما نتمناه فقط هو أن يتم الطلاق بـ”إحسان “ وان تتوقف خطابات الكراهية والتحريض بين الطرفين لكيلا يتركوا لخصومهم أن يشمتوا بهم ، وبعدها يمكن للطرفين أن يجتهدا وفق قناعاتهما لخدمة المشروع المشترك : مشروع الدولة والدعوة ايضا ، وان يظلا في دائرة الإخوة لا الأعداء ، حتى وإن كانت الجراحات عميقة ومُوجعة أيضا..
الدستور