القضية المهاجرة!!
خيري منصور
جو 24 : عندما يهاجر الإنسان قد يجد خيمة أو هامشاً يلوذ به، لكن القضية التي تهاجر من سياقها التاريخي ونطاقها الجغرافي ما من خيمة تتسع لها، وما من وكالة غوث في الكون تتمكن من اغاثة قضاياها لأن مكوناتها وعناصرها ومجمل حيثياتها أعقد من ذلك، والقضية الفلسطينية التي طالما وصفت بالمركزية بدأت منذ زمن تتعرض للتهميش والطرد من المتون الى الهوامش، والاهتمام بها أصبح بلغات أخرى غير الأبجدية التي احتضنت فلسطين من الألف الى الياء، فالمؤتمرات المتعلقة بفلسطين تعقد الآن في عواصم أوروبا، والمشاركون بها مثقفون وناشطون من عدة دول أوروبية وآسيوية، وكأن نبوءة الشاعر اليوناني ريتسوس قد تحققت فقد كتب خلال الانتفاضة قصيدة يقول فيها إن المرأة المثقلة بالجراح وتتوكأ على عكازين على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط.. حين يتنكر لها أبناؤها وشقيقاتها سأناديها بلغتي:
يا أميّ.
فهل هاجرت فلسطين هذه المرة كقضية بعد أكثر من ستة عقود من احتلالها؟ خصوصاً بعد أن نزعت من اطارين كبيرين هما عروبتها وأسلمتها.
القضايا المهاجرة ليست على موعد مع أية عودة، لأنها تتعرض للتجريد والترميز وتصبح مجرد قيمة انسانية تختبر منسوب العدالة والحق لدى الرأي العام، ورغم أن أي حراك قومي كانت فلسطين مرشحة لأن تكون في الصميم منه، بل شحنته، الا أن الحركات الراهنة لا تلوح فلسطين في آفاقها ربما لافراطها واستغراقها في الشجون المحلية، وربما لأن ثقافة جديدة بدأت تسود بدءاً من الخصخصة الاقتصادية حتى الخصخصة السياسية والقومية.
أليس مثيراً للتأمل والأسى معاً أن اهم ما صدر من كتب الآن عن فلسطين وما يجري فيها من انتهاكات هو بلغات غير العربية؟ وأن معظم الناشطين الذين يشجبون الانتهاكات الاسرائيلية من قارات العالم الأكثر بعداً عن فلسطين وموقعها الجغرافي.
المهاجرون يحلمون بالعودة، لكن القضايا ليست كذلك، لأن أساسها جغرافي ومكاني، وحين يتخلى عنها أصحابها تصبح مادة جديدة للاستشراق على نحو مضاد يعتذر فيه الأحفاد للأجداد من أجل توازن أخلاقي يخصهم حتى الندوات التي يقيمها فلسطينيون وعرب في عواصم أوروبا تكون المطارحات الجوهرية فيها لأوروبيين، ليس لأنهم الأدرى بشعابها، بل لأنهم الأدرى على ما يبدو بعدالتها.
لقد راهن المشروع الصهيوني على النسيان وانقطاع الأجيال عن الجذور، ومن يفسدون هذا الرهان الآن ليسوا عرباً، بل من أقوام أخرى لأن العدالة لا جنسية لها وكذلك اللامبالاة والجرائم!!
(الدستور)
يا أميّ.
فهل هاجرت فلسطين هذه المرة كقضية بعد أكثر من ستة عقود من احتلالها؟ خصوصاً بعد أن نزعت من اطارين كبيرين هما عروبتها وأسلمتها.
القضايا المهاجرة ليست على موعد مع أية عودة، لأنها تتعرض للتجريد والترميز وتصبح مجرد قيمة انسانية تختبر منسوب العدالة والحق لدى الرأي العام، ورغم أن أي حراك قومي كانت فلسطين مرشحة لأن تكون في الصميم منه، بل شحنته، الا أن الحركات الراهنة لا تلوح فلسطين في آفاقها ربما لافراطها واستغراقها في الشجون المحلية، وربما لأن ثقافة جديدة بدأت تسود بدءاً من الخصخصة الاقتصادية حتى الخصخصة السياسية والقومية.
أليس مثيراً للتأمل والأسى معاً أن اهم ما صدر من كتب الآن عن فلسطين وما يجري فيها من انتهاكات هو بلغات غير العربية؟ وأن معظم الناشطين الذين يشجبون الانتهاكات الاسرائيلية من قارات العالم الأكثر بعداً عن فلسطين وموقعها الجغرافي.
المهاجرون يحلمون بالعودة، لكن القضايا ليست كذلك، لأن أساسها جغرافي ومكاني، وحين يتخلى عنها أصحابها تصبح مادة جديدة للاستشراق على نحو مضاد يعتذر فيه الأحفاد للأجداد من أجل توازن أخلاقي يخصهم حتى الندوات التي يقيمها فلسطينيون وعرب في عواصم أوروبا تكون المطارحات الجوهرية فيها لأوروبيين، ليس لأنهم الأدرى بشعابها، بل لأنهم الأدرى على ما يبدو بعدالتها.
لقد راهن المشروع الصهيوني على النسيان وانقطاع الأجيال عن الجذور، ومن يفسدون هذا الرهان الآن ليسوا عرباً، بل من أقوام أخرى لأن العدالة لا جنسية لها وكذلك اللامبالاة والجرائم!!
(الدستور)