من هو «الوطني» الفصيح؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : سامحهم الله ،هؤلاء الذين رسخوا فينا ثقافة عنوانها: انت تعارض إذن انت وطني،وكأن دمغة “الوطنية” لا ينالها الاّ الذين يرفعون اصواتهم ويشهرون كلمة “لا” في كل مناسبة، أما الذين ينحازون الى الاردن،ويتواصلون مع مؤسساته، وينتقدون احياناً اخطاءها او يشيدون بانجازاتها،فهؤلاء في قائمة “النظام” او في “جيبته”، وهم خارج (الملة ) الوطنية اذا لزم الامر.
يمكن ان اكون “وطنياً” بامتياز، مع انني “نصف” معارض،ونصف “موالٍ”،والانصاف هنا ليست موقفاً “رمادياً” او محاولة لامساك العصا من الوسط، ولا تعبيراً عن حالة “شيزوفرينيا” سياسية،وانما هي انحياز “للحق” والصواب، وموقف اخلاقي يعتمد منطق “الإنصاف: بمعنى العدل” ،فنحن دائماً – او هكذا يفترض- منحازون للوطن سواء اكان على حق او صواب، أكان قوياً او ضعيفاً، والحياد هنا ليس وجهة نظر وانما جريمة ،لانه يعني التخلي عن التراب الذي التصقنا به،اما المسألة تجاه الحكومات والسياسات العامة واداء الاشخاص –مهما كانوا- فلها بعد آخر له علاقة بالموضوعية والنزاهة وحق التعبير عن الرأي والمشاركة في المجال العام،وهذا مفتوح للاختلاف والاجتهاد، وهو مهما كانت اجتهاداتنا لا يجرح الوطنية ولا ينتقص منها، مادام ان المسطرة واحدة،والنوايا سليمة، والهدف هو النصيحة لا الفضيحة.
بقصد يتعمد البعض الخلط بين “الانتماء” للاردن والاحساس به تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، والانحياز لترابه وشعبه والتضحية من اجله بكل شيء، وبين الانخراط في ماكينة “النظام” السياسي والتواصل مع اجهزته ومؤسساته والتماهي في “السيستم” الرسمي، والمقصود هنا الصاق تهمة الاستخدام والتوظيف لأي شخص يتعامل مع مؤسسات البلد، وكأنها ليست مؤسساته، او اعتباره “موظفاً” في خدمة سياسيات غير مقبولة، وكأن المطلوب منه ان يستعدي هذه المؤسسات او ان يظل بعيداً عنها لكي يبقى في دائرة “الوطنية” : هذه التي اصبحت الوجه الاخر لدائرة “المعارضة” وأصبح “ابطالها” هم فقط من من يحظون بشهادة “مناضل سجين” او عضوية حزب او جماعة اعتقدت انها “دولة” داخل الدولة.
في بلادنا –للأسف- ثمة من يريد ان نعيش دائما تحت “قلق” الهويّة،وان نتلاوم حول “وهم” من هو الوطني ومن هو غير الوطني،من هو الاردني الاصيل ومن هو الاردني البديل،وثمة من يحاول أن يورطنا في “فخ” التصنيف تبعاً للانتماءات والمواقف من هذه المؤسسة او تلك،او تبعاً للوظيفة والموقع والاقتراب من السلطة او الابتعاد عنها،ومقياس هؤلاء لا يعتمد على “الانجاز” ولا الانحياز للضمير ولا “الخدمة” التي يقدمها الانسان لبلده، وانما على اساس حسابات اخرى لها علاقة “بالمكاسب” او عقدة التاريخ او الاحساس بالمظلوميّة او البحث عن نصيب مفقود ، اما حسابات “الوطن” الواحد الذي استوعب الجميع واحتضنهم فلا يتذكرها الا الذين عاشوا مراراة هنا ارشدتهم للصواب، او خيبة هنالك علمتهم قيمة ان يكونوا في وطن معافىً من الحروب والصراعات،وان كان مجروحا من بعض التجاوزات والممارسات.
في ميزان الوطنية الصحيحة لا فرق بين من يعارض من اجل الوطن وبين من يشارك لاجله ايضاً، كما انه لا فرق بين الاردني الذي كان هنا او الاخر الذي جاء من هنالك مادام ان للاثنين عنواناً واحداً هو “خدمة الاردن”،وما دام انهما يتشاركان فيه بكل شيء،حلواً كان ام مرّاً، لا يهمّ هنا المواقف السياسية او الانتماءات الحزيبية،او ما ترتكبه بعض الحكومات من اخطاء في التوزيع والترقيع،او في الاقصاء والتقريب، او في الابعاد والاسترخاء، وانما المهم ان يكون هاجس الاردني دائما وقبلته ايضاً،هو الوطن، هذا الذي هو اكبر من الحكومات والجماعات والاشخاص، ومن المواقع والمكاسب ايضاً.
لا يمكن لمعادلة “الوطنية” ان تستقيم في بلادنا، ومرجعيات احزابنا من وراء الحدود،ومواقف بعض “مثقفينا” مرتبطة بالخارج، وسياسيات بعض حكوماتنا قائمة على “افرازات” الثقة بدل الكفاءة ،وادبيات جماعاتنا موصولة بحبال “الاممية”،وسجالاتها موزوعة على “اوهام” المواطنة التي لم نحسم الاجابة عليها بعد، لا يمكن في غياب “روح” الوطن الواحد التي يجب ان تسري في ابداننا ان نبني وان نتقدم وأن نخرج من ازماننا.
مرة اخرى، سامحهم الله، هؤلاء الذين أوهموننا بأن “الوطني” الفصيح والنظيف والصالح هو من “يعتكف” في بيته، او في مقاطعته ،او يتحرر من تهمة “التعامل” مع مؤسسات بلده، اما الاخرون فهم “عملاء” او موظفون او مشكوك في وطنيتهم، سامحهم الله لانهم اخطأوا ثلاث مرات: مرّة حين حرموا بلدنا من كفاءات ابنائه المخلصين وتركوه “مسرحا” لموظفي ليلة القدر، ومرّة اخرى حين اختزلوا “الوطنية” في دائرة المزايدين او المتفرجين، ووضعوها في سجن نصّبوا انفسهم حراساً عليه ولم يسمحوا لها بالخروج لكي تتنفس وترى النور..ومرّة ثالثة حيث تصوروا بأنهم وحدهم من يمنح “صكوك” الوطنية،ومن يزكي اصحابها،ويحرم الاخرين منها،وكل ذلك وفق اعتبارات مغشوشة، لها علاقة بالمكاسب لا بالمبادىء،وبالعقوق بالبلد الذي بادرهم التحية ومدّ لهم يداً فلم يردوا عليه التحية بمثلها، وآثروا ان لا يصافحوه بلا اي عذر او سبب.
(الدستور)
يمكن ان اكون “وطنياً” بامتياز، مع انني “نصف” معارض،ونصف “موالٍ”،والانصاف هنا ليست موقفاً “رمادياً” او محاولة لامساك العصا من الوسط، ولا تعبيراً عن حالة “شيزوفرينيا” سياسية،وانما هي انحياز “للحق” والصواب، وموقف اخلاقي يعتمد منطق “الإنصاف: بمعنى العدل” ،فنحن دائماً – او هكذا يفترض- منحازون للوطن سواء اكان على حق او صواب، أكان قوياً او ضعيفاً، والحياد هنا ليس وجهة نظر وانما جريمة ،لانه يعني التخلي عن التراب الذي التصقنا به،اما المسألة تجاه الحكومات والسياسات العامة واداء الاشخاص –مهما كانوا- فلها بعد آخر له علاقة بالموضوعية والنزاهة وحق التعبير عن الرأي والمشاركة في المجال العام،وهذا مفتوح للاختلاف والاجتهاد، وهو مهما كانت اجتهاداتنا لا يجرح الوطنية ولا ينتقص منها، مادام ان المسطرة واحدة،والنوايا سليمة، والهدف هو النصيحة لا الفضيحة.
بقصد يتعمد البعض الخلط بين “الانتماء” للاردن والاحساس به تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، والانحياز لترابه وشعبه والتضحية من اجله بكل شيء، وبين الانخراط في ماكينة “النظام” السياسي والتواصل مع اجهزته ومؤسساته والتماهي في “السيستم” الرسمي، والمقصود هنا الصاق تهمة الاستخدام والتوظيف لأي شخص يتعامل مع مؤسسات البلد، وكأنها ليست مؤسساته، او اعتباره “موظفاً” في خدمة سياسيات غير مقبولة، وكأن المطلوب منه ان يستعدي هذه المؤسسات او ان يظل بعيداً عنها لكي يبقى في دائرة “الوطنية” : هذه التي اصبحت الوجه الاخر لدائرة “المعارضة” وأصبح “ابطالها” هم فقط من من يحظون بشهادة “مناضل سجين” او عضوية حزب او جماعة اعتقدت انها “دولة” داخل الدولة.
في بلادنا –للأسف- ثمة من يريد ان نعيش دائما تحت “قلق” الهويّة،وان نتلاوم حول “وهم” من هو الوطني ومن هو غير الوطني،من هو الاردني الاصيل ومن هو الاردني البديل،وثمة من يحاول أن يورطنا في “فخ” التصنيف تبعاً للانتماءات والمواقف من هذه المؤسسة او تلك،او تبعاً للوظيفة والموقع والاقتراب من السلطة او الابتعاد عنها،ومقياس هؤلاء لا يعتمد على “الانجاز” ولا الانحياز للضمير ولا “الخدمة” التي يقدمها الانسان لبلده، وانما على اساس حسابات اخرى لها علاقة “بالمكاسب” او عقدة التاريخ او الاحساس بالمظلوميّة او البحث عن نصيب مفقود ، اما حسابات “الوطن” الواحد الذي استوعب الجميع واحتضنهم فلا يتذكرها الا الذين عاشوا مراراة هنا ارشدتهم للصواب، او خيبة هنالك علمتهم قيمة ان يكونوا في وطن معافىً من الحروب والصراعات،وان كان مجروحا من بعض التجاوزات والممارسات.
في ميزان الوطنية الصحيحة لا فرق بين من يعارض من اجل الوطن وبين من يشارك لاجله ايضاً، كما انه لا فرق بين الاردني الذي كان هنا او الاخر الذي جاء من هنالك مادام ان للاثنين عنواناً واحداً هو “خدمة الاردن”،وما دام انهما يتشاركان فيه بكل شيء،حلواً كان ام مرّاً، لا يهمّ هنا المواقف السياسية او الانتماءات الحزيبية،او ما ترتكبه بعض الحكومات من اخطاء في التوزيع والترقيع،او في الاقصاء والتقريب، او في الابعاد والاسترخاء، وانما المهم ان يكون هاجس الاردني دائما وقبلته ايضاً،هو الوطن، هذا الذي هو اكبر من الحكومات والجماعات والاشخاص، ومن المواقع والمكاسب ايضاً.
لا يمكن لمعادلة “الوطنية” ان تستقيم في بلادنا، ومرجعيات احزابنا من وراء الحدود،ومواقف بعض “مثقفينا” مرتبطة بالخارج، وسياسيات بعض حكوماتنا قائمة على “افرازات” الثقة بدل الكفاءة ،وادبيات جماعاتنا موصولة بحبال “الاممية”،وسجالاتها موزوعة على “اوهام” المواطنة التي لم نحسم الاجابة عليها بعد، لا يمكن في غياب “روح” الوطن الواحد التي يجب ان تسري في ابداننا ان نبني وان نتقدم وأن نخرج من ازماننا.
مرة اخرى، سامحهم الله، هؤلاء الذين أوهموننا بأن “الوطني” الفصيح والنظيف والصالح هو من “يعتكف” في بيته، او في مقاطعته ،او يتحرر من تهمة “التعامل” مع مؤسسات بلده، اما الاخرون فهم “عملاء” او موظفون او مشكوك في وطنيتهم، سامحهم الله لانهم اخطأوا ثلاث مرات: مرّة حين حرموا بلدنا من كفاءات ابنائه المخلصين وتركوه “مسرحا” لموظفي ليلة القدر، ومرّة اخرى حين اختزلوا “الوطنية” في دائرة المزايدين او المتفرجين، ووضعوها في سجن نصّبوا انفسهم حراساً عليه ولم يسمحوا لها بالخروج لكي تتنفس وترى النور..ومرّة ثالثة حيث تصوروا بأنهم وحدهم من يمنح “صكوك” الوطنية،ومن يزكي اصحابها،ويحرم الاخرين منها،وكل ذلك وفق اعتبارات مغشوشة، لها علاقة بالمكاسب لا بالمبادىء،وبالعقوق بالبلد الذي بادرهم التحية ومدّ لهم يداً فلم يردوا عليه التحية بمثلها، وآثروا ان لا يصافحوه بلا اي عذر او سبب.
(الدستور)